انحدر مستوى الاهتمام بالقضية الفلسطينية لمستوى غير مسبوق بفعل السياسة المتخبطة التي ينتهجها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في تعامله على كل الأصعدة المتعلقة بالملف الفلسطيني والتعامل مع الاحتلال والمجتمع الدولي.
إذ يعيش عباس في حالة انتظار لما ستؤول إليه الأوضاع الإسرائيلية الداخلية، بينما يتملكه التردد في التعامل مع ملف المصالحة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يركز كل جهوده فيما يسميها بالمعركة القانونية التي لم ينعكس أي من إنجازاتها على الواقع الفلسطيني حتى اللحظة.
وبرغم تغنيه الدائم بأهمية المفاوضات كخيار أول وأخير للسلطة في التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي إلا أنه لم يتلق سوى الصفعات الواحدة تلو الأخرى من شريكه نتنياهو، ومع ذلك ما زال مصرًا على المضي قدمًا في المفاوضات مع طلبه الوحيد بتحسين شكلي على أجوائها.
أما في الشأن الفلسطيني الداخلي، بدا جليا أن كل سياساته المتبعة اتجاه المصالحة الفلسطينية والسعي لتحسينها ما هي إلا مناورات تهدف لتضييق الحصار عبر غطاء رسمي شكلته حكومة التوافق التي أجمع الكل الفلسطيني على تقصيرها الواضح في حل أزمات قطاع غزة المتراكمة.
وأرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الدكتور عبد الستار قاسم أسباب التخبط السياسي لدى عباس؛ إلى عدم توافر مقومات القيادة لديه، موضحا أن عهده شهد انتشار الكراهية بين الأخوة الفلسطينيين وخير شاهد على ذلك الانقسام الحاصل بين غزة والضفة منذ 8 سنوات دون أي سعي من قبله لإنهائه.
ومن أبرز أسباب فشل الرجل في حياته السياسية أيضًا، يذكر قاسم أن عباس لم يملك رؤية شاملة أو استراتيجية وطنية في قيادته لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح أيضًا، إنما يعتمد في سيره على العشوائية والظروف المحيطة.
ويرى قاسم ان نجاح عباس يقتصر على تحسين الوضع الأمني (الإسرائيلي) عبر التمسك بالتنسيق الأمني ومحاربة الكفاح المسلح في الضفة المحتلة، ومعاداته للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وتؤكد الوقائع على الأرض أن فشل عباس طال حركة فتح ذاتها حيث كثرت فيها الانشقاقات حتى أنها لم تستطع عقد مؤتمرها السنوي واجلته لأكثر من مرة، فيما انتكست منظمة التحرير ولم يكن لها أي حضور كما السابق.
واتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر مخيمر أبو سعدة مع سابقه، على تحمل الفصائل الفلسطينية جزءاً من الفشل الذي ألحقه عباس بالقضية الفلسطينية؛ بتماشي معظمها مع سياسات عباس دون البحث عن استراتيجية وطنية تحسن وضع القضية الفلسطينية.
وأرجع المحللان الإهمال الدولي والعربي للقضية الفلسطينية في كافة ملفاتها، إلى تخلي القيادة الفلسطينية عن مهامها، وانعدام التوافق في البرامج السياسية لكافة التنظيمات الفلسطينية، وتعمد عباس تجاهل عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير، وبقاء قرار الانتخابات في الأدراج المغلقة.
وفي الوقت نفسه، استغرب أبو سعدة إصرار عباس على المفاوضات برغم الفشل الذريع فيها، موضحًا أن الرهان عليها فاشل أيضًا لأن شريك عباس في الجانب (الإسرائيلي) والمقصود هنا نتنياهو لا يسعى أبدًا للحل والسلام مع الفلسطينيين.
وبرغم تقديم حماس لتنازلات واضحة في سبيل إنجاح المصالحة الفلسطينية إلا أن عباس تجاهل الخطوات الإيجابية، وبدا متمسكًا بأمور هامشية؛ مما فاقم معاناة الشعب الفلسطيني بغزة، وكذلك العكس حينما تمسكت حماس بأمور ثانوية، وفق أبو سعدة.
ولم ير كلا المحللان أي تغيير في سياسة السلطة على المدى القريب، فيما ستستمر حالة الانتظار للمتغيرات (الإسرائيلية)، والبحث عن مكان للقضية الفلسطينية وسط ازدحام القضايا الدولية، وإبقاء المصالحة رهن المصالح الحزبية؛ لعدم توافر إرادة سياسية للخروج من الأزمة الحالية.