قائمة الموقع

عبد الفتاح دخان .. الذاكرة الوثائقية لحماس

2015-06-18T15:28:59+03:00
الشيخ عبد الفتاح دخان (أحد أبرز مؤسسي حركة حماس)
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

الجزء الأول

غُصنا في أعماق ذاكرته، وقلّبنا شريطها بدءًا من النشأة، مرورًا بمرحلة الاخوان المسلمين وشُعبها في فلسطين، وتأسيس حركة حماس في الحقبة الأخيرة من الثمانينات، حتى وصلنا إلى نصيحة الثمانين عامًا من عُمر أحد أبرز مؤسسي حركة حماس، الشيخ عبد الفتاح دخان.

طيلة حوارنا الذي استمر ما يزيد عن أربع ساعات؛ لم يكل ضيفنا أو يمل، إذ تطرق لأبرز محطات حياته وحركته، وسردها لـhttp://alresalah.ps/ar/uploads/images/b1903027b55a1a33129bc57664f6d239.png  بأسلوبٍ شائق، يرويها مستعينًا بذاكرته الوثائقية لحماس، و"صندوقها الأسود"، لا سيما بعد تحفظه على كثيرٍ من المعلومات لـ "دواعٍ أمنية".

بطعم العلقم

استفززنا ذاكرة الثمانيني دخان، انطلاقًا من ولادته عام 1935، في بلدة تسمى (عراق سويدان)، يقول معتزًا ببلدته، "هي أرض فلاحين، كنا نعمل ونأكل من خيراتها ونتاجها، وأبناؤها يرعون الأغنام، والأبقار".

لم يكن بعيدًا عن أقرانه، فقد رعى دخان البقر لعامين متتاليين بعد انهائه مرحلة الخامس الابتدائي، يضيف "الفصل الخامس هو أكبر المراحل التعليمية في بلدتي، وإن أردت اكماله تذهب إلى قرى مجاورة أنشئت بها مدارس عليا(..) ومع رعايتي للأغنام والبقر في بلدتي، أصبحت يوميًا أقيس ارض البلدة بالشبر -كفة اليد- حتى عرفت مساحتها".

على كرسيه يتحدث، وكأنّه تحت شجرةٍ في بلدته، يتابع وابتسامة شوقٍ رسمت على مُحياه "إذا حملتني من غزة إلى عراق سويدان، أستطيع تحديد أراضينا بالشبر بكل دقة".

أصوات المدافع لم تتوقف طيلة فترة التمهيد للنكبة، وعمليات التوغل داخل "عراق سويدان" ليلًا كانت تزداد حدتها حتى تعرضت في احدى لياليها إلى (24 هجومًا)، يصفها ضيفنا أنه "قصف مدفعي عشوائي، وإطلاق نار بلا توقف".

باتت العائلة أمام خيارين أحلاهما مر، فإما البقاء تحت نير الاحتلال، أو القبول بالهجرة حتى عودة الأوضاع إلى سابق عهدها، "ووفاء الجيوش العربية بوعودها المتمثلة بتحرير الأرض"، وفضلت العائلة الخيار الثاني، فانطلقت الدفعة الأولى سيرًا على الأقدام من عراق سويدان إلى دورا الخليل.

"سكنّا في مدرسة دورا الثانوية، وكانت على منطقة جبلية عالية، وكنا نشاهد آثار القنابل وتصاعد ألسنة الدخان من بلدتنا"، وبلهجة الأسف والحزن تابع "في تلك الليلة احتلت عراق سويدان كاملة".

كانت العائلة ترقب وصول الفوج الآخر متمثلًا بوالد عبد الفتاح، وجدته، إلّا أنّ معلوماتٍ وصلتهم أنّهم أضحوا في غزة، فباشروا المسير إلى حيث باقي العائلة، وفور وصولهم أخبرهم والدهم أنّ الجدة "فُقدت في الطريق نتيجة القصف والزحام".

الترغيب بالإخوان

"سيرًا على الأقدام" يقول دُخان، متابعًا " انتهى بنا المطاف في بلدة الزوايدة -وسط القطاع- بعد عناء المشي طيلة الليل".

بدأت العائلة تتأقلم مع الوضع الذي أجبرت عليه، وشرع عبد الفتاح بإكمال تعليمه المدرسي، فأعاد دراسة فصلي الخامس والسادس الابتدائي، ثم انتقل لدراسة الثانوية -لم يكن حينها مرحلة اعدادية- في مدرسة جمعت ابناء اللاجئين في المحافظة الوسطى.

لم يأخذ دُخان استراحة من عناء الذكريات، واستمر في قوله "كانت مرحلة الثانوية عامين للحصول على الشهادة، وأكملتها بكلية غزة التابعة لعائلة الترزي"، ثم أضحى مُدرسًا في مدرسة النصيرات الابتدائية عام (1954) على إثر هذه الشهادة.

يعود بذاكرته إلى مرحلة السادس الابتدائي، وبداياته في تشرّب فكر الاخوان المسلمين، يقول " منذ الصغر، كان توجهي إسلامي، وما إن وصلت للسادس الابتدائي، أصبح لمدرستنا مدير يسمى (سليمان حسن حمد)، وهو من الاخوان المسلمين، وكان يحدثنا ويرغبنا بفكرهم ومنهجهم، ويعطينا حصة إضافية يحدثنا فيها عن تعاليم الدين؛ بعد مغادرة باقي الطلبة.. حتى عشقنا هذا التنظيم".

يتابع " اندمجت في جماعة الإخوان منذ عام (1950)، وكان عمري وقتئذ (15 عامًا).

تشرّب دخان فكر الاخوان من مديره حمد، بعدما جمع الأخير حجارة من بقايا أبنية الجيش البريطاني المدمرة، وبنى شعبة مكونة من (4 غرف)، الأولى تضم المكتبة، وأخرى للإدارة، وواحدة لطاولة التنس، وأخيرة ملعبًا للشباب ليفرغوا من طاقاتهم، ووسط الشعبة ساحة لحديث الثلاثاء الأسبوعي، وهو حديث عن الإسلام والمسلمين يلقيه أشخاص مختارون.

وبعد سنواتٍ من تشرّب فكر الاخوان، قررت السلطات المصرية عام (1954) إغلاق جميع شُعب الاخوان المسلمين، "وأضحى من يُعرف بانتمائه لهذه الجماعة، يُساق إلى السجون".

ساءت أخلاقه

أكمل دُخان تعليمه للجيل الناشئ، فدرس مرحلة الابتدائية عامين، ثم ترقّى ليصبح مدرسًا للمرحلة الاعدادية، وبعد أربعِ سنواتٍ في سلك التعليم، عُيّن مديرًا لمدرسة النصيرات الابتدائية، يقول " منذ عام 1959، إلى عام 1996، كنتُ مُديرًا في مدارس اللاجئين".

"أطلقت السلطات المصرية (عيونها) على أهل غزة"، يقول ضيفنا، ويتابع حديثه مسترجعًا الأحداث وكأنّها بالأمس القريب، " كنا مراقبين من المباحث ليلًا ونهارًا، وأغلب من كان يُراقبنا هم الراسبون في المدرسة التي كنت اديرها".

وأشار إلى أنهم عانوا الأمرين طيلة حكم الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، وقد تبدلت الأحوال "أصبحنا مطاردين، وإن ذهبنا إلى الصلاة بالمسجد يكتب رجل المباحث -ساءت أخلاقه-، وإن شاهد أحدنا في دور السينما أو يلعب الزهر في المقهى يكتب في تقريره -تحسنت أخلاقه-".

طرائف المباحث

ويتذكر دُخان مواقف مرّت عليه من المباحث المصرية، في نهاية الخمسينات، يقول بنبرة تنبض بالألم، "عام 1957 استدعيت للمباحث فيما كان يعرف بسجن السرايا، وما إن وصلت لدائرة المباحث، اتهمني شاويش راسب في الرابع الابتدائي بمدرستي، أنني أحشش، فرفضت التهمة قائلًا إن الانسان يدخن السجائر أولًا ثم يدمن عليها، وينتقل بعد ذلك للحشيش، فتركني أعود إلى بيتي".

تكرر الاستدعاء لمباحث السرايا بعد (10 شهور)، وذات الشاويش الراسب يجلس ليحقق مع دُخان، واتهمه بـ"تدويل القطاع".

ابتسم ضيفنا من الموقف بعدما مرّ عليه ما يزيد عن ستين عامًا، مستذكرًا رده على الشاويش " قلت له هذه التهمة غير لائقة على إنسان أنهى التوجيهي منذ عامين، هل لديه المقدرة في تدويل القطاع". وبأسلوبٍ ساخر قال للشاويش "أعطني تهمة تليق بمعلم في مدرسة ابتدائية، أمّا تدويل القطاع هنالك عائلات كبيرة يمكنك أن تتهمها وليس أنا..".

وفي ليلة من إحدى ليالي العام (1958)، يستذكر دخان أنه  حضر (البوليس) إلى منزله المتهالك وطرق الباب بعنفٍ، وطلبه بالحضور إلى مركز النصيرات، وما إن وصل، حتى وجد ذات البوليس الراسب، يجلس على كرسيه شامخًا، ودار حورٌ بينهما.

الشاويش: " غدًا ستقام الوحدة بين مصر وسوريا"، دُخان: " على بركة الله"، فرد عليه الشاويش: " أنا قادم من الدائرة لأخذ عليك تعهد بعدم معاكستك للوحدة بين البلدين"، فأجابه: "القطاع بأكمله لا يستطيع معاكسة أكبر بلدين، فكيف تتهمني أنا؟". وتم توقيع التعهد في نهاية الحوار، وعاد ضيفنا إلى منزله.

ويوضح أن الجماعة الإسلامية كانت تعاني الأمرين من جراء الملاحقة الامنية المكثفة، والوقوع تحت أنظار المباحث طيلة الوقت

الاحتلال (الإسرائيلي)  

وبعد سنواتٍ من خضوع غزة لحكم عسكري مصري، نشبت حرب بالخامس من حزيران/يونيو 1967، بين (إسرائيل) وكل من مصر وسوريا والأردن، احتلت على إثرها الأولى غزة والضفة الغربية مع شبه جزيرة سيناء، وحكمت القطاع، عندئذ اتسعت دائرة الملاحقة لتطال "الكل الفلسطيني"، ولم تقتصر على "الاخوان المسلمين".

قررت جماعة الاخوان، تجديد منابعها، فأصبح المجمع الاسلامي مركز انتماء لأفرادها في غزة، وأضحى مسجدًا، ومكتبة، وروضاتٍ للأطفال، وقسم للتطبيب والعلاج، ويشير دخان إلى أنّه لم يجتمع أفراد الجماعة داخله، "لأنّه لو حصل تحت أنظار العملاء، يُلقى القبض علينا".

واقتصر تواصلهم من خلال "قصاصات ورق"، يتم ارسالها مع الأطفال الصغار، ويوضع داخل حدودها معلوماتٍ وتعليمات.

عقب انشاء المجمع، كان لدى الشيخ احمد ياسين بصفته زعيما في جماعة الاخوان المسلمين، رغبة جامحة بمواجهة الاحتلال، لولا أن العدد البشري لم يكن كافيا فضلا عن عدم وجود عدة حقيقية "سلاح".

وأشار دخان إلى أن ياسين استطاع الحصول على تمويلٍ خارجي، وشرع في شراء السلاح، إلّا أن الكمية التي جلبها كانت عبر اشخاص مشبوهون -دون علمه- ولما نفذت أموال المتبرعين من الشيخ، طالب تُجار السلاح أن يصبروا قليلا حتى يتمكن من توفير المبلغ المستحق، إلّا أنّهم رفضوا وأبلغوا قوات الاحتلال عن حيازته للسلاح.

وباغتت قوات الاحتلال مجموعة الشيخ أحمد ياسين المكونة منه، ومن "عبد الرحمن تمراز، وعرب مهرة، ومحمد شهاب، وصلاح شحادة، وإبراهيم المقادمة".

تأسيس

وبذلك تلقّت الحركة ضربة، لا سيما بعدما حكم الاحتلال على الشيخ ياسين 14 عامًا، وعلى تمراز 12 عامًا، ومهرة 10 سنين، وشهاب 8 سنوات، والمقادمة 8 سنوات، وشحادة عامين ونصف. يقول دخان "خرج الشيخ بعد عامٍ من أسره بصفقة بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والاحتلال".

كانون الأول/ ديسمبر من العام 1987، كانت شرارة الانتفاضة الأولى، وانطلاق حركة حماس على اثر حادثة الشاحنة "(الإسرائيلية)، واجتمع تسعة من كوادر وكبار قادة العمل الدعوي الإسلامي، وهم أحمد ياسين، وإبراهيم اليازوري، ومحمد شمعة، وعبد الفتاح دخان، وعبد العزيز الرنتيسي، وعيسى النشار، وصلاح شحادة. وكان هذا الاجتماع إيذانًا بانطلاق حركة حماس.

وزعت الحركة بيانها التأسيسي في الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر عام 1987، إبان الانتفاضة الأولى التي اندلعت في الفترة من 1987 وحتى 1994، ثم صدر ميثاق الحركة في أغسطس 1988.

ولاسم الحركة حكاية يرويها دخان بقوله، " سميت (ح.م.س)، بمعنى حركة مقاومة إسلامية، وأثناء زيارتي للضفة المحتلة، قابلت مدير المدرسة الصناعية للأيتام في القدس الأستاذ حسن القيق وهو أحد قادة الحركة، فأشار على بأن تصبح الكلمة (حماس)، وبحثنا في القاموس فوجدنا دلالاتها تتناسب مع الحركة، وتم اعتماده".

بقي الشيخ دخان محتفظًا عن مصدر تغيير اسم الحركة لدواعٍ أمنية، وخشية على حياة الأستاذ القيق، ولكنّه أفصح عن ذلك بعد وفاته.

لم ننتهِ من سرد تفاصيل حياة ضيفنا، فانتظرنا في الحلقة القادمة لتتعرف على الشيخ عبد الفتاح دُخان، والابعاد إلى مرج الزهور، وزمن السلطة، ودخول الحركة في الانتخابات التشريعية.

اخبار ذات صلة