قائمة الموقع

الأسيرات.. شموع تذوب في عتمة السجون

2010-04-18T11:09:00+03:00

القدس – الرسالة نت

لهنّ من عذاب الاحتلال نصيبٌ خلف جدران الظلم وعتمة الزنازين، حتى إذا أشرقت شمس الفجر في كل يوم تمنين الحرية.. وإذا أطل القمر بنوره تمنين الحرية.. وإن استسلمت جفونهن للنوم حلُمن بالحرية.. وفي يوم الأسير يبزغ الأمل لِلَجم يد الاحتلال التي تمعن ظلماً في أجساد ونفوس أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا الأسيرات.

أكثر من ستين أسيرة ما زلن يتجرعن برنامج العذاب اليومي الذي تفرضه إدارة السجون غير آبهة بما تحرّمه الأخلاق والشرائع والقوانين كلُها من المساس بالنساء أو محاولة إذلالهن، ويبقى الفلسطيني روحاً استثنائية في العالم كله، فالاحتلال الرابض على أرضه حطم كل مقاييس الوحشية حتى وصلت إحدى أياديه إلى التجرؤ على النساء والفتيات واستعراض قوته الزائفة أمامهن، فزج بالعشرات منهن داخل سجونه وحرمهن من أبسط مقومات الحياة.

كابوس الولادة

ولعل أبرز ما يمكن الحديث عنه من آلام تذوقنها داخل الأسر وأبشع ما اقترفته أيادي الاحتلال تحت غطاء مسمى "الأطباء"، كان أيام الولادة لدى الأمهات الأسيرات، فسعت تلك الكتلة الإجرامية المسماة بمصلحة السجون إلى استخدام عاطفة الأمومة سلاحاً ضدهن، حتى إذا انتهت آلام المخاض الجسدية بدأت آلام التعذيب النفسي تنغرس في قلوبهن بحرمانهن من أطفالهن وتقييدهن إلى الأسرّة بالحديد والسلاسل.

وليست كلمات الأسيرة المحررة فاطمة الزق من قطاع غزة لـ"الرسالة" حول ولادة ابنها يوسف في السجن إلا شاهداً يغص بالألم حول ممارسات إدارة السجون، فتقول:" كنت أعاني في زنزانتي من آلام المخاض وأشكو منها دون مساعدة من أحد، وعندما اقترب موعد الولادة جاءت إلي طبيبة صهيونية ونقلتني مع مساعداتها إلى غرفة صغيرة فيها سرير فقط، ولم يراعين حالتي بل تعاملن معي بقسوة ورمينني على السرير ولم يقدمن لي أياً من المهدئات أو المسكنات".

ولا شك أن دعوة المظلوم مستجابة، فتلك التي تسمي نفسها طبيبة وترتدي الحلة البيضاء ظناً أنها ستحولها إلى ملاك رحمة بقيت تصرخ في الأسيرة فاطمة وتتعامل معها وكأنها إرهابية لا تستحق العطف.. أما الملقاة على السرير فبقيت تدعو الله أن يخلصها من ظلم الطبيبة، حتى إذا اتجهت الأخيرة إلى باب الغرفة أعمى الله بصيرتها وجعلها ترتطم في الحائط مرتدة إلى الوراء عدة أمتار، فهلّل قلب فاطمة وشكر الله على استجابة دعائها.

وتبقى الأسيرة في الغرفة حتى تحين الولادة، وهنا طعم آخر للألم والتعذيب النفسي، وفوق الآلام الجسدية التي لم تراعها الطبيبة أمعنت في إذلال فاطمة وحاولت إلحاق الأذى بها، ولكن لطف الله حال دون إصابتها بأي مضاعفات، وعند سماعها صراخ يوسف دخلت عالماً آخر من السعادة أنساها ما كانت تشعر به.

وتضيف:" عندما جلبوا لي يوسف ووضعوه على صدري وهو يبكي شعرت بسعادة غامرة أنستني كل الألم والتعذيب، ولكنها لحظات لم تطل، فسرعان ما انتزعوه مني وكبلوني بالسرير من يديّ وقدميّ ولم يرحموا ضعفي ولم يرحموا ألمي ولم يرحموا وهني، وبقيت على هذه الحال 72 ساعة مقيدة مكبلة محرومة من طفلي إلا دقائق معدودة بين ساعات طويلة".

حرمان وإذلال

ولا تنتهي حكايتهن عند هذا الحد، فالأسيرات المريضات منهن لا يتلقين العلاج أو أي رعاية طبية، وما زالت العشرات تعانين من أمراض مختلفة دون رحمة من السجانين، فالأسيرة قاهرة السعدي على سبيل المثال والتي تمضي حكماً بالمؤبد عدة مرات ما زالت محرومة من رؤية أطفالها وهي تعاني آلاماً مختلفة في جسدها دون رأفة بحالها.

كما أن إدارة السجون تسعى إلى معاقبة الأسيرات إذا خضن إضراباً عن الطعام مطالبات بحقوقهن، وهذه الأسيرة المحررة صابرين عمارة تروي لـ"الرسالة" ممارسات السجانين بحقهن أيام الإضراب فتقول:" كنا نخوض الإضراب عن الطعام فنفاجأ بقوات كبيرة من الحراس والجنود يفتشون غرفنا ويأخذون منا كل الأدوات الكهربائية وحتى المذياع كي لا نسمع صوت أهالينا، ويضعوننا في غرفة صغيرة أخرى وتحاول المجندات ممارسة التفتيش العاري بحقنا ولكننا نرفض، ومن ثم يأخذون كل أسيرة على حدة ويحاولون إجبارها على الأكل ونحن نرفض بالطبع".

وكما يعامل الاحتلال بقية الأسرى لديه بأقسى ما يستطيع من سياسات، حرم الأسيرات من الاتصال الهاتفي بأهاليهن وسحب إنجازاتِهن واعتدى في أكثرَ من مرة عليهن، كما يبقي عدة أسيرات منهن رهن العزل الانفرادي دون تهمة تذكر، ويتناسى أنهن قوارير لا يتحملن العذاب فيمعن في إذلالهن، أما منع العديد منهن عن زيارة الأهل والأحبة فصفحة أخرى في كتاب الأسر المرير.

ثبات رغم القيد

"سأقتلكم في اليوم ألف مرة لأنني سأشهدكم في جهنم وأنا في جنتي".. تلك الكلمات التي نطقت بها الأسيرة القسامية أحلام التميمي والتي أرعبت قاضي المحكمة جعلته يوصي بعدم إدراج اسمها في أي صفقة لتبادل الأسرى غير مكتفٍ بالحكم عليها بستة مؤبدات وبضع سنين.

ولكن ثبات أحلام جعلها تحوّل الحكم المثقل بأنات الأسر إلى جنة تأبى إلا أن تعيشها، وهذا شقيقها محمد يوضح لـ"الرسالة " نفسيتها داخل السجن:" أحلام صابرة وثابتة رغم القيود، وهي من النوع الذي يتحمل كل شيء ويصبر على التعذيب، أنا زرتها العام الماضي وبعد ذلك لم يصدروا لي تصريحاً، ولكنني كنت أرى في عينيها العزم وعدم الاكتراث بظروف اعتقالها وكانت تسألنا عن حالنا بكل هدوء".

وما زالت أحلام محرومة من زيارة عائلتها إلا شقيقتها الكبرى بتصريح يخرج كل بضعة أشهر، كما أن الاتصال معهم محرم على كل الأسيرات ليزيد الظلم ويقتل الأمل.. ولكن هيهات.

شوق للحرية

وتتوالى الصور في ذاكرة الأسيرات شوقاً للحرية، حتى إذا هلّت أنباء صفقة الأسرى بين كل حين زغردت قلوبهن أملاً، ورحلت أرواحهن خارج قيود الأسر إلى كل منزل تركن فيه فلذاتٍ وأعياد، لتبقى الحرية مطلبهن الوحيد تحت أيدي ظالمٍ يريد لهن الموت البطيء.

وتقول عمارة:" الأسيرات لا يردن أموالاً ولا مناصب ولا مساعدات ولا تضامناً شكلياً، إنهن يردن الحرية وفقط الحرية، يردن العودة إلى حياتهن ومنازلهن وأرضهن".

وتضيف الزق:" في كل قلب لأسيراتنا حكاية ألم تتغنى بالحرية، يردن الحرية ويشتقن لها، وعندما اقترب الإفراج عني حمّلنني سلاماً للأرض والأشجار والبشر وكأنهن يعشن في عالم آخر".

أما محمد التميمي فيقول:" أحلام غير نادمة على ما فعلت فهي فخورة بنفسها كما نحن فخورون بما قامت به، ولكنها تشتاق الحرية وتسألنا عن بيتنا وعن الشارع والقرية.. أحلام تريد الحرية ولا شيء سواها، وكلنا أمل برب العالمين أولاً ومن ثم صفقة شاليط".

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00