قائمة الموقع

الدكتور القزاز.. واضع حجر أساس أول معمل فيزيائي في غزة

2015-06-28T12:27:17+03:00
خلال لقاء الزميل محمد أبو زايدة مع الدكتور القزاز
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

لم يكن شغوفا بشيء كما الطبيعة التي جعلته يغوص في أسرارها، فكانت ضالته الأولى نحو دراسة علم الفيزياء، وما إن ارتدى ثوب التخرّج حتى توجّه إلى منجرة والده. أمسك بالمطرقة ودقّ على الخشب، صانعًا معملًا خاصًا به، ثم اشترى أنابيب من السوق، ووضع انجازه اليدوي تحت تصرّف الجامعة الإسلامية عام 1980، ليصبح أوّل معمل فيزياء في غزة.

" كنت أجري التجارب لقسم الفيزياء في البيت"، يقول الدكتور عدنان القزاز (64 عامًا) مستحضرًا ماضيه الذي بدأه بأوّل مهنة جنى من خلالها رزقه في أسواق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، تمثلت بالخراطة والحدادة عام 1969.

وتوفرت فرصة الدراسة الجامعية للقزاز، فتوجّه إلى مصر ، وأبحر في مجال الفيزياء لسنواتٍ وأكمل مرحلة البكالوريوس عام 1976، ودارت به الأيام في إيصال ما تلقاه، حتّى استقر به الأمر على أبواب الجامعة الإسلامية بغزة.

"بعد تخرجي عملت مدرسًا للفيزياء لثلاث سنوات في ليبيا"، لكنّ الأجواء لم ترق له كثيرًا، فعاد إلى حضن الوطن، ليدرس طلبة الجامعة الإسلامية، ويصنع معملًا بيديه لطلبته.

غربة العلم

عامانِ من تقديم العلم بأدواتٍ بسيطة، قضاها القزاز في كنفِ الجامعة الإسلامية، حتى وصله نبأ ابتعاثه لمدة عامٍ إلى بريطانيا لدراسة الماجستير، يكمل مشواره قائلًا " عامًا من الدراسة العملية في الكهرباء الساكنة، أثبتُ خلاله اهتمام المدرسين، فطلبوا مني إكمال درجة الدكتوراه في التخصص".

نتائج دراسة الماجستير أهّلته لاستكمال تعليمه في الدراسات العليا، حتى أنهى درجة الدكتوراه خلال عامين، وتخرّج من إحدى جامعات مانشستر في أكتوبر 1985.

عاد "القزاز" بعد الحصول على شهادة الدكتوراه مباشرة إلى أرض الوطن، وفور وصوله استلم منصب "رئيس قسم الفيزياء" بالجامعة الإسلامية، واستمر لثلاث سنواتٍ يدرّس طلبته علم المادة وحركتها، والطاقة، والظواهر الطبيعية، والقوى والحركة المؤثرة في سيرها.

أمسك القزاز بـ(280 شهادة خريج) ونزل إلى القاهرة عام 1989، واستطاع اقناع الحاكم بإعفاء الطلبة من رسوم تصديق الشهادات البالغة (10 آلاف جنيه مصري)

نهاية ديسمبر من العام 1987، تعقّدت سياسات الاحتلال "الإسرائيلي" اتجاه غزة، بعدما نشبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حتى منع رئيس الجامعة الإسلامية وقتئذ - الدكتور محمد الشيخ صيام- من دخول القطاع، فأصبحت الجامعة بلا رئيسٍ على أرض الواقع.

رئاسة الجامعة

" لم يسمح الاحتلال بدخول الدكتور صيام غزة بعدما توجّه للأردن، فقررنا عمل مجلس رئاسي للجامعة، كنت رئيسًا له"، يقول القزاز، موضحًا أنّ العقبات رصّت أمام الجامعة منذ استلامه للمنصب.

قرارٌ (إسرائيلي) صدر في الـ(1988) بإغلاق جميع الجامعات الفلسطينية، وتعرقلت الدراسة في ميادين العلم، إلّا أنه أصرّ على إكمال المسيرة التعليمية.

ويضيف "قررنا إكمال التعليم بتدريس الطلبة في بيوتهم"، وأصبحت بعد هذا القرار "منازل المُدرسين، ومساجد الصلاة، والدواوين" جميعها مرتعًا للعلم.

وبعد انتهاء الفصل تولّى القزاز وأحد المدرسين مهمّة "كسر القرارات الإسرائيلية"، والدخول سِرًا إلى الجامعة لرصد درجات (5000 طالب وقتئذ) على الكمبيوتر الوحيد الذي كانت تمتلكه "الإسلامية"، واستخراج شهاداتٍ للخريجين.

تطلّبت مهمة تصديق شهادات الخريجين سفر رئيس الجامعة إلى القاهرة ليمضي عليها الحاكم الإداري، فأمسك القزاز بـ(280 شهادة خريج) ونزل إلى القاهرة عام 1989، واستطاع اقناع الحاكم بإعفاء الطلبة من رسوم تصديق الشهادات البالغة (10 آلاف جنيه مصري).

عاد راسمًا على وجهه ابتسامة واثقٍ، وما أن وصل بيته حتى استدعاه الحاكم (الإسرائيلي) بالمدينة -خانيونس-، فذهب اليه في اليوم التالي وقابل خلالها مدير الشؤون العربية.

تحديات التسعينات

يجلس القزاز على كرسيه المتحرك، ويقلّب بأوراقه التي تجاوز عمرها عقودا من الزمن، وتفوح منها رائحة الذكريات، ثم أمسك بورقةٍ وقال "هذا هو طلب الاستدعاء".

 وتابع " كان سبب ذلك علمهم بإكمال المسيرة التعليمية بعد مداهمة الجامعة وتكسير الأبواب والأثاث والمعداتِ إضافة إلى كمبيوترها الوحيد".

بقيت مسيرة القزاز رئيسًا للجامعة حتى عام 1991، حيث تولّى الدكتور أحمد أبو حلبية رئاستها لـ(9 شهور)، وعاد القزاز للعمل من جديد وتولّى عمادة كلية العلوم في الجامعة.

"اليوم نشرب فنجان قهوة سادة على روح الجامعة الإسلامية"، كلماتٌ قالها أحد "قيادات" منظمة التحرير بعد تخلي ما يزيد عن ثلثي المدرسين عنها

وخلال تولّي أبو حلبية للرئاسة، حاول أعضاء من حركة فتح "الانقلاب" على النظام القائم بالجامعة، إلّا أن محاولاتهم باءت بالفشل، فقرر مجلس الأمناء فتح جامعةٍ أخرى، حتى نشأت جامعة الأزهر عام 1991، مبدوءة بكلية التربية.

بدأت الدائرة تدور حول الإسلامية، و"قرر التعليم العالي التابع لمنظمة التحرير، بتحويل مخصصات الجامعة إلى الأزهر، وأصبح القائمون على التعليم العالي يأتون للمدرسين الذين قطعت رواتبهم بالإسلامية ويساومونهم على صرفها شريطة ترك مكانهم والتدريس بالأزهر". وفق القزاز.

عملياتُ الابتزاز استمرت إلى أن صعُبت على المُدرسين الحياة، فقبِل (76%) من مدرسين الإسلامية بشرط التعليم العالي والتحويل إلى جامعة الأزهر للتدريس فيها لتلقي رواتبهم.

"اليوم نشرب فنجان قهوة سادة على روح الجامعة الإسلامية"، كلماتٌ قالها أحد "قيادات" منظمة التحرير بعد تخلي ما يزيد عن ثلثي المدرسين عنها. "مُعتقدين أنّها ستنكسر وتنكس أعلامها". حسب قول القزاز.

وتولّى الدكتور سالم سلامة منصب رئاسة الإسلامية، لكنّه لم يمكث في ذلك سوى (5 شهور)، "لأنّ الاحتلال أبعده إلى مرج الزهور جنوب لبنان".

وعادت الأيام وأعباء المرحلة على كاهل القزاز من جديد، فقد عاد ليتولّى رئاسة الإسلامية عام (1992)، ومنذ ذلك الوقت قرر الاحتلال الاستمرار بإغلاق الجامعات، والتهديدات والاقتحامات.

الجميزة

ولشجرة الجميزة حكاية مع القزاز، ففي الخامس من (أغسطس/1993)، تسلّقها لالتقاط الثمار لأبنائه، لكن الغصن الذي أمسك به انكسر وهوى على ظهره، فأصيب بشللٍ سفلي.

وخلال فترة العلاج، استمر لـ(39 يومًا) بلا طعامٍ أو شراب، إلا عن طريق المحاليل، ولم يستطع أطباء مستشفى المقاصد في القدس المحتلة معرفة السبب.

ازداد وضع القزاز سوءًا، فوقّع للأطباء على إجراء عملية جراحية بالبطن لمعرفة العلّة. "وجدوا تضخمًا في الكبد، سبب ضغطًا على الاثنا عشر بفعل السقوط عن الشجرة (..) وأجريت لي عملية جراحية".

وقّع القزاز على ورقة التنحّي عن رئاسة الجامعة ليخلفه بالمهمة الدكتور محمد شبير، وفي عهد الأخير تمّ الاعتراف بالجامعة الإسلامية رسميا.

"في أبريل من العام (1994)، عُدت للتدريس في الجامعة الإسلامية، ورفضت عودتي لرئاستها بعدما عرضوا عليّ ذلك"، يقول القزاز مرجعا السبب في ذلك "إلى حاجة الرئاسة إلى الحركة لكبر أعبائها". وأوكلت مهمّة رئاسة الشؤون الأكاديمية عِوضًا عن الرئاسة.

اعتمد القزاز على نفسه بعد تأهيله للتعامل مع "إعاقته"، فأضحى يقود سيارته بنفسه، ويقضي حاجياته بلا مساعدة من أحد.

كبُرت الجامعة وتوسّعت أكثر، وأصبحت تنهض ليتم بناء أوّل مبنى من الخرسان ويفتتحه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وحمل المبنى اسم (القدس/K).

 رئاسة ثالثة

وفي عام (2001)، نصب الاحتلال حاجز (أبو هولي)، ما عرقل حركة السير من الجنوب لغزة، فقررت الجامعة فتح فرعٍ لها بالجنوب تولّى رئاسته القزاز حتى عام (2005)، ثم انتقل لتدريس الفيزياء بغزة حتى عام 2014.

وقّع القزاز على ورقة التنحّي عن رئاسة الجامعة ليخلفه بالمهمة الدكتور محمد شبير، وفي عهد الأخير تمّ الاعتراف بالجامعة الإسلامية رسميا

في الرابع عشر من الألفية الثانية، ظهرت أعراض صحية بعد (21 عامًا) من العملية الأولى، أجرى بعدها تحاليل مطوّلة، فتم على إثرها اكتشاف "ورم في القولون"، أجرى له الأطباء عملية لاستئصاله.

بدأ القزاز بالتحضير للفصل الدراسي الجديد من العام (2014-2015)، إلّا أنّ الأمور ازدادت سوءًا، حتى طلب منه الأطباء البدء الفوري في أخذ جرعاتٍ من الكيماوي للقضاء على المرض.

وفي شباط (2015)، كانت الجرعة الأولى يصفها الدكتور القزاز بكلمة "عذاب"، ويحدثنا عنها بالقول "هي محلول يبقى معلقًا في الجسم لـ(3أيام)، كل 15 ثانية ينقّط قطرة، وبعد انتهاء الجرعة يصبح مكان الإبرة أحمر مائلًا للحرقة، وتغيراتٌ في الجسم، والأكل بلا طعم، وحاسة الشم مفقودة، ولا يستطيع الحركة.. هي أتعبُ من المرض نفسه".

إجازة مرضية حصل عليها الدكتور القزاز لتلقّي "الكيماوي"، فقد تلقّى سبع جرعاتٍ من أصل (12)، وينتظر انتهاء الكورس ليعود للجامعة من جديد، والتي يعتبرها بيته الأوّل - تخرج منها 3 من أبنائه الذكور و3 من الاناث بتخصصات ما بين الطب والهندسة والحاسوب-، ويكمل عامه الـ(36) من العطاء في كنفها.

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00