قائمة الموقع

أبو صبحة: خلال عملي في معبر رفح ضعف نظري وأجريت قسطرة في القلب

2015-07-14T10:12:14+03:00
خلال حوار الزميلة أمل حبيب مع ماهر أبو صبحة (مدير هيئة المعابر والحدود )
الرسالة نت - أمل حبيب

لم يكن مستغربًا أن يجلس على أريكة بعيدًا عن مكتبه ومنصبه، فطلبه للاستقالة تجاوز الثلاث مرات خلال سنوات عمله كرئيس لهيئة المعابر في قطاع غزة منذ عام2011 الا أنه كان يقابل بالرفض في كل مرة لأنه "عصبي ولكن على حق"!

ارتباط اسم ماهر أبو صبحة بمعبر رفح، المنفذ الوحيد لأهالي القطاع، نحو الحياة كان سببًا كافيًا لتأمل "الرسالة" خبايا حياته، والذي يسميه البعض بأنه ديكتاتور المعبر "لكبسياته" المفاجئة على موظفيه والتي ترجعنا الى مسلسل "يوميات مدير عام" وتلك "العلقات السخنة" التي كان يتلقاها جهلًا به!

في حين أن أبو صبحة كان يستعد لمواجهة الضغوط النفسية والجسدية والتي كان آخرها نظارة طبية وقسطرة قلب وتمزيق جواز سفره!

ملامح وجهه التي ظلت مبسوطة طيلة حوارنا معه بددت الصورة النمطية لأبو صبحة، فلا محالة ستتغير لديك في حال جلست معه لخمس دقائق، فما بال "الرسالة" وقد تجاوزت الخمس إلى الخمسين!

بداية الحديث كانت بين حنايا عام 1994 حيث الانفراجة الأولى في حياة أبو صبحة بعد خروجه من الأسر وعمله مدرسًا لمادة التربية الاسلامية حتى عام 2006 بعد اجتيازه لأول امتحان توظيف، فهل يحن رئيس هيئة المعابر الى تلك الفترة؟ يجيب أبو صبحة: "من أجمل فترات حياتي كانت تربية الأجيال وخاصة آخر شهرين درست ابني الشهيد صلاح في صف الحادي عشر وتلتها فترة مميزة كمدرب للمدرسين"، وتابع: "وشغلت منصب عضو الفريق الوطني لتقييم المناهج الفلسطينية واعداد منهاج التربية الاسلامية".

تلك الفترة التي قال عنها مازحًا: "اليوم الي بخلص ما بتمنى يرجع" حين سألناه "هل تتمنى أن تعود تلك الأيام؟".

انتقال أبو صبحة من مدرس الى مدير هيئة المعابر لم يكن بشكل مباشر بل كان تدريجيًا حيث شغل منصب نائب مسؤول جهاز الامن والحماية بوزارة الداخلية في أول تجربة لحماس في الحكم عام 2006، ثم الى عدة وظائف منها مدير عام داخلية خانيونس لمدة خمس سنوات قبل أن يصل الى هيئة المعابر عام 2011.

 دوشة!

عادة ما تقتل الأحلام أمام بوابة المعبر فيعلو صراخهم: افتحوا معبر رفح، وخاصة المرضى منهم وأصحاب الإقامات بالخارج والطلبة والإعلاميين لاجتياز سياج المعبر أملاً في الحياة والحياة فقط!

في حضرته استحضرنا الشريط الاخباري أسفل الشاشة بلونه الأحمر وقد كتب عليه (فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين) فهل بفتحه تفتح المشاكل عليه. أبو صبحة في العقد الخامس من عمره يشعر بسعادة حينما يعلن عن فتح المعبر ويستعد لجولة من المعاناة والضغوط النفسية والجسدية والأسرية.

في حين أن أفواج المسافرين وأصحاب الحاجة تهيئ نفسها هي الأخرى كما أبو صبحة فتتوافد أمام منزله في مخيم خانيونس جنوب القطاع بمجرد سماعهم بنية فتح بوابة غزة الى العالم، ويقطع ذاك المشهد الذي تخيلناه من خلال حديثه ويقول ملخصًا: "أنا تعبت.. أربع سنوات أجريت خلالها قسطرة في القلب ونظارات للقراءة وعانيت ضغوطا نفسية وأسرية".

ولم ينكر بأن الضغوط انعكست على أفراد عائلته، فوالدته المسنة أم مخيمر 78 عاما، تنتهز الفرصة بعد صلاة العصر للبحث عن نسمة هواء هربًا من ضيق بيوت المخيم، "كنت معتادا الجلوس بجانبها"، الا أن تدافع الناس لسؤاله عن المعبر وطلباتهم حين يلمحون طيف ابنها ماهر بقربها يعكر صفو جلستها: "أنا جايب الدوشة لأمي وأهلي وصحابي" بحسب رئيس المعابر.

لم يستطع أبو صبحة الفصل بين عمله وحياته الشخصية، فكان البحر المتنفس الوحيد له هربًا من بعض الحالات التي تنتظره في البيت وكان منها نص رسالة من سيدة تخبره بأنها تنتظره بجانب زوجته في البيت لحل مشكلتها!

منغصات عديدة تواجه المسؤول الا أنه يوضح بأنه يعذر الناس فهم أصحاب حاجة والمعبر مغلق، فكانت صفحته الشخصية عبر الفيس بوك بمثابة "فضفضة" لحالات كثيرة وعالقين يرغبون في السفر، وعنها يحدثنا بالقول: "سببت ازعاجا كبيرا فأغلقتها بعد اتهامات باطلة وإساءات متكررة دون تقدير لعدم استطاعتي الرد على جميع الاستفسارات والتي أكون قد وضحت أغلبها في منشور أو مقال عبر الصفحة".

بين دموع كبير في السن وآهات طفل مصاب بالسرطان ينتظر الفرج أمام بوابة المعبر وأخرى تجلس فوق حقائب سفرها تدعو الله أن ينتقم لها من ظلم العرب، انهار أبو صبحة ووقع مغشيًا عليه وتم نقله الى المشفى للعلاج قبل ستة شهور ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعاني فيها من وعكة صحية بسبب الضغوط النفسية ومشاهد الوجع أمام بوابة المحاصرين نحو العالم!

أثر تلك المنغصات في حياة أبو صبحة اختفت تمًامًا من نبرة صوته واستبدلها بضحكة حينما سألناه عن ابنه عبد الرحمن في ربيعه التاسع وهل أبلغه يومًا بأنه " كره عمله؟" الا أنه علق بالقول: "طمعان يصير محلي عشان ياخد سيارتي".

 "زيك زي الناس"

صريح لأبعد الحدود مع من حوله فمسألة الاحراج في حياته آخر ما يرهقه أو يشغل باله لاسيما مع الأقارب والمعارف ومن يلجأ له لتعجيل أو تسجيل اسمه في قوائم المسافرين الأولى عبر معبر رفح فرده لهم جاهز وهو "زيك زي الناس سجل اسمك وبتسافر ان شاء الله".

على "بساط أحمدي" تعامل مع شقيقه أستاذ الجامعة حينما أراد اكمال الدكتوراه في الخارج وكذلك مع ابن شقيقه المريض، في حين قال لنا: "لا أحرج من عائلتي لأني لا أستجيب لهم".

تلك النزاهة التي يتخذها رئيس هيئة المعابر منهجًا له خلال عمله بمعبر رفح لم يسمع بها القائمون على صفحة (ماهر أبو صبحة كرت أحمر) عبر الفيس بوك للمطالبة بإقالته لاتهامه باتباع نهج الواسطة والمحسوبية في اختيار المسافرين، "فليأت أي انسان لمكاشفتي وأتحدى أن يقول ماهر أبو صبحة توسط في سفر أو تلقى رشوة".

أبو صبحة يدرك تمامًا بأنه أمام الناس هو المسؤول، وفي السياق علق وقد علت نبرة صوته قليلًا: "أنا المسؤول عن كل شيء، واني لمجبر عليه فبعد ثلاثة أيام من تسلم هيئة المعابر قدمت استقالتي وجلست في البيت عشرة أيام، وتابع: "قدمت استقالتي الرابعة قبل حوالي عشرين يومًا ايمانًا مني بأن هذا المنصب يسبب ضغطا نفسيا وجسديا واحراجا مع الآخرين".

ابن مخيم خانيونس استغنى عن مرافقيه منذ عمله وما زال يسكن في بيت اسبست بمساحة 80 م فوق منزل، بحسب أبو صبحة موضحًا لكل من يدعي بأنه يعتاش على الرشاوى.

 وختم مازحًا حتى كادت أن تصل بسمته حد أذنيه: "غير الـ30 ألف دولار مستحقاتي في ذمة الحكومة.. هدول حقي".

حين مزق الجواز!

في حياة رئيس هيئة المعابر استياء واضح سببه عدم تفريق المسافرين بين الواسطة والتنسيق المصري، وفي السياق قال: "تنسيقات لأسماء مسافرين ترسل لنا من الجانب المصري ومجبورين على تسفيرها والا يتم تعطيل شبكة الحاسوب أو حركة الحافلات".

علم الشقيقة مصر ما فتىء يرفرف أمام ناظريه في المعبر، فكيف هي علاقته مع الطرف المصري لاسيما بعد حديث يدور عن رغبتهم في ابعاده عن المعبر، يصفها بالقول: "علاقة احترام ولن تكون يوما من الأيام علاقة حب، لأنهم يتهموني بأنني أعيق التنسيقات واستخدمهم كرهائن مقابل خروج المسافرين".

لا يستجيب لمن يتخطى النظام والكشوفات حيث نبه أبو صبحة الى أنه تواصل مع عدد كبير من الحالات الانسانية وقام بتمريرها للسفر، موضحًا أن هناك تقدير حالات كانتهاء التأشيرة أو الاقامة أو تأخير مصالح وتحويلات طبية.

خلال بحثنا عنه وصفه البعض بأنه انسان عصبي ولكن على حق، يبدو بأنه بات كذلك بسبب طبيعة عمله والضغوطات التي تواجهه، الا أنه نفى تحليلاتنا بابتسامة جديدة وتبعها بالقول: "طول عمري تبع طوشات"، وأضاف: "أتحدى أن أكون عصبيا أمام الناس، أكون كذلك فقط على الموظفين".

قاطعناه بسؤالنا "ولكن هل لك أن تذكرنا بيوم تمزيق جواز سفرك؟" عاد أبو صبحة لذاك اليوم حيث ارجاع حافلات المسافرين لثلاثة أيام متتالية بعد تعطل شبكة الحاسوب، وتزامن مع ذلك سفر المعتمرين، يقول أبو صبحة: "صممت يومها أن تسافر الحافلات قبل المعتمرين لأن علاج المريض أهم من العمرة، الا أن الجانب المصري أصر على ادخال المعتمرين وأنا رفضت"، واستمر الحال الا أن أخذ مجلس الوزراء قرار بأن يسافر المعتمرون فقدم أبو صبحة استقالته ومزق جواز سفره أمام الجميع!

أدركنا حقيقة وصفه بالعصبي ولكن على حق وتأكدنا بأنه يحمل في قلبه الكثير من سعة الصدر فبعد أن سحبه المسافرون وشدوه من طرف "جاكيت" ليستجيب لهم أثناء تواجده في صالة المعبر، قام بخلعه وتسليمه لهم كما تسليمه للكشوفات المسافرة ثم ابتسم ورحل!

كبسيات مدير عام!

يلقبه البعض بديكتاتور المعبر "لكبسياته" المفاجئة على موظفيه، هي أشبه بيوميات مدير عام في معبر رفح عادت بالسلب على شخصيته لعدم تفويض الصلاحيات لأحد، الا أنه أكد لـ"الرسالة" أنه كذلك للاطمئنان على سير العمل ونزاهة الموظفين.

يتحرك أبو صبحة باستمرار بين المسافرين ويلاحق المرتشين، منوهًا بأنه وخلال هذا الأسبوع ألقى القبض على من استغلوا عملهم.

احتكاكه بالمسافرين وحقائب الرحيل من غزة لم تجعل من أبو صبحة انسانا شغوفا للسفر والترحال حيث أكد أنه لم يسافر الا سفرتين واحدة للحج وأخرى للعمرة، وكانت آخرهما قبل سنتين، ورغم علاقة الاحترام -كما وصفها- بينه والجانب المصري الا أنه ممنوع من السفر!

ويبدو أن الهاتف المحمول بمثابة خط ساخن له، حيث يعتمد على خدمة استقبال الرسائل، وقال مطمئنًا: "عند فتح معبر رفح استخدم خدمة "عدم الرد" الا أن الرسائل تصلني وأقدر الحالة وأتواصل".

وبين أنه لا يتمكن من العمل في حال شغل الجوال أثناء فتح المعبر، "الرسالة" نصحته بتشكيل طاقم استشاري للرد على الجوال الا أنها عادت لتستذكر بأنه يحب أن يشرف على كل شيء بنفسه.

شخصية أبو صبحة تظهر في معبر رفح أكثر من باقي المعابر كالمعبر الوحيد التجاري كرم أبو سالم وبيت حانون لأنه لا علاقة له بالسفر عليهما وانما يشرف فقط على الضبط الأمني.

أول دمعة لصلاح

وكأن همًا واحدًا لا يكفي.. أو كأن الهموم يستأنس بعضها ببعض فقد نزلت على أبو صبحة مرة واحدة خلال حرب 2014، حيث استشهدت شقيقته وأبناؤها، وابنه البكر صلاح خلال عمله في ملف الطوارئ لمحافظة خانيونس.

فعلًا الوجع ليس في البكاء بل هو بتلك التنهيدة التي زفرها أبو صبحة حين عدنا بالذاكرة ليوم تخريج صلاح مع طلبة الدراسات العليا بكلية ادارة الأعمال بعد استشهاده!، وقال: "لا أذكر أن دمعت عيناي، الا أنني بكيت لأول مرة يوم أن نادوا اسم ابني الشهيد معد رسالة الماجستير دون حضوره (...) كنت حابب يحمل الشهادة لكنه رحل".

صلاح أهدى "الرسالة" ابتسامة عبر صورته بخلفية جوال والده حيث ختم أبو صبحة حديثه عن ابنه قائلًا: "أستشعر بأنه غاب وقد يرجع".

وقبل مضي الأربعين يومًا على استشهاد صلاح تزوجت ابنة أبو صبحة وكأنها رسالة الى العالم بأننا شعب يحب الحياة اذا ما استطاع اليها سبيلًا، حيث أصر على اتمام مراسم فرح ابنته كما كان يلح عليه صلاح قبل استشهاده.

عدنا الى برودة ذاك "البلاط" الذي ما فتئت أجساد النائمين عليه تشعر بها.. هي قطع الكرتون تتناوب أجسادهم المنهكة عليها، فهو المعبر الوحيد الذي ولد على عتباته ذل الفلسطيني بفصول المسافرين من خلاله!

فمن خلال عمله في معبر رفح اطلع أبو صبحة على معاناة شعبه، وتولدت لديه شحنة حقد على العالم الظالم وكل من يحاصر قطاع غزة، وهو كل ما أضاف له عمله في المعبر مؤكدًا بأنه فهم رسالته جيدًا فكل سنة في المعبر زادته خبرة عشر سنوات.

وقبل أن نهديه الأمنيات ونهم بالمغادرة ابتسمنا مستفسرين: "لم تخبرنا عن علاقتك بالصحفيين.. هل هم من المنغصات أيضًا؟ رسالة اطمئنان وشكر تلك التي ختمها بإجابته: "علاقتي بهم تعدت الصداقة في بعض الحالات وآخر يوم بالحرب تصورت معهم سلفي، وأضاف وهو يرافق "الرسالة" طريقها: "الصحفي هو صاحب رسالة وأنا أساعده في ايصالها، وفي بيتي سيولد صحفي بعد أن أنهى عامين من دراسة الصحافة".

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00