زوجته: حرص على الارتقاء بشخصيته على جميع الأصعدة
شقيقه أبو علي: أمدنا بأفكاره عبر مقالاته التي نشرتها "الرسالة"
البطنيجي: هربتُ صحيفة "الرسالة" ليقرأها داخل سجون السلطة
غزة _ رائد أبو جراد
السابع عشر من نيسان/ابريل الذكرى السنوية السادسة لاستشهاد أسد فلسطين أو كما أطلق عليه بين جموع الحركة الإسلامية لقب صقر حماس، فيما كان شهيدنا القائد يفضل أن ينادي بـ"الطبيب الثائر"، كل تلك الصفات وجدت في قائد حركة حماس في قطاع غزة بعد استشهاد الشيخ الياسين إضافة إلى صفات التواضع والحنان والمودة والحب رغم ما كان يمتاز به من صلابة في المواقف إلا أنه كان عزيزاً على الكافرين والمنافقين ذليلاً على المؤمنين.
"الرسالة نت" تعرض في هذا التقرير مقتطفات من أحاديث طويلة لمن عايش الدكتور الرنتيسي من محبيه وذويه وممن عاصروه طيلة حياة ملؤها الجهاد والمقاومة والثبات على المواقف والإبعاد والاعتقال وظلم ذوي القربى ومسك الختام أنه نال ما تمنى باستشهاده بعدما هتف قائلاً"أن تدخلني ربي الجنة هذا أقصى ما أتمنى".
برنامج مميز
شخصية حرص صاحبها على الارتقاء بها على جميع الأصعدة بما فيها الصعيد الإنساني، كان حريصا على تأدية رسالة المرأة من خلال النساء شقائق الرجال، كان مهتماً ببرنامج يومي مميز يبدأ من صلاة الفجر وينتهي بقيام الليل هذا أبرز ما سردته زوجة الدكتور الرنتيسي "أم محمد" عن أهم محطات حياتها مع أسد فلسطين.
وقالت أم محمد: "إذا تحدثت عن شخصية عبد العزيز فأتحدث عن شخصية حرص صاحبها على الارتقاء من جميع الجوانب والأصعدة خاصة الصعيد الإنساني نسبةً لعمله في طب الأطفال، وأتحدث عنه كزوج داخل بيته يجلس مع أهله ويبادلهم أطراف الحديث ويساعدهم في الواجبات وإعداد الطعام".
وأشارت إلى أن حياة الرنتيسي كلها كانت وصية في أخلاقه في عزته في إباءه، وفي تعامله في داخل البيت وخارجه، كطبيب وكإعلامي وكقيادي سياسي، كإنسان مجاهد في سبيل الله عابداً في محرابه "هكذا كان صقر حماس شخصية إسلامية متكاملة فمثل لنا القدوة الحسنة في كل أمور حياته وهذا ما تركه لنا ".
وتستذكر الزوجة الصابرة حياتها مع وزجها بالقول:"كان عندما يسأل عن تعامله مع زوجته يقول ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ويذكرني في ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما نصح بمعاملة النساء معاملة حسنة".
أما أبو علي فيستذكر هو الآخر شقيقه عبد العزيز موضحا انه كان في زيارة له فرآه يطعم أحفاده بيده ثم يتناول طعامه بعد ذلك، من شدة حبه ووده للأطفال، مشيراً إلى حنانه الشديد على إخوته الذين كانوا يشعرون بأنه كان بمثابة الوالد والأخ الحنون المحب الحريص عليهم.
ومضى أبو علي يقول: "كان لا يحزن منا ولم تكن معاملته معنا بمعاملة القائد بل كان يتعامل معنا بكل تواضع ولطف، كان هناك فرق شاسع بين معاملته في القيادة وبين معاملته مع أسرته وذويه وأهل بيته".
أثناء فترة اعتقال الشهيد الرنتيسي 15 شهرا في سجون سلطة أوسلو كان الرائد أيمن البطنيجي الناطق الحالي باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة على علاقة بالدكتور أثناء عمله في المباحث العامة مؤكدا أن قرار السلطة اعتقاله في شهر أغسطس عام98 نوعا من الضغط مارسه الاحتلال.
هربت له "الرسالة"
وأضاف البطنيجي لـ"الرسالة" :"تم فرزنا لمكان أعد مسبقاً في الطابق الثالث من مقر الجوازات الأمني الحالي في مكتب مفتوح بجانب مكتب نائب مدير عام المباحث ولم يكن في سجن على مدار 15 شهرا من احتجازه في سجون السلطة وكان يتنقل في هذا المكان المهيأ له ومنذ اللحظات الأولى التي اقتربنا فيها من الدكتور كنت دائماً داخل الغرفة معه وحتى هذه اللحظة لم أكن قد تعرفت عليه".
وكشف سجان الرنتيسي عن قيامه بتهريب صحيفة "الرسالة" التي كانت تصدر يوم الخميس من نهاية كل أسبوع لسجون السلطة ليستمتع الرنتيسي بقراءة صفحاتها المميزة دون علم السلطة، مستطرداً:" كنت أخبئها في ملابسي حتى لا يراها الضباط وعناصر الشرطة لأنها كانت ممنوعة من دخول المقار الأمنية حينها".
وتعود زوجة الرنتيسي أم محمد للحديث عن ابرز المواقف التي عاصرتها بصحبة زوجها خليفة الياسين في قيادة حركة "حماس" مشيرةً إلى أنها ضربت في إحدى المرات إحدى بناتها فذهبت تشكوني لأبيها، وقال لها والدها حينها لولا انك تستحقين ما فعلت لما عاقبتك أمك"، مؤكدةً حرص الدكتور كثيراً على مصلحة أهل بيته ومساعدتهم في واجباتهم.
وتابعت أم محمد:"كان للدكتور برنامج يومي مميز يطول الحديث عنه يبدأ بصلاة الفجر وتلاوة القرآن مروراً بالذهاب لمكان عمله في العيادة أو الجامعة ثم يعود من عمله في بعض الأحيان ليتناول طعام الغداء ليأخذ بعدها قسطاً قليلاً من الراحة ثم يتسع وقته بين الدعوة والمساجد وإلقاء الدروس والمواعظ واللقاءات السياسية والتنظيمية، وكانت حياته مع أسرته حياة ما بين السطور لم يكن أبناؤه يرونه بشكل دائم".
ويشير أخوه أبو على إلى أنه كان يمدهم بأفكاره من مقالاته التي كتبها في الصحف خاصة صحيفة "الرسالة" والمواقع والمجلات، وكنت وما زلت حريصاً على شراء الصحيفة والاحتفاظ بأعدادها للرجوع لمقالات أخي لأتابعها أولاً بأول.
نأخذ توجهاته
وتابع أبو علي: "عندما أقرأ مقالاته اليوم كأنني أعيش تلك المقالات التي كتبها قبل سنوات هذه الأيام، لحتى الآن اقرأ مقالاته وشعره وأفكاره وتوجهاته وآرائه، وكنا وما زلنا نأخذ نفس توجهاته".
ويضيف الرائد البطنيجي: "تأكد لي أن معظم أبناء شعبي كان هناك غشاوة على أعينهم خاصة في مجال معرفتهم للإسلام والقضية الفلسطينية وبدأنا نشعر أن الرنتيسي إنسان مختلف، لأول مرة اشعر أن إنسانا يتلو القرآن وكأنه غض، وكان الدكتور حريصا على التمارين الرياضية وحريصا على برنامج يومي من متابعة وقراءة وسماع الأخبار".
وبين أن الدكتور طلب منه أن يسمع له القرآن بعد اقل من شهر من مكوثه في سجون السلطة ولم أجد إلي يومي هذا إنسانا بقوة حفظ الدكتور عبد العزيز للقرآن، مضيفاً: "بدأنا نشعر بانجذاب مغناطيسي غير طبيعي ولمسنا فيه الأخلاق الحميدة والاحترام والتواضع وبشاشة الوجه والمعاملة اللطيفة العظيمة".
وتابعت زوجته أم محمد:"كان يعامل الجميع سواء الأقارب أو الجيران أو زملاء العمل والأصدقاء بمعاملة حسنة طيبة صادقة وحرص على إعطاء كل ذي حق حقه وكنت اشعر أن نصف الساعة التي أقضيها بصحبته تمر كأنها ساعات وكان يساعدني في عمل الطعام وصناعة الفطائر..".
ولفت شقيق الرنتيسي أبو علي إلى انه قام بسد الفراغ الذي تركه الدكتور بمساعدة زوجة الرنتيسي وأبنائه سواء بسبب اعتقاله أو إبعاده من قبل الاحتلال قدر الاستطاعة، مضيفاً:" في يوم استشهاده كنت اخطب بعد المغرب بمسجد الكتيبة بخانيونس وتحدثت عن شهر ابريل وما يشهده من سقوط شهداء وما يشهده من ذكريات إسلامية وتاريخية".
وبين انه سرد العديد من العلامات التي تدلل على كثرة الشهداء والتضحيات في هذا الشهر، مشيرا إلى انه بعد الدرس الذي ألقاه ذهب لصلاة العشاء في مسجد الهدى وقد جاءه نجله مسرعاً إلى المسجد ناقلاً له نبأ استشهاد شقيقه وحبيبه الدكتور عبد العزيز.
وأوضح أن "أسد فلسطين" كان متواصلا معه وأسرته وإخوانه كافة وكان عندما يخرج من السجن يزور أصدقاء الوالد وبعد وفاة والدتي أصبح يزور صديقاتها كنوع من صلة الأرحام.
زيارات خاطفة
ويتابع سجان الرنتيسي وأحد تلامذته الذين تعلموا عنه الصبر والثبات على المواقف قوله:" كان متواضعاً لأبعد الحدود، كان يقدم لنا الضيافة دائما وكان يقبل الهدية وكان بشوش الوجه، واستمرت العلاقة معه وأصبحت أزوره بشكل دوري زيارات خاطفة وكان اللقاء الأخير معه قبل استشهاده بـ27 يوما واقتربت منه شيئاً فشيئاً حتى عانقني الحضن الأخير وقلت له كان الله في عونك لان الحمل كان حينها ثقيلا".
كما أكد أن الدكتور كان كاتباً للشعر، مبيناً قيامه بتهريب إحدى قصائد الرنتيسي بعنوان قادة السوء من 28 بيتا كان يتنبأ فيها بزوال الاحتلال والسلطة، نشرت في إحدى أعدادها جريدة الرسالة وقتها وقامت الدنيا ولم تقعد على تلك القصيدة "كيف تنشر قصيدة للدكتور وهو معتقل فقاموا بتشديد الحراسات عليه وسحبوا الأوراق والأقلام والكتب من عنده ردا على ذلك".
وتشير أم محمد إلى قيام زوجها الشهيد القائد بزيارة نقاط المرابطين رغم انشغالاته الكثيرة والأوضاع الأمنية التي كانت تحيط به، مبينةً حرص الدكتور الشديد على قيام الليل كل ليلة بدون استثناء ما أوتي من وقت لأداء ذلك".
ومضت زوجة الرنتيسي المحتسبة على فراق زوجها بالقول: "لو وزعت رأفته على منطقة بكاملها لكفتها، حينما كان يأتيه نبأ استشهاد أي شاب من المجاهدين كنت أرى الدموع في عينيه.
ومن أكثر المواقف التي يستذكرها شقيقه أبو على جيداً وكانت تعبر عن مدي حياة البؤس والفقر التي عاشتها عائلة الشهيد الرنتيسي قائلا: "توجه أخي الأكبر للسفر للعمل في السعودية ونحن في الطريق لمحطة القطار كان أخي يمشي حافي القدمين وعندما رآه الشهيد الدكتور عبد العزيز في ذلك الموقف اعطاه حذاءه ورجع للمنزل حافي القدمين".
وتابع:"هناك مواقف جمة استذكرها عن الدكتور عبد العزيز منها ما يختص بالناحية السياسية أو في حياة المعتقل مواقف حصلت في بيتنا سواء مواقف محزنة أو مضحكة".