قائمة الموقع

مؤسسات دعم الزواج في غزة خارج دائرة الرقابة

2015-04-23T08:04:05+03:00
صورة تعبيرية
الرسالة نت- نور الدين صالح

تفاجأ الشاب خالد (اسم مستعار) بحالة النصب التي وقع ضحيتها لدى أحد موظفي مؤسسة -نتحفظ على ذكر اسمها- تعمل على تقديم تسهيلات للشباب المقبلين على تحقيق احلامهم المستقبلية (الزواج).

هذا الشاب الذي لم يجد بدا من طرق أبواب المؤسسة المعنية لغاية مساعدته في تغطية نفقات الفرح، وجد نفسه مضطرا لدفع مبلغ 100 دولار اضافية علاوة على المبلغ المقرر تقسيطه، وحين بحث في الأمر وقدم الاوراق التي تؤكد تسديده لكافة الأموال المستحقة عليه، وجد أن احد موظفي المؤسسة قد قام باستقطاع مبلغ 100 دولار لجيبه الخاص.

وهذه الحادثة كانت قد تكررت مع نحو عشرين شابا من اصحاب الحاجة للزواج، وهو أمر اعترفت به المؤسسة ولكن بعد حين من وقوع العرسان ضحايا لعمليات النصب التي قام بها الموظف.

غير أن هذه الحادثة تفتح الباب أمام عشرات الشكاوى التي تلقاها معد التحقيق، والتي انصبت باتجاه مؤسسات تسهيل الزواج، فوجدنا انها تقع خارج دائرة الرقابة.

كما أن عشرات المواطنين اشتكوا مما اسموه الغموض المتبع لدى مشاريع دعم الزواج في بنود العقد وتفاصيل الاتفاق سواء في الخدمات او طرق السداد، والآليات المتعبة.

هذه الشكوى كانت مدعاة للبحث عن آليات عمل المؤسسات الداعمة للزواج والتي احصتها "الرسالة" وبلغ عددها 12 مؤسسة، اثنتان فقط حاصلتان على ترخيص، فيما تعمل البقية خارج أسوار الرقابة، وهو ما أكدته عدة جهات حكومية.

المواطنين يشتكون

لم يكن أبو محمد (اسم مستعار) يعلم أن أجهزة الشرطة ستستدعيه على ضوء زواج ابنه سامح الذي اقترض له مبلغا من احدى المؤسسات الداعمة للزواج ولم يتمكن من دفع الاقساط المستحقة عليه.

 واوقف أبو محمد لمدة تزيد عن 24 ساعة للتحقيق معه بشأن تأخره في سداد الأقساط، لكنه عزا ذلك إلى سوء الوضع الاقتصادي الذي يعانيه هو واسرته. وقضية هذا المواطن هي واحدة من عشرات القضايا التي اوقف على خلفيتها عرسان أو آباؤهم نتيجة عجزهم عن تغطية المستحقات المالية المتعلقة بمؤسسات دعم الزواج في غزة.

ويشير المواطن أبو محمد الذي تعرض للتوقيف، أنه بعد طرقه إحدى مؤسسات دعم الزواج بغزة (تتحفظ الرسالة على اسمها)، وضعت الأخيرة أمامه عدة خيارات للاشتراك بإحداها، وتم التوافق على اختيار عرض بمبلغ (1500 دينار)، يضمن له تكاليف الفرح، وجرى توقيع العقد بينهما، دون معرفة تفاصيل الأسعار لأي من السلع التي ستوفرها الجمعية.

وكعادة المؤسسات من ذات النوع تفرض على المستفيد دفع (500 دينار) كدفعة أولى على أن يتم تسديد باقي المبلغ على دفعات بقيمة (50 دينارا) شهريًا بشرط وجود كفيل يتقاضى راتبًا من البنك.

ويقول أبو محمد لـ"http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" أن سوء الأوضاع الاقتصادية دفعه للانضمام لأحد تلك المؤسسات لكنه تفاجأ برداءة الخدمات المقدمة وذلك ما فتح باب النزاع بينه وبين القائمين على المشروع.

"http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" وقفت على افادة أخرى لشاب يقطن في مدينة غزة دخل في نزاع مع إحدى المؤسسات الداعمة للزواج بعد أن اكتشف أن أثاث غرفة النوم الذي أطلعته عليه الجمعية كعينة يختلف كليا من حيث الجودة مقارنة بالأثاث الذي جرى توريده.

وبحسب مقدم الشكوى (س.ن) الذي فضل ترميز اسمه فإنه يؤكد أنه تعرض للغش من الجمعية الأمر الذي اضطره لإيداع شكوى لدى جهاز المباحث العامة.

بدوره مدير مباحث المؤسسات في وزارة الداخلية الرائد باسم أبو عمرة، أكد وصول عدة شكاوى من المواطنين بسبب الخدمات التي تقدمها تلك المؤسسات للمقبلين على الزواج.

وقال أبو عمرة إن المشكلة الرئيسية في هذه المؤسسات تكمن في السلع والخدمات التي تقدمها، حيث أن ما تقدمه كعينات يختلف مع ما يسلم للمواطنين فعلا".

وأكد مدير مباحث المؤسسات أن أكثر من 90% من هذه المؤسسات غير مرخصة"، وهي تعتبر شركات ربحية، وتتعامل بالقروض غير الحسنة عن طريق البنوك.

الداخلية: المؤسسة التي لا تلتزم بالشروط مع المواطن يجب أن تقدم شكوى ضدها

وقال "إن النصب في عمل هذه المؤسسات يكمن في نظام التقسيط الذي تفرضه على المستفيد، ونظام الدفعات والكمبيالات التي يتم الاتفاق عليها"، مشيرا إلى أن المؤسسات تتلاعب في جودة السلع المقدمة، والأسعار بالاتفاق مع أصحاب محال الموبيليا وغيرها من الجهات التي تقدم عروضا للشباب المقبلين على الزواج.

وبحسب أبو عمرة، فإن المستفيد يجد نفسه بين "فكي كماشة" وهما المؤسسة والمورد اللذين يحققان ارباحا على حساب المواطنين.

تعمل دون تراخيص

وساورت الشكوك الشباب أحمد قاسم، الذي كان قد توصل لاتفاق مع إحدى المؤسسات التي استفاد من خدماتها في اتمام عملية زواجه، على أن يكون التسديد الشهري للأقساط في مكان المؤسسة، إلا أنه تفاجأ مع اقتراب موعد حفل زفافه أن المؤسسة أخبرته أن التسديد سيكون عبر البنك.

ويقول الشاب قاسم: "علمت بعدها أن المؤسسة تحصل على المبلغ كاملًا من البنك، وتصبح معاملتنا مع البنك، ولو كنت أعلم أنها تتعامل بهذه الطريقة لما لجأت إليها، لما قد ينطوي على ذلك من شبهة شرعية".

وأثناء تقصي "http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" وتواصلها مع عدد من المؤسسات العاملة في المجال توصلت إلى أن متوسط عدد المترددين على تلك الجمعيات شهريا هو 50 مواطنا.

"الرسالة" واجهت تلك المؤسسات بتلك الاتهامات، وهنا قالت جميلة أحمد مديرة العلاقات العامة بمؤسسة أكورد لتيسير الزواج "إن المؤسسة تتعامل بوضوح مع جميع المشتركين، وتقدم خدمات للمقبلين على الزواج"، لافتةً إلى أنها تنفذ أكثر من مشروع في آن واحد.

وأوضحت أحمد لـ"الرسالة" أن لديها مشروعين الأول بقيمة 1700 دينار، والثاني بقيمة 1500 دينار وهما عبارة عن مجموعة من المستلزمات اللازمة للفرح، ويكون المستفيد على معرفة بها.

وعند سؤالها عن سبب عدم وضع المواطن في صورة الأسعار الفعلية لكل سلعة، بررت ذلك بأنها تقدم مجموعة كاملة مكونة من عدة مستلزمات، دون ذكر تفاصيل كلٍ منها على حدة.

وأضافت "نسعى إلى تقديم أفضل الخدمات، والمستلزمات ذات الجودة التي تتناسب مع تكاليف الفرح ذات الحد المتوسط"، مشيرةً إلى أنه يتم توقيع عقد بين المؤسسة والمستفيد بعد الاتفاق على آلية محددة.

وعن آلية التسديد المتاحة للمستفيد، بيّنت أنها تتبع أكثر من آلية لتسديد الأقساط المستحقة، وذلك من خلال المؤسسة بوجود كفيل، حيث يدفع مبلغ 500 أو 700 - حسب قيمة المشروع- كدفعة أولى، على أن يتم تقسيط المبلغ الباقي على 14 شهرًا، بواقع 75 دينارا شهريًا.

مؤسسات التيسير: نقدم الخدمات على شكل حزمة دون تفاصيل

وحاول معد التحقيق الوقوف على قانونية عمل تلك المؤسسات، غير أن عددا منها تهرب من الاجابة على سؤاله المتعلق بالجهة الحكومية المرخصة للمشروع. وهذا ما يشير إلى أن غالبيتها غير مرخصة ولا تعمل تحت رقابة الحكومة ما يجعلها تنفرد بالمواطنين دون أية قيود أو شروط تراقب عملها.

وعند الحديث عن التراخيص لا بد من الإشارة إلى أن مؤسسة واحدة من بين تلك المؤسسات تتعامل بمسماها الأصلي وهي "جمعية التيسير للزواج والتنمية"، ولديها ترخيص تأكد منه معد التحقيق من وزارة الداخلية بغزة، وهي تعمل في إطار "جمعية غير ربحية".

رئيس مجلس إدارة الجمعية السابقة د. أدهم البعلوجي أوضح أن جمعيته تقدم خدمات غير ربحية للشباب المقبلين على الزواج، من خلال المساهمة في دفع المهور، والإجراءات المتعلقة بعقد الزواج مثل (عقد الزواج، وفحص الثلاسيميا).

 وبيّن أنها لا تتبع نظام تقديم العروض بأسعار معينة ويكون ضمنها بعض السلع الخاصة بالزواج، كباقي المؤسسات الموجودة في القطاع، لافتًا إلى أن جمعيته تساهم في دعم متطلبات الزواج وتقتصر على طقم النوم، والغداء فقط. ولفت إلى أن جمعيته تتلقى دعمًا من بعض الدول الخارجية، لتنفيذ تلك المشاريع.

وأكدّ البعلوجي أن الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة، ألقت بظلالها السلبية على الخدمات التي تقدمها للمواطنين، من خلال تقليص المبالغ المالية المقدمة للشباب المستفيدين.

رقابة المؤسسات

"http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" حملت ملف مؤسسات الزواج وتوجهت به إلى قسم ترخيص ومراقبة أعمال المؤسسات في وزارة الداخلية والتقت الوكيل المساعد عاهد حمادة والذي قال بدوره إنه يحق للمواطن تقديم شكوى ضد أي مؤسسة لا تلتزم معهم ولا تتعامل بالشروط التي جرى الاتفاق عليها مسبقًا.

وأكد حمادة لـ "http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" أن الوزارة هي الجهة الرقابية الأولى على الجمعيات غير الربحية، وأي مؤسسة يتم ترخيصها وفق القانون، يتم متابعتها بشكل دوري، مضيفًا "نحن نعمل من أجل المواطن".

وأوضح أن الشرط الذي يتم على أساسه ترخيص مؤسسة أو جمعية أن تكون غير ربحية، بحيث لا يحق لها أن تتقاضى أرباحًا من الفئة المستفيدة، على أي مشروع تنفذه.

وعند سؤاله عن الشروط الواجبة بين المتعاقدين في ظل الآلية التي تتبعها المؤسسة وهي تقديم مجموعة كاملة من السلع بدون معرفة تفاصيل كل منها، شدد على ضرورة وضوح التفاصيل بين المتعاقدين (المؤسسة والمستفيد)، والموافقة عليها قبل توقيع العقد.

في السياق كشف مدير عام رقابة المؤسسات غير الحكومية في وزارة الداخلية ايمن عايش أنه وردت إليهم بعض الشكاوى من المواطنين منذ بداية تنفيذ مشاريع الزواج، إلا أنها قلت في الوقت الحالي، مرجعًا ذلك إلى الانتشار الكبير والملحوظ لتلك المؤسسات.

وعند البحث عن عدد المؤسسات المرخصة لدى وزارة الداخلية، وهي الجهة المسئولة عن ذلك، وجد عايش أن هناك مؤسسة واحدة فقط مسجلة لديهم.

وأشار عايش إلى أن بعض المؤسسات تتوجه إلى وزارات أخرى غير الداخلية، لطلب الترخيص والبعض الآخر لا يتوجه أصلًا لعمل التراخيص اللازمة، وتقديم خدماتها وفقًا للقانون.

وتبين خلال التحقيق أن وزارة الاقتصاد الوطني هي الجهة المعنية بمنح التراخيص إلى تلك المؤسسات إلا أنه تبين أن المرخص لديها هي مؤسسة واحدة وتحمل اسم شركة "اكورد لتيسير الزواج" بترخيص شركة ربحية، وهي المؤسسة التي تحدثت معها "http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" بداية سرد التحقيق علما أن مسئولة العلاقات العامة بها لم تكن تعلم عن طبيعة الترخيص الذي تعمل به مؤسستها.

بدوره، أكد وكيل مساعد وزارة الاقتصاد د. عماد الباز أن هذه المؤسسات تعمل بدون رقابة، وتسير وفق آليات غير محددة، ومبهمة في بعض الأحيان.

وقال الباز لـ"http://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png" إن النظام الذي تنتهجه هذه المؤسسات وأسعار المشاريع لديها، فيها نوع من الإغراء للمواطنين، لكن تبقى الآليات المتبعة فيها مجهولة".

الاقتصاد: هناك علامات استفهام حول طبيعة عملها

وأضاف "هناك علامات استفهام مطروحة حول طبيعة عمل هذه المؤسسات، خاصة ان المبالغ المطلوبة من المواطنين فيها اغراء (..) والأخطر أنها تطلب أقل من نصف المبلغ المطلوب كدفعة أولى".

وأشار إلى أن وزارته استدعت بعض أصحاب الشركات، بعد وصول عدة شكاوى إليهم من المواطنين، حول جودة السلع المقدمة، حيث بررت تلك المؤسسات بأنها تتعاقد مع محلات خاصة وتشتري منها كميات كبيرة.

وفي سياق متصل، كشف الباز عن أن المؤسسات التي ترخص لدى الضريبة تتلاعب بالضرائب بحيث لا تدفع القيمة المستحقة وفق الأرباح التي تحققها من خلال مشاريعها.

إلا أن أبو عمرة مدير مباحث المؤسسات في وزارة الداخلية قال "هذه المؤسسات تعتبر نفسها شركات ربحية يتوجب على وزارة الاقتصاد متابعتها ومن ثم تحويل المخالفين لجهاز المباحث".

ومع اقتراب فصل الصيف، والذي تكثر فيه الأفراح، ذكر أبو عمرة أن إدارة المباحث ستنفذ حملة على جميع مؤسسات التيسير خلال إجراء جولات عليها في الأيام القليلة المقبلة، من أجل التحقيق بأمورها القانونية، وخاصة "التراخيص"، مشيرًا إلى أن الحملة لم تقتصر على مؤسسات تيسير الزواج فقط، بل على جميع المؤسسات.

ومن المقرر أن تعطى تلك المؤسسات مهلة أسبوع واحد، على أن تتوجه لعمل الإجراءات اللازمة للترخيص، وفي حال لم تقم بذلك سيجري إغلاقها، وفق أبو عمرة.

ويوضح أبو عمرة أن الانتشار المفاجئ لهذه المؤسسات، كان من المعيقات التي واجهت المباحث في كيفية التعامل معها، واختلاف شروط كل واحدة منها.

وتبقى تلك المؤسسات تنتهج سياسات مبهمة في التعامل مع المواطنين، ولكننا في هذا التحقيق نلفت انتباه الجهات المعنية وذات الاختصاص بضرورة ضبط عمل مؤسسات تيسير الزواج وفق آلية واضحة.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00