المراكب السياحية.. خطر يهدد سلامة المواطنين دون رادع

مركب لتحميل المصطافين يبحر بسرعة فائقة بين المواطنين
مركب لتحميل المصطافين يبحر بسرعة فائقة بين المواطنين

الرسالة نت - معاذ مقداد

على شاطئ بحر غزة يقود الشقيقان مروان وسيّد مراكب "حسكات" نقل مواطنين للنزهة والترفيه، وفي يومٍ واحد وبنفس اللحظة التي كانا يقودان فيها مركبتيهما، حصلت حادثتان منفصلتان معهما ما تسبب بمقتل شخص وإصابة آخر.

الحادثتان حصلتا مع الشقيقين في آن واحد، حيث قتلت شفرات محرك مركبة "سيّد" مواطنًا من شمال القطاع، وأصاب مركب شقيقه مروان مصطافا آخر داخل حوض ميناء غزة.

مركب سياحي آخر تعرض للغرق، كان يُقل نساء وأطفالا صغارا الشهر الماضي، على شاطئ منطقة الشاليهات في بحر غزة، وهذا يعد مغامرة بأرواح المواطنين لأن الأمر ينسحب على أكثر من أربعين مركبًا سياحيًا تنتشر على طول شواطئ قطاع غزة، تبدأ ساعات عملها منذ بزوغ الشمس وحتى غروبها.

ولأن بحر القطاع هو المتنفس الوحيد للمواطنين في فترات الصيف، كان لا بد من فتح ملف تجاوزات مراكب الترفيه التي تعرض حياة المواطنين للخطر على شاطئ البحر، نتيجة قُرب مراكب النقل السياحي من أماكن السباحة، إضافة لتجاوزاتٍ أخرى تتعلق بإجراءات السلامة والأمان الأساسية والتي وضعت كشروط لترخيص تلك المراكب.

 لا ضوابط

وتوضيحًا، فإن المراكب السياحية تنقسم إلى جزأين: مراكب الملاكي وهي خاصة لا يسمح بنقل المواطنين على متنها مقابل عمل تجالري وأجرٍ مادي، والآخر مراكب نقل الركاب "الأجرة" والتي تستخدم في نقل المواطنين في عرض البحر.

ولا توجد مادة في القانون الفلسطيني تحدد الضوابط البحرية أو إجراءات السلامة وعقوبات المخالفات، وقد حاولنا بحث الأمر غير أن برلمانيين لم يجدوا ضرورةً لإقرار قانون يفرض إجراءات السلامة، من باب أن هناك أمور أولى.

كما لا توجد إحصاءات أو أرقام دقيقة عن عدد الغرقى نتيجة حوادث المراكب السياحية سواء لدى وزارة الصحة أو الدفاع المدني، فيما تتزايد شكاوي المواطنين تحسبا من تعرض أبنائهم للغرق.

واحساسا بالمشكلة، أشار الرائد يحيى تايه مدير الانقاذ البحري في الدفاع المدني، إلى تشكيل لجنة من "نقابة الصيادين والدفاع المدني والشرطة البحرية ووزارة النقل والمواصلات" للاتفاق على تحديد مناطق عمل مراكب السياحة وضمان سلامة المصطافين على الشاطئ، لكنْ دون أن يتحقق شيء، كاشفًا عن عدم وجود مساعٍ أو مقدرة حقيقية على تحديد الأماكن.

الشرطة البحرية: تجاوزات مستمرة لهذه المراكب لعدم وجود رقابة كافية

ويقول تايه إن المشكلة الاساسية تكمن في غياب متابعة عمل المراكب واجراءات الأمان المتبعة، إلّا من إجراءات الترخيص، إضافةً لصعوبة إجبار المواطنين أو أصحاب المراكب السياحية على الذهاب لمناطق معينة فقط.

ومنذ أكثر من عام، اجتمعت الجهات المعنية-السالف ذكرها- لمرة واحدة فقط ولم تتكرر بعد ذلك، "فالإمكانيات ضعيفة وشبه معدومة"، كما يوضح تايه.

وحاول معد التحقيق التوصل لإحصائية بعدد الغرقى في حوادث المراكب السياحية، إلّا أن وزارة الصحة قالت إن الاحصائيات اللازمة متوفرة فقط لدى الدفاع المدني، لكن تايه -الأكثر اطلاعًا على الشأن البحري في القطاع- قال إن "الاحصاءات غير موجودة، ولن تتمكن أيّ جهة من معرفة عدد الحوادث".

تقديرات أصحاب مراكب: أربعة حوادث على الأقل تحصل سنويًا

وأقرّ تايه خلال حديثه أنه ليس هناك أي جهة حكومية متابعة لقضية مراقبة عمل المراكب السياحية بشكل جدّي، رغم أن "الاصابات متكررة وكثيرَا ما تحدث".

الترخيص والأمان

وللتعرف على شروط النقل البحري، أشار أشرف مرتجى مدير دائرة وسائط الإبحار في غزة إلى أنه يجب على جميع الركاب ارتداء سترات النجاة قبل التحرك، فيما حدد النهار فقط كوقت الابحار المسموح، حتى درجة 2 بحريًا، أيّ أنه يشترط عدم وجود أمواج بحرية، إلّا أن الرسالة لاحظت عدم التزام بعض أصحاب المراكب بذلك.

ويقول مرتجى إنه يشترط على مراكب النزهة أن يكون السائق ومرافقه حاصلين على دورات في الانقاذ والاسعاف الأولي، وهو أمرٌ يخالف الواقع احيانا.

دائرة وسائط الإبحار: لا يسمح بترخيصها إلّا باستيفاء "الشروط المطلوبة"

ومن الشروط التي وضعتها دائرة وسائط الإبحار كما يذكرها مرتجى لترخيص مراكب سياحية، "امتلاك معدات ابحار كاملة معتمدة من الدائرة، وتوحيد اللون الأزرق لكافة مراكب السياحة بعد أن كانت كل منطقة في القطاع تحمل لونًا محددًا" وأهمّ تلك الشروط هو الالتزام بعدد الركاب المسموح به.

وإجمالي المراكب السياحية في قطاع غزة، هي ثلاثة مراكب كبيرة "لنشات"، و43 مركبا صغيرا "حسكة"، تحصل غزة على نصيب الأسد منها، 31 مركبًا، وتتوزع البقية على سواحل المناطق الأخرى بالقطاع.

ولم يكن في قطاع غزة سوى أربعة مراكب سياحية مرخصة قبل عام 2008 بموافقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، من بينها قارب باسم أحمد فوزي العقيد بالسلطة الفلسطينية، وآخر تمتلكه عائلة بكر، بحسب مرتجى.

وفي نفس العام ولحاجة المواطنين للنزهة والترفيه في البحر، سمحت وزارة النقل والمواصلات وبمتابعة دائرة وسائط الإبحار، بترخيص مراكب نقل المواطنين "السياحية"، ويحتاج مالكو المراكب السياحية استيفاء شروط دائرة وسائط الابحار، مع رسوم ترخيص لا تتعدى 140 شيكلًا فقط للسنة الواحدة.

كاميرا "الرسالة" رصدت منذ شهرٍ تقريبًا، قاربًا سياحيًا لنقل الركاب من شاطئ بحر شمال قطاع غزة "السودانية"، يسير بسرعة جنونية على بعد أمتار قليلة من رمال الشاطئ، ليتجاوز المياه بين رؤوس وأجساد عشرات الشبان والاطفال الذين يمارسون السباحة على الشاطئ، ومعلومٌ أن المركب يحمل محركًا بفراشاتٍ حادة قد تقتل من تواجهه بتلك السرعة، وهو ما أقرّه مرتجى بارتكاب تجاوزاتٍ من البعض.

ولكثرة الحوادث واستغلال بعض الصيادين لمراكبهم في فترة الصيف للاستنفاع من نقل المواطنين مقابل أجر، شكّلت وزارة النقل والمواصلات لجنة لوضع شروط ترخيص المراكب السياحية كونها مراكب تقتل مواطنين لا يجيدون السباحة، لكن من غير المعلوم أين وصلت الامور بعد تشكيل هذه اللجنة.

وفي الأيام الأولى لشهر رمضان تعرض الشاب قاسم وعدد من رفاقه للغرق بعد لحظاتٍ من انطلاق مركب سياحي في ميناء غزة، وعرضت صور الحادثة التي حصلت عليها "الرسالة" على وسائط الإبحار، فكان التبرير أن سبب غرق الشاب كان "ربما خطأ من سائق المركب بتحريكه بطريقة مخالفة أو خطأ في ركوب الشبان".

وبالمناسبة، فإن الحوادث غير مقتصرة على منطقة دون أخرى، حيث زارت "الرسالة" منطقة الميناء على شاطئ بحر خانيونس جنوب قطاع غزة، وتبادلنا الحديث مع علاء راضي -صاحب مركب سياحي-، وقال إنه يمتلك مركبًا مرخصًا لحمل عشرة أشخاص على متنه، ونادرًا ما تكون الحمولة أقل من هذا العدد، كاشفا عن وقوع اصابات جراء حوادث المراكب السياحية.

ولتلافي هذه الحوادث طالب راضي بالاستعانة بأصحاب الخبرة ممن قضوا أكثر من ثلاثين عامًا في عرض البحر، لمساعدة الشرطة البحرية ووسائط الإبحار في تنظيم عملية السماح بنقل المواطنين وتحديد الأماكن الأفضل لتفادي أيّ حادثٍ يعرض مواطنين للخطر.

وقال إنّ بعض سائقي المراكب السياحية لا يحملون مسؤولية تلك المهنة الصعبة والتي تتطلب خبرةً وقدرة على العمل بدقة وسلامة تامة، "وأغلبهم شُبان لم يمض على عملهم عام أو عامان في البحر"، الامر الذي قد ينتج عنه حوادث ومخالفات عديدة.

الدفاع المدني: اجتماع وحيد عقد لبحث المسألة دون مساعٍ حقيقية لتنظيم العمل

وتعرضت عائلة أبو خضرة بخانيونس لحادثة غرق مركب يحمل أفراد العائلة قبل أعوام، تمثلت بانقلاب المركب ما أسفر عن وفاة فتاة واصابة شقيقتيها ونجاة الآخرين.

محمود سالم (اسم مستعار) يمتلك مركبا سياحيا في قطاع غزة، اعترف بحمله عددًا أكبر من الحمولة المسموحة، وبرّر ذلك بإصرار المواطنين على الركوب بتلك الأعداد توفيرا للأجرة.

وهنا يقول مرتجى "هذا يمثّل تجاوزًا يعرض أرواح المواطنين للخطر"، مؤكدًا ضرورة إبلاغ الشرطة البحرية والجهات المختصة عن حوادث مثلها تفاديًا لتكرارها مع آخرين.

في الاثناء قال إيهاب درويش جنينة -صاحب (المراكب) الوحيد المخصص لنقل الركاب للسياحة والترفيه في قطاع غزة- إنه يشهد سنويًا ما يقارب الأربعة حوادث تصادم تتسبب بها مراكب السياحة الصغيرة (الحسكات)، "وهي تشكل خطرًا حقيقيًا على حياة الناس"؛ لانعدام رؤية السائق أمامه، حسبما قال.

ويمتلك جنينة مركبًا سياحيًا (لنش) مرخصًا منذ أحد عشر عامًا، وهو مهيأ للانطلاق في عرض البحر للسياحة ومجهّز بكافة وسائل الأمان والترفيه، إضافة إلى جاهزيته للإبحار ليلًا للنزهة، لتوفر أدوات الانارة اللازمة والاتصال عبر"GPS"  والتواصل الكامل مع الأجهزة المعنية.

وبحسب مشاهدة جنينة فإن الحسكات الصغيرة بغزة لا تمتلك أدنى مقومات السياحة الأساسية من معدات إنقاذ أو اخماد حرائق، علاوة على أنها تشكل خطورة مضاعفة على (اللنشات)، وتتسبب بتضررها.

وانتقد جنينة عدم انتظام الرقابة وتحديد الأماكن المخصصة لنقل الركاب ما يخلق منافسة عشرات المراكب الصغيرة في مساحة صغيرة (حوض ميناء غزة)، مطالبًا بالإشراف الحقيقي على السياحة البحرية، ورقابة على عمل المراكب الصغيرة التي تعتبر خطرًا إن تُركت على هذه الحال.

لا رقابة

الكثير من مراكب الصيد يتم استغلالها في فصل الصيف لحمل الركاب وتحويلها "حسب أهواء الصيادين" لمراكب سياحية، وهي مخالفة واضحة للوائح الترخيص المتبعة.

وفيما يتعلق بنقاط انطلاق المراكب وأماكن رسوها، أوضح مدير دائرة وسائط الابحار أن الشرطة البحرية والدفاع المدني هما المسؤولان عن هذه المهمة، لتحديد تلك الأماكن بعيدًا عن مناطق سباحة المواطنين على الشواطئ.

توجّهت "الرسالة" إلى الشرطة البحرية للاطلاع على متابعة عمل المراكب والاحصاءات المتوفرة لديها، وقابلنا الرائد خالد أبو عميرة مدير دائرة الأمن في الشرطة البحرية الذي قال إنه ليس هناك ما يمنع أو يردع أصحاب المراكب السياحية، لعدم وجود رقابة على عملهم، أو الزام للمواطنين أو السائقين بضوابط محددة خلال العمل في نقل الركاب سياحيًا.

ويضيف أبو عميرة أنه لا يوجد أيّ متابعة فيما يتعلق بتحديد مناطق النقل المسموح بها لأصحاب مراكب السياحة، "نتيجةً لضعف الامكانيات والرقابة اللازمة"، محملًا المسؤولية لوزارة النقل والمواصلات في عدم تنظيم عمل المراكب السياحية على شواطئ بحر القطاع، ودائرة وسائط الإبحار؛ "لأنها هي من تقرر المحددات واللوائح المتبعة في هذه القضية".

ويؤكد أبو عميرة ما نفته دائرة وسائط الإبحار، من وجود حالات تجاوز وأخطاء يرتكبها سائقو تلك المراكب، حيث أشار إلى وقوع حوادث تسببت في مقتل مواطنين على شاطئ البحر نتيجة ارتطام قوارب نقل الركاب بمواطنين.

"يجب ابتعاد مراكب نقل الركاب عن أماكن سباحة المواطنين 300 متر على أقل تقدير، إضافة لضرورة وجود أماكن محددة للانطلاق وحمل المواطنين منها"، ويضيف أبو عميرة، أن الوضع الاقتصادي وواقع حصار غزة هو ما يدفع الكثيرين من سائقي المراكب البحرية إلى ارتكاب مخالفات الحمولة الزائدة والاقتراب من الشاطئ نظرًا للمقابل المادي الذي سيتلقاه.

ويروي مدير الأمن في الشرطة البحرية حادثة تعرّض لها الشاب يوسف جواد أبو غانم حيث أصيب اصابة خطيرة بعد أن صدمه مركب سياحي أثناء سباحته في بحر غزة، "كاد أن يفقده حياته لولا عناية الله، والرقابة الصحية الجيدة على حالته".

"حالات التجاوز والمخالفات التي تسببت في اصابة مواطنين دائمًا ما تحصل على شاطئ البحر"، يؤكّد مدير أمن الشرطة البحرية أن جميع الحالات قد سُجّلت ووثقت، ويتم ضبط المخالفات لهؤلاء "ولا تقل العقوبة عن حجز المركب مدة أسبوع، مع منع نزوله البحر"، لتكون رادعًا لارتكاب مخالفات.

ورأى أبو عميرة أنه من الواجب متابعة عمل أصحاب "الحسكات" السياحية ومناطق عملهم، ولكثرة الاستراحات البحرية على الشاطئ، وأن يتم إبلاغ صاحب الاستراحة بمتابعة عمل تلك الحسكة وتحمل مسؤولية العمل لديه.

ويتأكّد مما سبق ذكره في هذا التحقيق أن المشكلة الرئيسية التي تحتاج حلًا صارمًا هي عدم رقابة الجهات المختصة على عمل المراكب السياحية على شواطئ القطاع، مع غياب العقوبات الرادعة والرقابة اللازمة.

على ضوء ذلك حاولت "الرسالة" طرح هذا الملف على طاولة المجلس التشريعي، فقال النائب محمد فرج الغول إن هذه المسألة ليست أولوية لدى المجلس.

لكن الغول أشار إلى أنه من الممكن وضع أولوية لهذا القانون، في حال كان هناك أهمية له، "وتوجّت مجموعة من المهتمين وذوي الشأن لضرورة وجود القانون، لنستشعر فعلًا بأهميته".

  التشريعي: سن قانون لضبط عملها ليس أولوية

وقال الغول إن لدى المجلس ثورة في اصدار القوانين، حيث أصدر 200 قانون خلال فترة عمله، و150 قانون آخر على جدول أعماله.

وعلى ضوء ما سبق يقع على عاتق وزارة النقل والمواصلات -بمساعدة الجهات المعنية- ضبط عمل مراكب السياحة على شواطئ قطاع غزة، والعمل على طرح القضية على المجلس التشريعي لسنّ قانون يضمن سلامة المواطنين ولا يجعلهم عرضة لخطر الموت، وإلّا فإن حوادث المراكب السياحية ستبقى دون رادع.

البث المباشر