ارتدى زيه الرياضي المفضل، وسارع للتبكير قبل موعد المباراة بساعتين، بهدف الجلوس في مكان مناسب؛ فهو مولع بمشاهدة مباريات الدوري، ذلك في التاسع عشر من ديسمبر الماضي، حيث كان على موعد لقضاء وقت ممتع لمشاهدة مباراة بين نادي خدمات الشاطئ واتحاد خانيونس على أرض ملعب "اليرموك".
لم يكن الحال كما توقعه الشاب حمادة عبد الهادي "27 عاما"، فبينما كان يتابع كأي مشجع مجريات المباراة ألقى أحد المشجعين قنبلة يدوية اصطدمت بالسياج القريب منه وارتدت نحوه وبعض رفاقه المجاورين له، وعلى اثرها فقد سبابته اليمنى، وتضرر الإصبع الأوسط بشكل كبير، ونالت بعض الشظايا من كتفه الأيسر.
يقول عبد الهادي الذي أصبح يقلل حضور المباريات: "كان ذلك عندما أحرز نادي خدمات الشاطئ هدفا، ويضيف متألما: "أُلقيت القنبلة مباشرة نحوي، وعندما حملتها لألقيها بعيدا انفجرت في يدي، لم أشعر بشيء سوى أنني دخلت الملعب وأنا انزف دما".
منظومة مهددة
ما ناله هذا الشاب من اعتداء في اكبر الملاعب بغزة، واحد من عدة حالات عنف طالت المشجعين بسبب التعصب وعدم تقبل الهزيمة الرياضية، وهي إن لم تكن ظاهرة في المجتمع، إلا أنها تضع الجميع من مؤسسات وأشخاص معنيين أمام واجب الحفاظ على حياة جميع أفراد المنظومة الرياضية في القطاع من لاعبين وحكام وجماهير وإعلاميين.
وتشير الاحصاءات التقريبية إلى أن أحداث الشغب التي حصلت في المباريات منذ بداية الدوري في نوفمبر الماضي، قد أوقعت العشرات من المصابين، وتتراوح بين الطفيفة والحرجة التي يترتب عليها بتر أو فقأ عين.
الاتحاد: فتحنا تحقيقا في عدد من أحداث العنف
المعنيون بحال الرياضة بغزة يقرون لـ"" بأن السلوك العدواني داخل الملاعب أخذ في التفاقم وقد يحدث كارثة في المرحلة المقبلة، ورغم عدم الإنكار بأن هناك ضعف في البنية التحتية الرياضية في القطاع، وقصور في الإمكانيات الشرطية والصحية إلا أن السماح للآلاف من أجل الاستمتاع في حضور مباراة يتطلب العمل بمسئولية أكثر من الشرطة الفلسطينية في الملاعب وكذلك اتحاد كرة القدم، وفق قولهم.
الجريمة التي حدثت بحق المواطن "عبد الهادي" وغيره، تتطلب المزيد من العمل من أجل منع حدوث أي كارثة إنسانية، خاصة أن الدوري سيشهد مباريات "طاحنة" في ظل اشتعال المنافسة، التي يتابعها جماهير الأندية المشاركة، علما أن بعضها ينفعل ويتصرف "دون مسؤولية ووعي" في التعبير عن حماسه الشديد، سواء من خلال شتم اللاعبين والحكام وإلقاء الحجارة في الملاعب.
نزيف بالعين
قصة أخرى وقفت عليها ""، تتعلق بإصابة بالغة للفتي أحمد أبو عميرة- 17 عامًا- في عينه. وخرج أبو عميرة من بيته الواقع في مخيم الشاطئ تتملكه حماسة شديدة لمتابعة إحدى المباريات في ملعب "اليرموك"، وبينما هو منهمك في متابعة الأحداث صعق الفتى بقنبلة يدوية تنتصف المكان، وتخترق شظاياها عينه اليمنى، وبعد اسعافه تبين أن هناك نزف داخلي، الأمر الذي اخضعه لعملية جراحية.
دفع هذا الفتي ثمن تذكرة دخول الملعب ملتزما بكافة التعليمات، حرصا منه على متابعة المباراة التي جاء متحمسا لمشاهدتها، لكنه لم يكن يعلم أن هذه هي آخر مرة سيرى فيها الساحرة المستديرة التي يعشقها منذ الصغر.
وقال المصاب: "كنت منسجما مع مجريات المباراة، ولكن فجأة وجدت شيئا ما يخترق عيني، وضجة من عدد كبير من الناس حولي، ثم حملوني إلى المستشفى، وهناك اكتشفت أني فقدت أغلى ما أملك". منذ تلك اللحظة يتجنب المصاب متابعة رياضة كرة القدم خوفا من التعرض لحادثة مشابهة.
كارثة قد تحدث
أمام هذه الحوادث المتكررة، حذر الإعلامي الرياضي مصطفي صيام من استمرار العنف في الملاعب الذي قال إنه يمس منظومة كرة القدم بشكل كامل، مضيفا: "ما حدث مؤخرًا من إلقاء قنابل ومفرقعات وألعاب نارية هو مؤشر خطير تقع مسئوليته على الشرطة والاتحاد ومجالس البلديات، وإذا لم تمنع هذه التصرفات في المرحلة القادمة سيكون الوضع كارثيا خاصة أن الدوري في قطاع غزة يتميز بمنافسة قوية وشرسة على ضوء التعصب الكبير من الجماهير".
ويوضح صيام أن المشكلات التي تحدث بين جماهير الأندية أو المشجعين كإلقاء بعض الزجاجات الفارغة أو الألعاب النارية هي "تصرفات فردية وليست جماعية" تحدث في إطار الـ90 دقيقة التي يلعب خلالها الفريقان.
وينوه إلى أن هناك تقصير في مسألة وجود طاقم صحي وإسعافات لدواعي عدم توفر سولار أو وجود حالة طوارئ لدى الجهات المعنية. وقال: "هذا التقصير قد يودي بحياة بعض اللاعبين، وشاء القدر تواجد أطباء اثناء المباريات الأمر الذي اسهم في اسعاف الحالات المصابة الناتجة عن الشغب".
واستهجن الإعلامي الرياضي ما وصفه بـ"الكارثة الكبيرة" على إثر احاطة "شبح الموت" باللاعبين في ظل استمرار عمليات العنف داخل اروقة الملاعب.
سياسة التفتيش
على ضوء ذلك، توجهت "" إلى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لتقف مع عضو الاتحاد ورئيس لجنة المسابقات يوسف صرصور للحديث عن المشكلات التي تقع في الملاعب، دون الحد من خطورتها وصولا للأسبوع السابع عشر من دوري الدرجتين الممتازة والأولى، فأشار صرصور بغضب إلى إمكانية فرض عقوبات قاسية على المشجعين من قبل الأندية.
وقال صرصور "إن الفترة الأخيرة شهدت تعميمات للفرق بضرورة الزام مشجعيها بالأخلاق الرياضية أثناء المباريات، مضيفا: "أعتقد أن التعميمات التي بعثناها للأندية ستلعب دورا كبيرا في الحد من ظاهرة رمي المفرقعات في الملاعب".
الشرطة: حدوث بعض المشكلات وارد في الملاعب بعيدا عن أعيننا
ورفض في الوقت نفسه الاقتراح القاضي بضرورة تفتيش المشجعين قبل المباراة، قائلا: "من غير المعقول أن ننفذ هذه الخطوة لصعوبتها، خاصة أن الجماهير تجد كرة القدم وسيلة للترفيه وليس لافتعال المشكلات".
وأشار عضو اتحاد كرة القدم إلى أنه سبق لهم فتح تحقيق في عدد من المشكلات وأحداث العنف التي جرت في المباريات، مشددا على ضرورة معاقبة المخالفين.
وكانت لجنة الانضباط في اتحاد كرة القدم قد فرضت عقوبات قاسية على ناديي خدمات النصيرات واتحاد خانيونس، بعد الأحداث التي رافقت لقاء الأول مع شباب خانيونس، والثاني مع خدمات الشاطئ.
وعوقب خدمات النصيرات بنقل مباراتين بيتيتين له خارج أرضه، وأُوقف لاعبه فريد الحواجري سنتين ميلاديتين، بالإضافة للغرامات المالية، أما اتحاد خانيونس فنقلت لجنة الانضباط له مباراتين خارجه أرضه، كما أوقفت لاعبيه حازم الغلبان وإبراهيم النجار لقاءين.
أين الصحة؟
وفي إحدى حالات العنف التي أدت إلى إصابات، كان طبيب جراحة الأوعية الدموية عميد عوض يتواجد بشكل شخصي كعضو مجلس نادي خدمات الشاطئ في الملعب، ومع هذا سارع لتقديم الإسعافات الأولية لحالتين أصيبتا من شظايا الألعاب النارية والقنابل الصوتية وذلك قبل أن يتم تحوليهما إلى المستشفيات لخطورة الإصابة.
الدائرة الطبية: الصحة لا توفر سيارات إسعاف ومسعفين
وقال الطبيب عوض الذي عُيّن قبل نحو شهر رئيسا للدائرة الطبية في اتحاد كرة القدم، "معالجو الأندية متواجدون في الملاعب وهم على اهبة الاستعداد للتعامل مع مصابي المباريات".
وفيما يتعلق بعدم وجود سيارة إسعاف داخل الملاعب، أشار عوض إلى أن من يوفر الإسعاف لتغطية المباريات الغزية هي جمعية الهلال الأحمر بناء على اتفاقية مسبقة مع اتحاد الكرة، مشيرا إلى أن وزارة الصحة لا توفر أي من المعالجين أو سيارات الإسعاف.
في الاثناء أرجع المصور الصحفي علاء شمالي وجود العنف في الملاعب إلى ثقافة عدم تقبل الجمهور للخسارة، خاصة في الأندية التي تتمتع بجماهيرية كبيرة مثل نادي الشاطئ أو خدمات رفح أو الشجاعية.
وقال شمالي الذي وثق بعدسة كاميرته حالات العنف: "عندما يتعرض النادي إلى خسارة يفتعل مشجعوه أعمال عنف، تنحصر في إشعال نيران في أدراج الملعب، أو إطلاق مفرقعات تحدث إصابات".
ويسجل شهادته حول "إدخال بعض المشجعين إلى مفرقعات وأسلحة بيضاء رغم توفر التعزيزات الامنية"، مرجعا ذلك إلى وجود ثغرات في الملاعب والتي يتمكن من خلالها "المشاغبون" من الصعود إلى المدرجات.
لم يقض
ويحاول جهاز الشرطة إيفاد عناصره إلى الملاعب في زمن المباريات خلال بطولات الدوري خشية وقوع اعمال شغب تعكر صفو الموسم الرياضي.
ويقول المقدم أيمن البطنيجي الناطق باسم الشرطة في قطاع غزة "إنهم حريصون على إنجاح البطولات من خلال تأمين المباريات وإيصالها إلى بر الأمان".
إعلامي رياضي: تفعيل مبادرات نبذ العنف ستسهم في تراجع حدته
ومع هذا يأسف البطنيجي لكون ملاحقة تجار المفرقعات واعتقالهم لم يقض على ظاهرة إثارة الشغب في الملاعب، مقرًا بإمكانية حدوث بعض الإشكاليات في المباريات بعيدا عن أعين عناصر الشرطة، لكن يتم السيطرة عليها في نهاية الأمر، حسب تأكيده.
وشدد المتحدث باسم الشرطة على ضرورة معاقبة الأشخاص الذين يتسببون في إصابة الجماهير خلال المباريات، ملقيا باللوم على الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فيما يتعلق بالمطالبة بتفتيش المشجعين، حيث أكد أنهم مستعدون للقيام بهذا الأمر في حال طلب منهم الاتحاد.
أحمد محيسن الوكيل المساعد بوزارة الشباب والرياضة، من جهته أكد أنهم تواصلوا مؤخرا مع الشرطة واتحاد كرة القدم لضبط حالات العنف المتكررة في الملاعب، مشيرا إلى أنهم بصدد عقد ورشة عمل بين الأطراف المسؤولة للخروج بتوصيات تقضي على الظاهرة التي بدأت تنتشر بشكل كبير في الأسابيع الماضية من دوري الدرجتين الممتازة والأولى.
وقال محيسن: "تواصلنا مع عدد من الأندية في الفترة الأخيرة لأجل توعية جماهيرها التي تتواجد في المدرجات خلال المباريات"، مطالبا المتفرجين بالتحلي بالأخلاق الرياضية في جميع الأحوال بما فيها الخسارة.
وأكد أنهم أصدروا بيانا صحفيا رفضوا فيه الأحداث التي جرت خلال لقاء خدمات خانيونس وشباب خانيونس في الأسبوع السادس عشر من دوري الدرجة الممتازة، آملا أن يواصل الاتحاد اتخاذ اجراءات عقابية رادعة بحق مثيري الشغب في الملاعب.
عدة حلول خرج بها هذا التحقيق للقضاء على العنف في الملاعب الفلسطينية منها كما ينصح رئيس لجنة المسابقات "صرصور" بضرورة قيام روابط الأندية بتعزيز مبدأ التشجيع المثالي واللعب النظيف لتحفيز اللاعبين داخل المستطيل الأخضر بشكل حضاري.
من جهته, يشير الإعلامي صيام إلى أن أهمية تفعيل المبادرات التي طرحت من المؤسسات الرياضية لنبذ العنف، وهذه المبادرات تسهم في تراجع حالات العنف، داعيا الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والإعلام الرياضي ومجالس إدارات الأندية إلى تحمل المسئولية كاملة للحث على ضرورة نبذ العنف والتعصب الأعمى.
وفي ظل ظروف الحصار التي يمر بها قطاع غزة، يعد الاهتمام بالجانب الرياضي مسألة ملحة خاصة بالنسبة للشباب الذين يتخذون من الملاعب متنفسا عن همومهم، لذا يتوجب على الجهات المسؤولة كافة الاهتمام بعدم تعكير صفو الواقع الرياضي ببعض التصرفات غير المسئولة التي توقع عنفا له انعكاسات سلبية.