قامت الدنيا ولم تقعد، وخرجت التصريحات المنددة والرافضة من خصوم حركة حماس ولاسيما فتح بمجرد وجود تسريبات تتحدث عن مفاوضات غير مباشرة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس حول هدنة طويلة في غزة مقابل رفع الحصار وبناء الميناء.
وفي مفارقة غريبة قال الناطق باسم حركة فتح أحمد عساف بأن حماس باعت الأقصى والضفة مقابل المليارات وان التفاوض هو تفريط في الحقوق الفلسطينية، كما ان بناء الميناء ورفع الحصار واقامة هدنة في غزة يعتبر خيانة وتكريس لفصل الضفة عن غزة، متناسياً أن هذا الفصل كرسته حركته برفضها المصالحة واصرار رئيسها على مفاوضات عقيمة منذ عقدين من الزمن دون جدوى.
لكن المفاجأة كانت في تصريح القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضو المجلس التشريعي جميل المجدلاوي الذي قال "لا يحق لحركة حماس التفاوض مع (إسرائيل) بشكل مباشر، أو غير مباشر، وأن هذا الحق يكون للرئيس الفلسطيني محمود عباس وليس غيره".
الغريب ان القيادي في الجبهة الشعبية يمنح هذا الحق للرئيس فقط دون غيره بحجة انه رئيس منظمة التحرير المخولة بالتفاوض مع المحتل، متناسياً انه ضرب بعرض الحائط رفض فصائل المنظمة لكل جولات المفاوضات السابقة وذهب اليها منفرداً دون اجماع وطني، وفي وقت ما زال يعطل انتخابات المجلس الوطني ليبقي المنظمة تحت سيطرته بعد أن أفرغها من مضمونها وجعلها مجرد ديكور يحركه حسب رغباته ومصالحه.
لم يوجه المجدلاوي هذا النقد لحركة فتح والسلطة التي فاوضت دون اوراق قوة لعقدين من الزمن كانت نتيجتها فشل كبير ومزيد من التنازلات والتفريط بالحقوق والثوابت الفلسطينية، وخلق سياسة واجهزة امنية تخدم المحتل، في حين يُحرّم على حماس التفاوض ولو بطريقة غير مباشرة لتثبيت الهدنة في غزة ورفع الحصار الذي تشارك فيه اطراف فلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس الذي تخلى عن شعبه في غزة وضيق الخناق عليه.
ويجب التأكيد هنا على أن مفاوضات حماس تختلف عن تلك التي تقودها المنظمة منذ عقدين فالأولى تتفاوض من منطلق قوي وعلى اساس ثلاثة حروب خاضتها ببسالة ضد المحتل ما يجعله اليوم يدفع ثمنا مقابل هذه الهدنة ويلهث وراءها، في حين فاوضت الثانية لسنوات بجيوب خاوية واستجداء للمحتل كي يمنحها اي انجاز تخرج به كنتيجة لمفاوضاتها العقيمة.
ولا يمكن فهم التصريحات الاخيرة لقيادات فتح واليسار الا على انها نابعة من خوف كبير ينتابها من امكانية تهميشها وتحجيم دورها في غزة وافلات القطاع من سيطرتها، كما يرى المحلل السياسي أكرم عطا الله.
ويرى عطا الله في مقال له أنه في رام الله شعور مزدوج تجاه المفاوضات الجارية، فمن جهة تعتبرها "المقاطعة" الوسيلة الوحيدة "لعقلنة" حركة حماس، واستدراجها نحو برنامج قريب من برنامج حركة فتح، حيث المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق إنجازات حياتية وسياسية وسيادية وليس الكفاح المسلح وهي من جهة أخرى غاضبة؛ لأن حماس تأخذ مكانها ومكانتها في المفاوضات التي لن تكون نتيجتها في صالح "المقاطعة".
ويؤكد بأن المفاوضات ستنتهي بتمكين حركة حماس في غزة "للأبد"، وهذا ينتهي بفصل غزة ككيان مستقل، فإذا كان ما يجري هو عملية تطبيع لحركة حماس لصالح البرنامج السياسي للسلطة، فإن النتيجة هي بالقطع ليست في صالح السلطة وبرنامجها.
وقال عطا الله "أغلب الظن أن حماس لن تأبه باتهامات فتح ولا بمطالبات الجبهة الشعبية وباقي القوى بتسليم ملف المفاوضات لمنظمة التحرير، والتي لن تحقق شيئاً بالنسبة لغزة".
في المقابل فإن هناك من يلوم حركة حماس على نفيها المفاوضات على اعتبار انه حق لها وانها تفاوض من منطلق القوة وتسعى لمصلحة شعبها في غزة الذي عانى الويلات طوال سنوات الحصار الذي شاركت فيه السلطة بقوة.
المحلل السياسي فايز ابو شمالة يقول: "صار المتفرد بالمفاوضات مع (إسرائيل) لمدة عشرين عاماً يتهم حماس بالتفاوض، ومن يجلس مع ضباط المخابرات الإسرائيلية ويقدم لهم المعلومة عن الأمن الفلسطيني، ويأخذ منهم كشف أسماء الفلسطينيين الواجب اعتقالهم، يتهم مطلقي الصواريخ على تل أبيب بأنهم يفتشون عن هدنة".
وتساءل ابو شمالة " ما العيب في الاتفاق مع الإسرائيليين على هدنة لعدد من السنين؟ وأيها أفضل للفلسطينيين؛ الهدنة لعدد من السنين، أم نزع البندقية الفلسطينية؟".
وطالب ابو شمالة حركة حماس الإعلان بصوت جهوري عن استعدادها للتفاوض مع (إسرائيل) بشكل مباشر، وغير مباشر وعدم الالتفات الى التصريحات التي تنتقدها وذلك لعدة أسباب أهمها أن الوفد الفلسطيني الذي فاوض على وقف إطلاق النار في القاهرة لم يكن على قدر العزم والمسؤولية، وكان يتلقى تعليماته من الرئيس عباس الذي يحقد على المقاومة.
وبين ان المفاوضات مع (إسرائيل) تهدف إلى اعمار غزة بعد أن تخلى عنها عباس متعمداً، كما تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي لسكان غزة، وخلق فرص عمل، وفتح أبواب التجارة على الخارج، ومن ثم توفير رواتب الموظفين الذين لم يعترف بهم عباس، ليترك مئات آلاف الأسر يتلوون جوعاً وحصاراً.
واعتبر ابو شمالة ان المفاوضات مع (إسرائيل) لا تتجاوز إطار التهدئة لعدة سنوات، ولن تغل يد المقاومين عن تطوير أدائهم، وتعزيز قدراتهم القتالية، وسيكون للتهدئة مقابل موضوعي، مؤكداً أن المفاوضات تمثل رداً عملياً على عباس الذي يصر على مواصلة المفاوضات مع الإسرائيليين وحيداً، دون الرجوع للإطار القيادي، ودون احترام إرادة الشعب.