حتى قبل أن يتم الإعلان عن تشكيلها، فأن حكومة نتنياهو الجديدة تكشر عن أنيابها تجاه المسجد الأقصى، وتشي المؤشرات التي يكشف عنها المشاركون في هذه الحكومة بحجم المكر الذي ينتظر الحرم القدسي الشريف.
فلم يكن من قبيل الصدفة أن يعلن وزير الإسكان أوري أرئيل، القيادي في حزب "البيت اليهودي" أنه ينتظر على أحر من الجمر توفر الظروف التي تسمح ببناء الهيكل وتحقيق الخلاص لـ "الشعب اليهودي".
ومن نافلة القول، أن أرئيل يدرك أن الهيكل المزعوم في حال تم بناؤه فسيكون على أنقاض المسجد الأقصى.
وإن كان هذا لا يكفي، فإن أرئيل الذي سيحافظ على مكان له في الحكومة الجديدة، قد دشن موقعاً على الشبكة لتوثيق عمليات الاقتحام التي قام بها للحرم، حيث كان أول سياسي صهيوني "يؤدي الصلاة" في الأقصى إلى جانب قبة الصخرة.
لكن ما يثير القلق بشكل أكثر هو أن ممثلي الأحزاب اليمينية بشقيها العلمانية والدينية شاركوا مؤخراً في فعالية دعت إلى تدمير المسجد الأقصى.
فقد حضر ممثلون عن "الليكود" وبقية الأحزاب اليمينية حفلاً نظمه تنظيم "معهد الهيكل"، الذي ينادي بتدمير الأقصى.
وقد تم في هذا الحفل الإعلان عن تخريج كهنة مؤهلين لإقامة قربان الفصح"، الذي يفترض أن يتم بعد إعادة بناء الهيكل على أنقاض الأقصى.
وتضمن الحفل قداساً ذبح خلاله الكهنة الذين لبسوا اللباس الأبيض عشرات الخرفان وسط ترديد آلاف الحضور الأهازيج الدينية التي يزعم أن اليهود كانوا يرددونها عندما يهمون بالدخول للهيكل.
إن تنظيم "معهد الهيكل" يأخذ على نفسه مهمة تدمير المسجد الأقصى بمنتهى الجدية، حيث أن قائد هذا التنظيم الحاخام يسرائيل أرئيليس سبق له أن توجه لروما لمطالبة الحكومة الإيطالية باستعادة ما يزعمون أنها "مقتنيات للهيكل" سلبها القائد الروماني تيتوس، الذي دمر الهيكل الثاني عام 135م.
إن ما يجعل سلوك ممثلي الأحزاب التي ستشارك في حكومة نتنياهو الجديدة خطيراً بشكل خاص حقيقة أن قيادات في هذه الأحزاب، ولاسيما حزب الليكود الحاكم قد توعدت عشية الانتخابات بتمرير قوانين تنص على تغيير الأوضاع الدينية والقانونية في المسجد الأقصى.
فقد تعهدت النائب ميري ريغف، التي يتوقع أن تشغل منصباً وزارياً في حكومة نتنياهو بأن يتم فرض التقاسم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.
ومما يزيد الأمور خطورة حقيقة أن النخب القضائية الصهيونية باتت تغازل اليمين من خلال إضفاء شرعية على سلوكه العدائي ضد الأقصى.
فقد سمحت المحكمة الصهيونية العليا للإرهابي الصهيوني يهودا جليك، الذي يقود حركة تطالب ببناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، باستئناف تدنيسه المسجد الأقصى.
ويفتح قرار المحكمة الصهيونية الباب على مصراعيه أمام استئناف عمليات تدنيس الأقصى على نطاق واسع، حيث أن جليك أعلن أنه ينوي تجنيد عشرات الآلاف من اليهود من داخل الكيان الصهيوني ومن جميع أرجاء العالم للمشاركة في عمليات اقتحام الأقصى، مشدداً على أن هذه العمليات تهدف إلى تهويد الحرم مرة وللأبد.
ومن المفارقات ذات الدلالة، أن المخططات الإرهابية الصهيونية تجاه الأقصى تلقى تشجيعاً من وراء البحار، حيث كشف تحقيق تلفزيوني صهيوني النقاب عن أن جماعات مسيحية إنجليكانية في الولايات المتحدة، مرتبطة بالحزب الجمهوري، تقدم عشرات الملايين من الدولارات سنوياً لدعم جماعات يهودية تسعى إلى بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى.
وحسب معتقدات هذه الجماعات، فأن العالم لن يتحول إلى مسيحي إلا بعد أن تنشب حرب "يأجوج ومأجوج"، ولن تنشب هذه الحرب إلا بعد أن يصبح "الشعب اليهودي هو صاحب السيادة" في فلسطين، وعلامة تحقق السيادة تتمثل في إعادة بناء الهيكل للمرة الثالثة، وهذا ما يجعلهم مستعدين للتضحية من أجل توفير الظروف التي تضمن هذه النتيجة.
قصارى القول، الصهاينة يكشرون عن أنيابهم بشكل غير مسبوق للأقصى، ويعلنون عن مخططاتهم على رؤوس الأشهاد، وهذه المواقف لا يعبر عنها ساسة هامشيون، بل قيادات حكومية وازنة.
وكان يفترض، والحالة هذه، أن يصدر رد فعل عربي وفلسطيني في حجم الهجمة الصهيونية، فالحديث يدور عن جنون بكل ما تعني الكلمة. فقد تبين بالدليل القاطع أنه بالإمكان ردع الصهاينة حتى من خلال موقف إعلامي قوي وصريح.
لكن للأسف، فالمسؤولون الصهاينة لا يتركون منصة إعلامية وإلا ويستغلونها في التأكيد على نواياهم تجاه الأقصى، دون أن يكون هناك رد عربي وفلسطيني وإسلامي مناسب.
إن ما يزيد الإحباط أنه تحديداً في ظل هذه الأوضاع يجد رئيس السلطة محمود عباس أنه من الملائم تعزيز أواصر التعاون الأمني مع الصهاينة، وكأنه يشجعهم على مواصلة سلوكهم العدائي تجاه الأقصى.
من هنا، فإن اللهيب الذي سيندفع في أعقاب حدوث مكروه للأقصى لن يقتصر على الصهاينة، بل سيتعداه لكل الأطراف التي سمعت وشاهدت وصمتت.