غزة- ديانا طبيل
"ايش اللي رماك على المر؟ قال : اللي أمر منه"، يلخص هذا المثل الشعبي حال الكثير من الأطفال الذين يعملون في شبكة الأنفاق على الحدود المصرية الفلسطينية جنوب القطاع ، إذ يدفع العشرات حياتهم ثمناً لرغيف الخبز المغموس بالرمال، إما خنقا، أو صعقا نتيجة خلل فني، أو انهيارات مفاجئة جراء القصف الاسرائيلى الذي شهدته منطقة الأنفاق خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
** تحفر قبرك
"تعددت الأسباب والموت واحد" ,أن تحفر نفقاً يعنى أن تحفر قبرك بيدك ، بهذه العبارة بدأ "محمد- ق " 15عاما " حديثه "للرسالة" ، يقول محمد بجسده الغض: "حفر النفق ليس سهلا، خصوصا إذا امتد لمسافة كيلومتر تقريبا ، وقد يستغرق حفره ستة أشهر على الأقل نقضي أغلبها تحت الأرض لا نرى ضوء الشمس.
ويصف محمد عملية الحفر بالخطرة، ويضيف :" كل مرة أدخل النفق أشعر أن الموت يتربص بي, ولكن لا مفر أمامي في ظل عدم توافر فرص العمل، فهذه الوسيلة الوحيدة لإطعام أسرتي المكونة من عشرة أفراد ".
و يتقاضى محمد 25 دولار يومياً ، مشيرا إلى أنه أصبح يعيش في حالة خوف شديد وخطر محدق، فمنذ انتهاء الحرب يترقب أي إشارة إخلاء ، موضحاً أنه مجرد سماع صوت الطائرات الحربية الإسرائيلية يدب الخوف في نفسه .
وعن أسوأ اللحظات التي قضاها محمد داخل النفق يقول: كنت أحفر باتجاه الحدود المصرية و فجأة انهارت الرمال، وأصبحت مع اثنين من أصدقائي محصورين بمساحة ثلاثة أمتار يغطيها التراب ، مضيفا لولا "حلاوة الروح" لما استطعنا أن نحفر الردم بأيدينا ، والخروج بأعجوبة .
أما علاء . م " 16 عاماً " فيقول أعمل في الأنفاق منذ سنة تقريبا، و طيلة هذه الفترة أشعر كالمريض النفسي، فتحليق الطائرات، و خشية انهيار النفق نتيجة التشققات التي حدثت بفعل الانفجارت الإسرائيلية، إضافة إلى الإجراءات المصرية المشددة بين الفينة والأخرى تجعلني متأهب للوقوع بشباك الموت المفاجئ .
*** حلاوة الروح
ويقول علاء :" ما يجبرني على هذا العمل صعوبة الحياة في قطاع غزة فوالدي عاطل عن العمل منذ عام 1998م ولا معيل لأسرتي، فاضطررت لترك المدرسة والعمل في أنفاق الموت لأخفف العبء عن أسرتي.
ويشير علاء إلى أن ساعات العمل المتواصلة والتي تمتد لاثني عشر ساعة تجعله منهك للغاية لا يدرك من أيامه شيئاً، لكنه لا يستطيع التذمر حتى لا يضطر " القطيع " الشخص المسئول عن الحفر بجلب بديل، لذلك يستعيض علاء عن ألمه ببعض الحبوب المهدئة " الترمال " ليتمكن من الاستمرار في العمل وانجاز مهمته .
وأوضح الناشط الحقوقي إياد أبو حجير نائب مدير المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات أن هناك قرابة عشرة آلاف طفل من غزة يعملون في أكثر من ألف نفق ، يشكلون حوالي 60% من إجمالي عدد العاملين في هذه الأنفاق.
وأضاف أبو حجير أن هؤلاء الأطفال يتنفسون الموت مع رائحة الرمل،و يعملون داخل نفق ضيق يصل طوله إلى أكثر من 700 متر وبعمق أكثر من 12 مترا تحت سطح الأرض .
** انتهاك
وفي السياق ذاته يقول أبو حجير "للرسالة": القصف الإسرائيلي للأنفاق بعد الحرب يهدد حياة هؤلاء الأطفال ، فقد أدى إلى حدوث تصدعات، للأنفاق وبالتالي تسبب في انهيارها بشكل مفاجئ، ويضيف أن استهتار مالكو الأنفاق في توفير وسائل الحماية كان سببا في انهيار العديد من الأنفاق.
وبحسب المصادر الطبية في مستشفى أبو يوسف النجار والمستشفى الأوروبي فقد بلغ عدد الضحايا من الأطفال 33 طفلاً منذ بدء العمل فيها، أي ما نسبته 27% من إجمالي عدد الضحايا.
ويبين أبو حجير أن عمل الأطفال ممنهجاً ومقصوداً خاصة وأن حجمهم أجسامهم مناسب للعمل يمكنهم من الحركة داخل النفق بصورة أفضل .
ويتعرض الأطفال إلى انتهاكات واضحة من تجار الأنفاق الذين يستغلوهم بشكل يومي مقابل أجور زهيدة.
والغريب في الأمر أن الأوضاع المأساوية لأكثر من 80% من سكان القطاع تجعلهم يشجعون أطفالهم على العمل في الأنفاق للكسب المادي ، رغم إدراكهم من خطورته، فهذا العمل يدر دخلاً معقولاً، يتكفل بمصاريف الأسرة.
ويرى الناشط الحقوقي أن مأساة أطفال الأنفاق، لا يمكن فصلها، أو عزلها عن واقع الحال ومجمل الأوضاع المتأزمة نتيجة الحصار الإسرائيلي ، والعلاقة غير المستقرة بين حكومة غزة والحكومة المصرية.
ويعتقد أبو حجير أن السؤال الأهم الآن لجميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية هو كيف نحمي أطفالنا من خطر الموت الذي يتهددهم بالدفن أحياءً ؟ وعلى الجميع تحمل مسئولياته خاصة المجتمع الدولي الرسمي والشعبي مسئولياته التاريخية والأخلاقية بالضغط الحقيقي على إسرائيل من أجل إنهاء الحصار .