غزة- فادي الحسني "الرسالة نت"
تعكس قضية ضعف العادات القرائية لدى الكثير من الشباب في قطاع غزة، مفارقة كبيرة، لاسيما أن نسبة المتعلمين منهم ليست بسيطة، الأمر الذي انتقده كتاب وأدباء.
ويصنف مواطنو قطاع غزة، خاصة الشباب منهم كمتعلمين، لكنهم ليسوا مثقفين، مما رأى فيه مثقفون أنه يعكس أزمة حقيقية.
وفي الوقت الذي بين فيه عدد من الشباب إخفاقهم في مطالعة الكتب، شدد المثقفون على أهمية القراءة كأسلوب أمثل لبناء الشخصية المتوازنة.
شعور بالملل
وسرعان ما يشعر الشاب محمد درويش بالملل عند مطالعته لأي كتاب يقع تحت ناظريه، رغم رغبته الجامحة في القراءة، ويقول: "اشعر أحيانا أن لدي رغبة حقيقية في المطالعة، فابحث عن كتاب هنا أو هناك وبمجرد مباشرة القراءة أصاب بالملل الشديد".
لكن الطالبة الجامعية هديل تعمل باستمرار على تهيئة الأجواء للقراءة، إلا أنها تخفق في الاستمرار في مطالعة الكتب، وقالت :"الكتب الجامعية بالكاد استطيع قراءتها، فكيف بالأدبية والسياسية!".
وتوقعت الطالبة أن تعلقها بالانترنت له دور كبير في الحيلولة دون مطالعة الكتب الورقية، مؤكدةً أنها تضجر أيضاً من مطالعة النسخ الالكترونية من الكتب، المتوفرة على الشبكة العنكبوتية.
أما الفتاة آلاء عاطف، والتي جلبت مؤخراً عدداً من الكتب، فأكدت أنها أفلحت في مطالعة بعضها، فيما أخفقت في مطالعة البعض الآخر، مبينةً أن بعض الكتب التي اشترتها لم تجذبها لمواصلة قراءتها.
وبينت عاطف وهي طالبة جامعية أن عدم الاختيار الصحيح للكتب، ربما يكون باعثا على النفور منها، مؤكدة أن حث أساتذة الجامعة للطلبة على القراءة، ربما كان دافعا مهما للبحث عن المعرفة والتثقيف، كما قالت.
ويعتبر التعليم في فلسطين جانباً ضرورياً للغاية من حياة الفلسطينيين، وأصبح حاجة ماسة بسبب فقدان مصادر الرزق الأخرى، بعد تهجيرهم عام 1948.
وحسب إحصاءات فإن نسبة التعليم المدرسي في فلسطين مرتفعة للغاية، وتقارب الـ100% لدى كلى الجنسين ، ولكن هذا لا ينفي وجود مشاكل التسرب من المدارس وعمالة الأطفال.
كما أن هناك عدداً كبيراً من الجامعات يصل إلى نحو عشرين جامعة، في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، وتخرج نسبة عالية من المتعلمين، لكن قلة منهم مثقفون.
عربية بامتياز
ويرى د.عبد الخالق العف أستاذ الأدب العربي بالجامعة الإسلامية، أن أزمة القراءة هي أزمة عربية بامتياز، وفلسطين جزأ منها، مبيناً أن العزوف عن القراءة ربما يكون عائداً لإعتماد الشباب على وسائل الإعلام كالتلفاز والانترنت.
وقال العف: "قد يكون لوسائل الإعلام دور في العزوف عن القراءة حيث أن البعض يعتمد على المواقع الإلكترونية في مطالعاتهم وبذلك يستغنون عن الكتب الورقية".
وبين أن التعليم دوره سلبي في عدم التشجيع على القراءة، داعياً إلى تفعيل مشروع المكتبات المتنقلة في مناطق القطاع المختلفة، الأمر الذي يسهم في اطلاع المواطنين على الكتب.
وانتقد العف اكتفاء الشباب الجامعيين بالشهادة، دون البحث عن التثقيف، وقال:"هذه تشكل أزمة، لأن المثقف دوما يلتحم بالجماهير ويعمل على حل قضاياهم".
وطالب العف المؤسسات والمراكز الثقافية والتعليمية ووسائل الإعلام، بان يكون لها دور ايجابي في الحث على القراءة، وزيادة مساحة البرامج الثقافية.
ويتفق وزير الثقافة السابق د. عطا الله أبو السبح مع سابقه، حول أن الانترنت وثورة المعلومات الحاصلة اليوم، صرفت الشباب عن مطالعة الكتب، لأنهم رأوا فيها "وجبة سريعة" في الحصول على المعلومة.
وأرجع أيضاً ضعف العادات القرائية، إلى الوضع المتردي الذي يعيشه مواطنو قطاع غزة المحاصرين، وقال: "الهم والضائقة والحصار، يجعلون القراءة في غير محل اهتمام".
وانتقد أبو السبح عدم وجود محفزات للقراء، والارتفاع الباهظ لأسعار الكتب ، مشدداً على ضرورة أن تدفع المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية الطلبة، نجو القراءة والمطالعة.
وقال :"إن الجامعات بالإضافة للمؤسسات والمراكز الثقافية لا تأخذ دورها الجيد في تعزيز العادات القرائية عند الشباب".
إنعاش الثقافة
وأوصى مثقفون غزيون مؤخراً بضرورة العمل على إنعاش الحركة الثقافية في أوساط المواطنين عبر استنهاض الكتاب وتقديم إسهاماتهم لإنعاش حركة النشر، والخروج من حالة العزوف الواسعة عن قراءة الكتب في قطاع غزة.
وفي اليوم العالمي للكتاب وحقوق الطبع، طالب مثقفون غزيون وزارتي الثقافة والتعليم، بوضع خطط تشجع المواطنين على القراءة من خلال إقامة مشاريع تنموية كتوصيل كتاب لكل بيت وتعويد الأطفال على القراءة عن طريق التنشئة والتربية السليمة.
وأبدى الكاتب توفيق أبو شومر امتعاضه من عدم الاهتمام بالمكتبات العامة في ظل غياب "إستراتيجية وطنية ثقافية واضحة تحوي ضوابط محددة تعمل على النهوض بالحركة الثقافية، مؤكداً أن هناك إحصاءات تشير إلى تراجع كبير في الحركة الثقافية في الوطن العربي وفلسطين.
أما الناقدة الأدبية فتحية صرصور، فأكدت على أهمية القراءة على اعتبار أنها الأسلوب الأمثل لبناء الشخصية المتوازنة التي تنمو وتتطور ملكات الاستيعاب والتأمل لديها وتجعل الفرد قادراً على إصدار الأحكام".
وأوضحت صرصور أن القارئ في الوقت الحالي يتميز بسرعة تسرب الملل إلى نفسه، وخصوصاً الشباب، ممتعضة من عدم وجود مؤسسات تعمل على تحسين تسويق الكتب، وتشجيع الأفراد على اقتنائها والإطلاع عليها.