أقامت حركة فتح وسلطتها برام الله الدنيا ولم تُقعدها لمجرد الحديث الإعلامي فقط –وليس الرسمي- عن قرب التوصل إلى تهدئة في قطاع غزة، وانبرت ألسنة قادتها ومتحدثيها الإعلاميين بالهجوم على حركة حماس وتوجيه الاتهامات دون معرفة حيثيات ومضمون تلك التهدئة إن صحت.
غير أن ساسة ومراقبين ومحللين سياسيين، اعتبروا أن ردة الفعل "المسعورة" من فتح وسلطتها وبعض فصائل اليسار "غير مبررة على اعتبار أن التهدئة ما زالت قيد البحث ولم تتضح تفاصيلها بعد"، مؤكدين أن تعجل-المهاجمين- ينم عن سوء نيتهم تجاه قطاع غزة وغضبهم من جراء تجاهل أطراف التهدئة والوسطاء لهم.
وتنفي حركة حماس أن تكون هناك رؤية محددة أو نهائية لأي اتفاق تهدئة، وأن كل ما في الأمر هي أفكار مطروحة للنقاش من وسطاء أوروبيين لم تكتمل بعد، مبينة أن ما يدور من أخبار عن قرب التوصل إلى تهدئة مع الاحتلال "هي حتى الآن مجرد تحليلات إعلامية وليست مبنية على معلومات دقيقة".
قلق فتح وسلطتها
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر، أن حركة فتح وسلطتها برام الله ينتابهما القلق الشديد من إمكانية إبرام تهدئة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة و(إسرائيل)، مشيراً إلى أن السلطة-التي تهيمن عليها فتح- تشعر بأنها لم تعد ذات صلة بمفاوضات التهدئة لأنها لا تريد أن تكون طرفاً في تخفيف الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية للقطاع وتريد أن تُبقي سكانه تحت ضغط الحصار والتصعيد على مختلف الأصعدة.
ووفق تقدير أبو عامر لـ، فإنه يرى أن المصالح بين (إسرائيل) وحماس والإقليم والمجتمع الدولي كلها توافقت على إمكانية الذهاب إلى تهدئة شاملة خلال الأيام المقبلة، لافتاً إلى أن كل هذه الأطراف ربما ستدير ظهرها للسلطة إذا ما استمرت في تعنتها وموقفها السلبي تجاه إيجاد حل لغزة.
وأوضح أبو عامر أنه بات واضحا موقف السلطة وشعورها بأن البساط قد يُسحب من تحتها في هذه المرحلة إذا ما قُدر لاتفاق التهدئة أن يتم، مُفصحاً عن معلومات هامة بأن هناك دعوات كانت موجهة من بعض الأوساط الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية بضرورة انخراط السلطة في مفاوضات التهدئة لكنها كانت ترفض على اعتبار أنها الجهة الوحيدة لإبرام هذا الاتفاق دون حركة حماس وباقي فصائل المقاومة.
من ناحيته، عبر الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، عن استهجانه من مواقف قيادات في فتح والسلطة برام الله وبعض فصائل اليسار التي هاجمت فكرة تحقيق التهدئة في قطاع غزة، متسائلاً " طالما يجهل هؤلاء حيثيات ومضمون هذه التهدئة فلا يمكنهم الحديث عما يمكن أن تحققه أو الحكم على نجاحها من فشلها!؟".
ورأى أبو شمالة في حديثه لـ أن من يتصدرون الهجوم على فكرة إبرام تهدئة في القطاع باتوا يتحسرون الآن على الشراكة السياسية أو الشراكة التفاوضية، مبيناً أن هؤلاء يرفضون أن يكون هناك طرف آخر غيرهم يفاوض بقوة.
ووجه أبو شمالة حديثه للمنتقدين قائلاً "طالما كنتم تفاوضون (إسرائيل) مفاوضات عبثية على مدار السنوات الماضية، إذاً لا مانع أن نُفاوض حول التهدئة"، لافتاً إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار التي أشرفت عليها السلطة وقادتها في القاهرة لم تؤتي ثمارها بعد عام مضى عليها.
وأوضح أبو شمالة أن الغضب الذي ينتاب قيادة السلطة وحركة فتح ومنظمة التحرير في الوقت الحالي يتركز في أنهم خارج إطار هذه التهدئة وأنهم ليسوا طرفاً فيها وأنهم باتوا غير مؤثرين في القرار السياسي، فضلاً عن أنه تم استثنائهم بشكل يؤكد أن (إسرائيل) ليست متمسكة بهم ولا تشترط حضورهم لهذه المفاوضات.
واستدل على صحة ما ذكره سالفاً، بالتدخل الأخير للإدارة المدنية الإسرائيلية وإعلانها عن جملة من التسهيلات لسكان الضفة الغربية، مبيناً أن هذا معناه بأن السلطة لا تمثل شيئاً بمقاييس السياسة الإسرائيلية لأن (إسرائيل) دائماً تعتمد في حديثها وتفاعلها مع الطرف القوي، حيث بات معلوماً أن هذا الطرف هو الذي يحمل البندقية و تجري معه حالياً مفاوضات التهدئة، في إشارة إلى حركة حماس باعتبارها رأس حربة المقاومة.
هل تستدرك السلطة نفسها؟
ولاحقا، استدركت "سلطة فتح" نفسها واعتبرت أن التوصل إلى تهدئة في القطاع "سيكون مهماً"، مشترطة على لسان الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، أن لا يكون ذلك تمهيداً للقبول بدولة ذات حدود مؤقتة"، على حد تعبيره.
ويرى أبو عامر في الإطار، أن حديث أبو ردينة ربما له علاقة بأنباء مؤكدة تواردت لدى المقاطعة برام الله أن "اتفاق التهدئة قد اقترب انجازه وبالتالي هي لا تريد أن تظهر أمام الرأي العام الفلسطيني بأنها ترفضها".
وشدد أبو عامر على أن السلطة تريد أن تظهر حتى لو في اللحظات الأخيرة أنها جزء من هذا الحراك السياسي ولو من باب الترحيب بهذا الاتفاق، متوقعاً أن يكون لهذا الترحيب ما يُبنى عليه ويؤسس لتوافق فلسطيني موحد حول مختلف القضايا والملفات العالقة.
وبناءً على ما سبق ذكره، عبر أبو عامر عن اعتقاده بأن السلطة برام الله سوف تحاول في المرحلة القادمة أن تستدرك موقفها من خلال طرف مصري وألا تبقى في دائرة الانتظار والتفرج على ما يحصل من مفاوضات غير مباشرة بين حماس و(إسرائيل) حول التهدئة في القطاع.
أما أبو شمالة فقد اعتبر ترحيب أبو ردينة باتفاق تهدئة في القطاع كان مقروناً بتحقيق التهدئة والتنمية في غزة، ولكن ما حدث أنه طرأ تغير في لهجة أبو ردينة بعد اجتماع اللجنة المركزية لفتح بعدما شعر أعضاء مركزية فتح ومنظمة التحرير أنهم خارج إطار الحدث السياسي الفلسطيني وأنهم مستثنون من تفاصيل التهدئة.
وأضاف أبو شمالة "طالما شعر قادة فتح والسلطة والمنظمة أنهم خارج إطار الحدث، فليس مستغرباً أن يبدأوا بالصراخ والعويل على ما يجري، وهذا ليس بكاء على فلسطين وغزة والثوابت وما ستسفر عنه مفاوضات التهدئة وإنما البكائية على غيابهم وعدم حضورهم وتبليغهم".
غزة ليست في حساباتهم!
وفي نظرة تحليلية أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي أسعد أبو شرخ، أنه من الطبيعي أن لا يكون ثقة بين بعض الأطراف الفلسطينية حول التهدئة بسبب الانقسام الحاصل، غير أنه هاجم –أبو شرخ- الطرف الذي "يتلكك" في رفضه للتهدئة بعد أن تخلى عن مسئولياته تجاه القطاع، في إشارة واضحة إلى حركة فتح وسلطتها برام الله.
وأكد أبو شرخ لـ أن التوجه العام لدى فصائل المقاومة بأنه لن يكون هناك لجوء للتهدئة بشكل منفرد أو على حساب الثوابت وكرامة الشعب، مستهجناً الحديث المتكرر من قبل قادة في فتح والمنظمة وفصائل اليسار حول النوايا بإقامة دولة منفصلة في غزة.
واعتبر أن الانتقاد والهجوم من قبل سالفي الذكر على حماس غير مبرر على الإطلاق ويأتي حينما شعروا بأن القطار فاتهم وأنهم خارج أي اتفاق، مردفاً " أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وهم بالأساس ليسوا مع المقاومة وإنما مع التهدئة المستمرة بل مع الاستسلام التام".
وفي هجومه على أعضاء منظمة التحرير أكد أبو شرخ بأنهم لا يشعرون بمعاناة غزة وأهلها، متسائلاً "ماذا يفعل أعضاء منظمة التحرير الذين يتفرغون فقط لجلب المنافع والمزايا لهم ولأسرهم ويتقاضون رواتب عالية، في حين أنهم عالة على الشعب الفلسطيني وأداة بيد السلطة وقادتها المنتفعين من حول عباس".
وعبر أبو شرخ عن معاناة سكان القطاع باعتباره جزءاً منه قائلاً "نحن نُذبح وهم يتفرجون على معاناتنا ويسافرون هم وأسرهم ويتلقون الامتيازات ويتاجرون بمعاناة أهالي غزة وحينما يكون التحرك لإنهاء هذه المعاناة يتفلسفون (..) نحن نقول لهم أنتم لا تمثلوننا، فمن يمثل الشعب الفلسطيني هو من يقاتل ويقدم أبناءه شهداء وهي المقاومة"، وفق تعبيره.