رغم كل ما يروج عن وجود مباحثات حول تهدئة مع (إسرائيل)، يقودها وسطاء عرب وأجانب كانوا قد تداعوا إلى غزة مؤخرا يحملون على أجندتهم أفكارا لهدنة مدتها خمس سنوات قابلة للتجديد، إلا أن خيار المواجهة لا يمكن اسقاطه بالنسبة للمقاومة خصوصا أن الإعلام الاسرائيلي لايزال يعمل على تضخيم قدرات المقاومة.
وما فتئ الجيش (الاسرائيلي) يزعم رصده تجارب صاروخية تنطلق من غزة باتجاه البحر والمناطق المفتوحة، معتبرا أن هذه التجارب تأتي في إطار استعدادات المقاومة لمواجهة محتملة.
ويقرأ بعض المراقبين في هذه المزاعم، محاولة من الإعلام الاسرائيلي لتضخيم قدرات المقاومة الفلسطينية، وبالتالي العمل على ضربها من حين لآخر من أجل تقويض مخزونها الصاروخي.
فيما يذهب البعض لتفسير الرغبة في الحرب على صعيد المقاومة الفلسطينية، بأنه قد يكون نابعا من شعورها بعدم تحقيق الحرب الأخيرة نتائج سياسية لصالح الفلسطينيين المحاصرين في غزة.
وبين التوجهين، يبقى السؤال الأبرز: لماذا المواجهة؟ وهل التوقيت الحالي يخدم طرفي الصراع في تحقيق أهداف كل منهما؟
على صعيد المقاومة الفلسطينية، فإن حركة حماس التي تمثل رأس حربتها ترى أن هدفها السياسي، وهو بالمناسبة ليس خفيا، يتمثل في رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر كافة وإعادة الإعمار بما يعزز صمود المواطنين ويساعدهم في الانفتاح كحركة على العالم.
وتستند حماس في قوة موقفها إلى جهازها العسكري (كتائب القسام)، الذي يرى فيه المحلل السياسي عدنان أبو عامر أنه يشكّل لها جداراً حامياً من أيّ مخاطر قد تهدّدها، ممّا يجعلها تأخذ في عين الاعتبار الموقف النهائيّ لكتائب القسّام، الذي يشكّل في كثير من الأحيان، الرأي المرجّح لطبيعة التوجّه العامّ لحماس فيما يخص القرارات المتعلقة بالتهدئة.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر ناجي شراب، فيرى أن غاية الحركة من مواجهة (إسرائيل) هو عدم تحقق أهدافها السياسية من الحرب الماضية، وقال "الحرب ليست غاية في حد ذاتها، بل الحرب هي امتداد للسياسة، وبالتالي تلجأ الدول إلى القوة العسكرية والحرب لتحقق اهدافا سياسية فشلت في تحقيقها الوسائل السياسية".
أما على صعيد (إسرائيل)، فإن الاحتلال مازال يرى في قدرات المقاومة تطورا مستمرا وبالتالي يسعى إلى تقويض هذه القوة بين حين واخر واستنزاف مخزونها، فضلا عن أنه يرى فيها تهديدا حقيقيا لسكان غلاف غزة من المستوطنين.
ويشير شراب إلى أن (إسرائيل) لن تسمح في جميع الأحوال أن تحصل المقاومة على أسلحة متطورة تهدد امنها وبقاءها، كما أنها خرجت من غزة في اغسطس الماضي وهدفها الوصول إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، وبالتالي يبقى خيار الحرب قائما.
ومن الأهمية بمكان التذكير بأن (إسرائيل) ما تزال تعيش حالة من التوتر حول مستقبل جنودها الذين تزعم تارة قتلهم في غزة خلال المواجهة الأخيرة، وأخرى تقول إن جثامينهم محتجزة لدى المقاومة، وبالتالي حتى تحصل على معلومة مفيدة فهي مضطرة لقاء ذلك أن تفكر بهدوء، وأن تستجيب لمطالب المقاومة، وبالتالي هذا الأمر قد يضع احتمال الحرب بالنسبة لـ(إسرائيل) في اخر الاولويات.
وعليه يرى أبو عامر أن حماس أيضا قد تجد نفسها مضطرّة إلى التجاوب مع بعض الدعوات السياسيّة التي تصلها بغرض إبرام هدنة مع (إسرائيل)، أو الانخراط في المنظومة الإقليميّة، ممّا يتطلّب منها التخفيف من خطابها الثوريّ حيناً، وتهدئة أدائها العسكريّ حيناً آخر، معتبرا أن هذا الأمر قابل للنجاح والإخفاق حسب طبيعة الوضع الذي تعيشه الحركة.