بينما تتنافس شركات التقنية على تطوير ابتكارات جديدة في مجالات الحواسيب المكتبية والمحمولة والقابلة للارتداء، تسعى مراكز الأبحاث التابعة لجامعات كبرى نحو تطوير حواسيب بالغة الصغر لا يتجاوز حجم الواحد منها المليمتر المكعب.
ويعود تاريخ البدء في تطوير هذه الحواسيب إلى القرن الماضي، وتحديدا إلى العام 1997، عندما كشف كريستوفر بيستر، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي عن مصطلح "الغبار الذكي"، ليعبر به عن حواسيب صغيرة لدرجة أنه يصعب ملاحظتها بالعين المجردة.
وتوقع بيستر أن تغطي هذه الحواسيب في المستقبل مساحات شاسعة من الكرة الأرضية، لتقوم بجمع ونقل المعلومات عن الأشخاص والبيئة بالزمن الحقيقي، بحيث يؤدي كل حاسوب مصغر -جسيم الغبار- وظيفته بشكل ذاتي، من خلال التقاط البيانات ومعالجتها والتواصل مع حواسيب أخرى، كل ذلك باستهلاك طاقة ضئيل للغاية، وبحيث لا يتعدى حجم الحاسوب الواحد المليمتر المكعب.
وفي سعيه نحو تحقيق هدفه، نجح بيستر بتطوير نموذج أولي من "الغبار الذكي" عام 1999، ليقوم زميله جاسون هيل بتطوير نظام التشغيل "تيني أو إس" (TinyOS) المتوافق مع جسيمات غبار بيستر والقادر على ربطها مع جهاز مركزي يعرف باسم "ميكا" (Mica) عام 2001.
وفي العام 2002 تمكن هيل من تصميم جسيمات "سبيك" بحجم 2.5 مليمتر مكعب مزودة بنظام راديو قادر على إرسال الإشارات فقط، في حين أسس "بيستر" عام 2003 شركة "دست نيتوركس" التي نجحت بتطوير حواسيب بحجم مكعب السكر ومع ذلك كانت عاجزة عن أداء بعض المهام التي تتطلب أجساما بالغة الصغر، على غرار مهام تشخيص مشاكل أو إصابات الدماغ.
"جسيمات دوتا تعد أصغر أنواع "الغبار الذكي" المعروفة في أيامنا هذه، حيث يبلغ حجم الجسيم الذكي منها مليمترا مكعبا واحدا"
جسيمات دوتا
وتعتبر جسيمات "الغبار الذكي" المبتكرة من قبل برابال دوتا الأستاذ المساعد في جامعة ميتشيغان، أصغر أنواع هذا النمط من الحواسيب المعروفة في أيامنا هذه، حيث يبلغ حجم الجسيم الذكي منها مليمترا مكعبا واحدا.
وتعد جسيمات دوتا نتاجا لمشروع "أم ثري"، وهي بانتظار الحصول على موافقة مكتب التراخيص التابع للجامعة -وهو أمر متوقع حدوثه في وقت قريب وفقا لدوتا- قبل أن يكشف عن مزيد من تفاصيلها، إلى جوار إتاحتها لمراكز الأبحاث وجهات متنوعة ليصار إلى الاستفادة منها في تطبيقات كثيرة.
وحسب دوتا، يمكن الاستفادة من "الغبار الذكي" بشكل كبير في مجالات عسكرية، على غرار مراقبة تحركات الأعداء، كما أن هذه الجسيمات تأتي بأحجام تسمح لها بدخول جسم الإنسان ورأسه بهدف مراقبة الأورام السرطانية أو تحديد مقدار إصابة الدماغ بعد التعرض للحوادث، بالإضافة إلى إمكانيات الاستفادة منها في أبحاث الفضاء، أو أثناء وقوع الكوارث الطبيعية من خلال استخدامها في جمع المعلومات من المناطق المنكوبة.
وتتميز النماذج الحديثة من "الغبار الذكي" باستهلاكها البالغ الانخفاض للطاقة -من مرتبة النانوواتات- وبمعماريتها الخاصة التي تجعل منها أشبه بحاسوب حقيقي من خلال احتوائها على ذاكرات خاصة وقدرات لمعالجة البيانات ونظام اتصال لاسلكي، مما قد يمهد الطريق أمام تحقيقها ثورة في عالم الحوسبة مستقبلا.
ويذكر أن تاريخ الأجهزة الفائقة الصغر يعود إلى أكثر من نصف قرن عندما استخدمتها القوات الأميركية أثناء حرب فيتنام حيث ألقت آلاف أجهزة الاستشعار بغرض مراقبة تحركات العدو، لكن تلك العملية فشلت نظرا للكميات الكبيرة من التنبيهات الكاذبة التي وصلت القوات الأميركية عبر تلك الأجهزة.
وتتابع حاليا "وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية" الأميركية المعروفة باسم "داربا" تمويل مشاريع مشابهة منذ العام 1980 وحتى وقتنا هذا، تحت مصطلح أكثر شمولا تندرج تحته تقنية "الغبار الذكي"، هو "النظم الكهربائية الميكانيكية الدقيقة".