مرّ عام على العدوان الصهيوني ضد قطاع غزة، كان هو الأعنف والأكثر وحشية ضد الفلسطينيين، عدوان ولدت معه معادلات ونضجت أخرى، وخلق معالم مختلفة للمرحلة يقرؤها السياسيون على أنها معادلة الثمن والربح وجني الحصاد، يرصدونها بعين الشاخص، ويكشفون تطوراتها بموقع المسؤولية، وتنقلها الرسالة على السنتهم في تصريحات خاصة أجريت معهم.
يجمع قادة حماس ومراقبون عرب، أن "العصف المأكول" لها ما بعدها من الأثر السياسي الذي سيثمر قريبًا، إذ أن مفاوضات التهدئة دخلت تفاصيل دقيقة توحي بجدية الموقف، عدا عن المتغير الإقليمي الذي تعول عليه الحركة والمراقبون معها في تحولات المواقف السياسية على الجهة الجنوبية من القطاع المحاصر.
نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قال إن المعارك الكبيرة التي دارت خلال هذه المعركة، لها ما بعدها على المستوى الاستراتيجي والوطني، سيما وأن أطرافًا بدأت تبحث الانفتاح على حركة حماس عبر زيارة الوفود الأوروبية إلى قطاع غزة ولقاء الحركة بمبعوث الرباعية الدولية توني بلير وهو الذي تسبب بالحصار على مدار السنوات الثماني.
وأضاف هنية في تصريح على هامش خطبة له، ما قبل المعركة والضغط السياسي الذي تعرضت له غزة يختلف تمامًا عما بعدها، موضحًا أن العامل المشترك بين الأطراف، البحث عن سبل رفع الحصار وتفادي منع الانفجار في غزة.
هنية: ما قبل المعركة يختلف عما بعدها وأطراف عديدة بدأت تبحث الانفتاح علينا
وأكدّ هنية أنّ المقاومة لا تزال اقوى بكثير مما كانت عليه أثناء الحرب، بما تملكه من وسائل وخطط واستراتيجيات والمفاجئات، وكأن سنوات الحصار كانت منطلق لمرحلة جديدة من مراحل الصراع وبناء قوة الردع التي كان لها الأثر في هذه المعركة.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري ورئيس ملف الأسرى، يقول: إن هذه المعركة رغم قسوتها وما خلفته من تضحيات جسام، إلّا أنها خطوة مهمة في تطوير مرحلة تحرير فلسطين والأسرى، مكتفيًا بالتلميح عما تحمله الحركة من صندوق أسود بدأت تتكشف أشياء من خباياه عبر الإعلام (الإسرائيلي).
وأشار العاروري إلى أن هذا الانتصار أصبح رادعًا للمحتل، و"ليدرك أن المقاومة لديها القدرة للدفاع عن أبناء شعبها وحقوقهم"، مشددا على أن أي عدوان على شعبنا لن يمر بدون ثمن.
يعتقد أسامة حمدان رئيس دائرة العلاقات الخارجية بحماس، أن الصمود الشعبي كان عاملًا حاسمًا في هذه المعركة، موضحًا أن الثمن السياسي لم يتحقق لارتباطه بمعادلات إقليمية وقفت ضد تحقيق هذا الثمن، بل إن اطرافًا من الإقليم حرضت (إسرائيل) على الاستمرار في عدوانها وأخرى تحملت الكلف الإضافية للحرب كي تعطل أي مشروع سياسي.
ورأى حمدان أن الواقع السياسي اليوم بات يفرض منطقًا مختلفًا في التعامل مع المقاومة، ويوشك الحصار أن ينكسر لأن إرادة المقاومة عصية على الانكسار، مؤكدًا أن الوقت الذي سيجبي فيه الفلسطينيون الثمن سياسيًا سيكون أقصر بكثير مما يتوقعون.
حمدان: المواقف الإقليمية اعاقت جباية الثمن السياسي وقريبًا سنحصد الثمرة.
وقال إن هذه الحرب أسست لمعادلة استراتيجية جديدة في الصراع، عززت بموجبها من مفهوم الردع والقدرة على التأثير في استراتيجيات العدو، والانتقال من موقع ردة الفعل إلى موقع الفعل المباشر، عدا عن تعزيز الحاضنة الشعبية لدى المقاومة.
يقول الدكتور ناصر السوداني رئيس لجنة فلسطين في البرلمان الإيراني إن هذه الحرب مكنت من إحداث متغيرات جوهرية في رسم العلاقات الدولية، وهيأت الظروف لتحقيق مقاربات في المواقف السياسية لـ "محور المقاومة".
ويؤكد أن لهذه الحرب ما بعدها على مستوى الصعود الميداني للمقاومة، الذي ينفك بشكل كامل عن أي تأثير في العلاقات السياسية بين الجمهورية الإيرانية وأي من الأطراف الفلسطينية، في إشارة الى الخلاف بين إيران وحماس حول مواقف سياسية تتعلق بقضايا المنطقة.
وأشار السوداني إلى أن اللقاءات لم تنقطع بين بلاده ومسؤولين من حركة حماس في أكثر من محفل وكانت على مستويات قيادية عالية، و"الظروف ستنضج بشكل أو بآخر لتعزيز قنوات التواصل على المستوى السياسي".
مسؤول إيراني: حققت تقارب في محور المقاومة ورسمت قواعد اشتباك جديدة
الظروف والمتغيرات
نخب السياسة والفكر في الوطن العربي ومن "يهمسون في أذن صناع القرار ببلدانهم" يؤكدون من جانبهم أن جباية الثمن ومعادلة المكسب أطلت برأسها وباتت أقرب الخيارات للتحقق في الوقت القريب، طبقًا لما تحدثوا للرسالة.
يؤكدّ المفكر القومي الدكتور محمد المسفر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، أنّ أهم ما ربحته غزة بعد هذا العدوان قدرتها على صناعة هذه الهيبة للمقاومة وترسيخ مفهوم الصمود، واكتساب المزيد من المناصرين الجدد على امتداد الساحة العربية.
ويعتقد المسفر أن من بين المكاسب السياسية للحرب، إعادة تدويل القضية الفلسطينية، عدا عن تغير نظرة بعض الأطراف الإقليمية اتجاه غزة، إذ أن السعودية تمارس نوعًا من الضغط على الحكومة المصرية بعدم إبقاء الحصار ضد غزة.
المسفر: البيئة الإقليمية تغيرت للأفضل وقريبًا انفتاح مصري اتجاه غزة
ويؤكد أن الأيام المقبلة ستحمل انفتاحًا كبيرًا في المنهج السياسي الذي تستدعيه مصر، إلى جانب الضغوط التي تمارس على السلطة الفلسطينية لتغير موقفها من التعامل مع غزة، متوقعًا أن تشهد الأيام القليلة القادمة تغيرًا ميدانيًا فعليا من جانب مصر.
وأشار إلى أن المتغيرات التي تجري في سيناء ستكون دافعة للساسة المصريين كي يعيدوا النظر في كل ممارساتهم في قادم الأيام مع غزة.
يبين الكاتب جابر الحرمي رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية، أنه القضية الفلسطينية بعد عام من العدوان، استعادت زخمها وحضورها في كل المحافل، وأصبح الرأي العام أكثر وعيًا بممارسات الاحتلال، والوفود التي تتقاطر إلى غزة دليل على مكانتها وما شكلته على الصعيد العالمي، بعد الوقفة في العدوان الأخير.
وأشار إلى أن ثمة متغيرات إقليمية حصلت في صالح المرحلة القادمة لغزة، سوف تدفع الى كسر ورفع الحصار المفروض، وترغم (إسرائيل) على تقديم المزيد من التنازلات، خاصة في ظل ما حملته أطراف دولية لقيادة حماس مجموعة من المطالب والملفات التي تدرس بجدية وعناية، وهي متمسكة بها.
وأوضح الحرمي أن هذه المعركة سجلت نقطة انعطاف اذ تتشكل اليوم قاعدة صلبة حقيقة على ارض فلسطين لأول مرة في قطاع غزة.
الحرمي: المعركة سجلت نقطة انعطاف بالمنطقة وستجبر (إسرائيل) على تقديم تنازلات
أكدّ الدكتور محسن صالح رئيس مركز الزيتونية للدراسات الاستراتيجية، أن أكبر مكسب لغزة، ما اثبتته هذه المعركة من نوعية وأصالة للإنسان الفلسطيني، عدا عن دورها الاستراتيجي في إعادة توجيه البوصلة في ظل الظروف المتخبطة بالمنطقة.
وأوضح أن البيئة المحلية والإقليمية لم تكن تسمح للمقاومة أن تحصد نتائج انتصاراتها السياسية على الأرض من ناحية فك الحصار والإسراع في الاعمار، وحصر المكاسب السياسية في بيئة معادية أو معارضة للاتجاه القائم في غزة.
صالح: المقاومة أمام تحدي الصمود في وجه البيئة المخاصمة والمعادية لها
وبيّن صالح أن أبرز التحديات التي تقف امام المقاومة اليوم هو قدرتها على قطع المرحلة الراهنة التي تشكل غاية في الصعوبة، وإمكانية تحقيق الصمود في ظل بيئة مخاصمة ومعادية للعبور إلى مرحلة أكثر تقدمًا.
قال حافظ الكرمي رئيس المنتدى الفلسطيني في أوروبا إن المكاسب العسكرية كانت واضحًة في هذه المعركة، غير أن الاستثمار السياسي قد لا يكون مواتيًا لظروف سياسية معادية، مشيرًا إلى أن ما يجري هي مفاوضات أوروبية رسمية مع حركة حماس وهناك وفود رسمية تزور الدوحة وتتوسط".
وذكر الكرمي أن بلير لا يتحرك الا بضوء اخضر من الحكومة البريطانية وحكومات غربية عدا عن الموافقة (الإسرائيلية)، فلا يمكن لشخص بهذا الحجم التحرك بدون هذا الدعم.
الكرمي: نحن أمام مفاوضات أوروبية رسمية مع حركة حماس
وأوضح أن المفاوضات الجارية معقدة ولم تصل الى طريق نهائي بعد، خاصة وأن أطرافًا إقليمية تعيقها، ولكن الحالة تحتاج لمزيد من الصمود واللعب بالأوراق التي تملكها المقاومة، منوهًا إلى أن تحقيق الضربة القاصمة من المقاومة غير ممكنة في الوقت الراهن، لاختلال موازين القوى التي تصب لصالح (إسرائيل).