احتفي في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي بتوقيع اتفاقية غاز مع شركة البترول البريطانية (BP) اعتبرت نجاحا باهرا، وذلك رغم أن الاتفاقية إنما جاءت بعد عقدين من المقايضة خرج منها عملاق الطاقة البريطاني بمكاسب متزايدة وشروط محسنة دون أن تنتج الشركة أي غاز.
فبحسب الاتفاق ستحصل شركة البترول البريطانية مع شريكتها آر دبليو إي ديا على مائة بالمائة من أي أرباح تجنيها - بعد دفع الرسوم والضرائب – من امتيازات منحت لهما لاستخراج الغاز من حقلين مصريين في البحر. يقول المحللون إن الشروط التي حصلت عليها الشركتان إنما تعكس حاجة مصر الماسة للغاز وحالة عدم الكفاءة التي يدار من خلالها هذا القطاع في مصر منذ سنوات طويلة.
وكان من جراء هذه المقايضة التي استمرت عشرين عاماً بين شركة البترول البريطانية والشركة المصرية المملوكة للدولة أن تكبدت البلاد خسائر لا تقل عن 32 مليار دولار كان من المفروض أن تجنيها، وذلك بحسب ما قاله أحد أعضاء مجموعة العمل التي تشتمل على موظفين من شركة البترول البريطانية ومن شركة الغاز المصرية المملوكة للدولة بناء على تحليله لبيانات العقود السابقة.
بإمكان ميدل إيست آي أن تكشف النقاب عن أن الاتفاقية الأخيرة، والتي تستمر لثلاثين عاماً، تنص على أنه:
- سوف تستثمر شركة البترول البريطانية 12 مليار دولار لتطوير حقلين بحريين مصريين، أحدهما باسم "شمال الإسكندرية" والآخر باسم "غرب المتوسط في المياه العميقة".
- سوف تبيع شركة البترول البريطانية مائة بالمائة من الغاز بأسعار تتراوح ما بين 3 إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية إلى شركة النفط العامة المصرية.
- سوف تبيع شركة البترول البريطانية 100 بالمائة من المكثف المكتشف إلى شركة النفط العامة المصرية.
- سوف لن تدفع شركة النفط البريطانية سوى الرسوم وضريبة الدخل.
- سوف تمثل الاتفاقية تحولاً عن نموذج الشراكة في الإنتاج، والذي طالما استخدم من قبل مصر، والذي تتقاسم فيه الشركات والدول في العادة الأرباح بنسبة 20 إلى 80، إلى نمط الضريبة والرسوم، والذي يقول المحللون إنه يخصخص قطاع الغاز المصري ويسلم السيطرة وزمام أمور استغلال الموارد الطبيعية إلى الشركات الخاصة.
يقول حاتم عزام، العضو السابق في البرلمان المصري والذي كان أيضا أمينا عاما للجنة الصناعة والطاقة: "إن قرار منح ملكية احتياطيات النفط والغاز، وكذلك الموجودات المستثمرة، إلى شركة البترول البريطانية فجأة هكذا وبدون مقدمات لهو خطوة تتطلب بالتأكيد تحقيقاً معمقاً من قبل الشعب المصري، ممثلاً بالبرلمان الشرعي، وذلك لتقييم ما إذا كانت ثمة فوائد في ذلك، هذا إن وجدت أصلاً".
وحذر عزام، الذي يقول المسؤولون المصريون بأنه لا يرحب بعودته إلى البلاد بعد أن تكلم ضد انقلاب يوليو 2013، من أن الصفقة قد تصبح بلا قيمة إذا ما حصل تغيير آخر في الحكومة.
وأضاف: "لم يصبح ذلك تاريخا بعد، وإن جميع الاتفاقيات التي يبرمها النظام بهذه الطريقة لا تلزم المصريين وسوف تعتبر لاغية حينما ينتهي الانقلاب العسكري".
يقول المحلل في مجال الطاقة ميكا مينيو بالويلو: "لو كنت مصريا لأرعبني بالتأكيد مدلول التحول من اتفاقيات الشراكة في الإنتاج. هناك فرق بين ما هو أفضل بالنسبة للدولة المصرية وما هو أفضل بالنسبة لشركة البترول البريطانية. وكلما زادت الصلاحيات الممنوحة لشركة البترول البريطانية في مجال اتخاذ القرارات، تضاءل نصيب المصلحة العامة في أن تكون ممثلة بحق".
وهناك من يقول إن ذلك هو ببساطة ثمن إبرام الصفقات التجارية.
يقول دافيد باتلر، محلل مختص في شؤون الشرق الأوسط وزميل في شاتام هاوس: "لو كان لدى مصر بديل آخر لذلك لما ترددوا في اللجوء إليه. الحقيقة التي لا مناص منها هو أن إنتاج الغاز سيكلف ما يتطلبه ذلك من تكاليف".
ودافعت شركة البترول البريطانية عن الصفقة أيضا، وقال متحدث باسم الشركة في تصريح لميدل إيست آي: "إن مشروع استثمار غرب دلتا النيل هو أكبر مشروع استثمار أجنبي في مصر، وهو يؤكد ثقتنا المستمرة بمصر والتزامنا بالعمل على إطلاق مكنونها من الطاقة".