"وكلّ يومٍ فيكَ يا رمضانُ ماتَ القلب يبكي موطنَهْ، يبكي شوارعه الفقيرةَ، طفلةً نزفت على الأبواب، شيخاً عائداً لصلاتهِ، يبكي ابتهالاتٍ وألفي مئذنةْ"، رددت شاعرة غزة سمية وادي بيت القصيد، ترثي عودة رمضان وقد دمرت بيوت الله، وصُمّت مآذنها خلال العدوان (الإسرائيلي) الأخير على غزة.
طائرات الاحتلال لم تعتق ما يقارب ثلاثمائة مسجد من قصف حممها الصاروخية، وأسقطتها ما بين تدميرٍ كلي لحق بـ(73 مسجد)، وتدميرٍ جزئي لـ(205 مسجد).
المواطن أبو محمد أبو دقة، دومًا يقلب شريط الذكريات في باحات مسجده -خليل الرحمن ببلدة عبسان شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع-، مشيرًا إلى أنّ صوت الأذان وهو يصدح من مآذنه لا سيما في شهر رمضان، كان له نكهة مميزة.
حنين
" أفتقد حلاوة الاستماع إلى صوت المؤذن لحظة السحور والافطار، وأشعر أنّ رمضان هذا العام ينقصه متعة السجون خلف الامام في باحات مسجد خليل الرحمن". يقول أبو محمد.
يصف شعوره كلما مرّ على مسجده ورآه بلا أي أثرٍ يذكر، "بالغصّة"، مرجعًا ذلك "لعدم مقدرة المصلين الصلاة فيه".
الأمر لا يختلف لدى الحاج أبو يحيى الهسي مؤذن مسجد السوسي في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، فدومًا يشعر بالحنين إلى مسجده الذي أصبح عدم بعدما كان أثر، أثناء العدوان.
"عشرات السنين وأنا أصلي بهذا المسجد، وأؤذن وأقيم الصلاة به، وأحفظ أركانه شبرًا.. شبرًا"، يقول الهسي، معبّرًا عن حزنه على ما أصاب مسجده.
ويستحضر لحظة قصف الاحتلال للمنزل، حينما أطلقت طائرات الاحتلال فجر احدى الليالي ثلاثة صواريخٍ من نوع (F16) سمع دويها على بعد كيلو مترات، فأحالته إلى ركام.
يضيف بنبرة تشي بالتحدي، " لم نستسلم من قصف الاحتلال للمسجد، ولكننا وضعنا مصليًا بجانبه ليبقى صوت الأذان مرتفعًا ينادي حي على الصلاة، وسنقيم رمضان هذا العام من فوق ركام المسجد، وإن دمروا المآذن ستعلو أصواتنا لتصدح وتوصل النداء".
تحدي
ومرورًا على مسجد الإمام الشافعي بمدينة غزة، يقول أحد مشايخه مروان الثلاثيني، إن المسجد أصابه ما أصاب ثلاثمائة مسجدٍ أصبحت هدفًا للاحتلال؛ ظنًا منهم أنهم يقضون على صوت الأذان، ووأد الإسلام".
وأضاف بنبرةٍ غاضبة أنّ الدول الغربية لا تريد للإسلام أن ينتشر، وصمتها على قصف الاحتلال لدور العبادة يؤكد ذلك"، مشيرًا إلى أنّ غزة "ضحّت بدمائها لأجل أن تجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى".
ترتسم عليه ملامح منتفض عاشق للمساجد. ويصف الثلاثيني حبه لمسجده بأنّه "بيته وأغلى ما يملك في دُنياه"، مؤكدًا أنّ ما هُدم سيعاد بناؤه، و"لدينا عقيدة الإسلام راسخة".
وطلب منّا إيصال رسالته، أنّ "الشافعي" من أكبر مساجد غزة، ويضم ثلاثة آلاف مصل، سيُبنى من جديد، ويعود أفضل مما كان، وستقام بداخله صلوات التراويح، ويرفع أذان التحرير، وتردد تكبيرات العيد بصوتِ أشباله".
أمل
زيارة رئيس الشئون الدينية التركي محمد غورماز لغزة منتصف الشهر الماضي، أعاد الأمل لدى مئات آلاف المُصلين، بعد إعلانه عن استعداد بلاده للشروع الفوري بإعادة بناء المساجد التي دمرها الاحتلال خلال حروبه الثلاث على قطاع غزة، وتقديم نماذج معمارية عثمانية لها، بتكلفة تصل إلى نحو خمسين مليون دولار.
وأوضح وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة حسن الصيفي، أن الوزير التركي تعهد ببناء 73 مسجدًا دمرت كليًا خلال العدوان الأخير، إضافة إلى 34 مسجدًا دمرت خلال العدوانين السابقين (2008- 2012) وترميم 197 مسجدا تضررت جزئيا، مؤكدًا أن "غورماز "أعطي أمرا مباشرا للشروع الفوري بإعادة إعمار المساجد، وتنفيذ المشاريع كافة".
ويضع المصلّون آمالهم على تركيا، بعودة الصلاة في مساجدهم، واقامة "حي على الصلاة" من مآذنها، وتلاوة القرآن في قيام ليل رمضان داخل باحاتها، لتفقأ عيون الاحتلال رسالة بأنّ عدوانه لم يؤتِ ثماره.