تختلف هذه الأيام عن سابقتها من العام الماضي، فقد كانت غزة تشهد عدواناً اسرائيلياً استمر 51 يوما، خطف فرحة الصغار بالعيد وشتت شمل العائلات التي كان تجتمع على صناعة الكعك ومائدة واحدة صباح عيد الفطر المبارك.
كانت غزة وقتها، تنتظر انتهاء العدوان كي تفرح بقدوم العيد، لكن مع كل يوم كان يزداد فيه القصف ويرتفع عدد الشهداء تتبدد تلك الاحتمالات.
ومع إعلان الهدنة في أول أيام عيد الفطر يوم 28-7-2014، خرج الأطفال يلعبون على الأراجيح كعادتهم في استقبال الأعياد، فيما خرج بعض الأهالي للاطمئنان على أقاربهم وذويهم، لكن فرحة الغزيين دائماً منقوصة طائرات الاحتلال فاجأت الموطنين بقصف أراجيح الأطفال التي كانوا يلهون عليها في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة.
حصيلة هذا الخرق الواضح للتهدئة كان استشهاد 10 أطفال عصر أول يوم من أيام العيد، وإصابة أخرين بجروح مختلفة، فيما كانت الدماء تلتصق بالأُرجوحة وأخرى على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك فإن الطيران الحربي الإسرائيلي استهدف خلال العيد مبنى العيادات الخارجية في مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، الأمر الذي تسبب بإصابة 5 مواطنين بجروح متفاوتة.
وقد استشهد 13 مواطناً وأصيب عدد آخر في قصف مدفعي عنيف تعرض له محيط المسجد العمري في بلدة جباليا شمال القطاع، مما رفع حصيلة عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال اليومين الأول والثاني من أيام العيد إلى 195 شهيداً ونحو 550 جريحاً بحسب إحصاءات لوزارة الصحة.
وقد مزقت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي فساتين العيد وملابس الأطفال، الذين ملأوا الدنيا صراخاً من جراحهم الغائرة، فيما هم الآن بعد عام ينعمون بالشفاء وينتظرون قدوم هذا العيد على أحر من الجمر.
لكن وفي الوجه الأخر من المشهد فن لسان حال البعض بأي حال جاء العيد، خاصة لدى بعض الأطفال الذين فقدوا عوائلهم والأمهات التي تفطرت قلوبهن على فلذات أكبادهن، فيما لايزال يرقد آخرين على أسرة المرض وقد تلونت بدمائهم بفعل آلة الحرب الإسرائيلية.
طقوس العيد الماضي كانت مؤلمة على غير عادتها، فلم تكن غزة قد شهدت عدواناً سابقاً في مثل هذه الأيام المباركات، غابت الابتسامة والفرحة عن وجوه الأطفال الذين عادوا إلى بيوتهم مكسوري الخاطر والحزن يلف وجوههم بعد مشاهد القصف التي طالت أصدقاء لهم وأقارب.
وعلى الرغم من مشاهد الدمار والتشريد التي أثرت على أهالي القطاع، إلا أن بعض الغزيين في مراكز الإيواء أقاموا أجواء تعبر عن سعادتهم بقدوم العيد رغم جراحهم، فصنعوا الكعك بكميات كبيرة وزينوا صفوف مدارس الوكالة التي كانت تأويهم بالبلالين والزينة.
محلات الملابس كانت قد أقفلت أبوبها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، لكنها اليوم وبعد عام على العدوان تفتح أبوابها مشرعة لاستقبال المشترين، فقد شهدت الأسواق هذا العام اقبالا كبيرا على شراء ملابس العيد ومستلزماته المختلفة.
وبدت رائحة الكعك تفوح واضحة من بيوت الغزيين وعلى ركام المنازل المدمرة في حي الشجاعية، ليعيدوا ذكرياتهم في بيوتهم حتى ولو على الانقاض.
وتثبت غزة دائماً أنها جديرة بالفرح، فرغم الجراح التي لا زالت أثارها باقية حتى يومنا هذا، تخرج معلنة استقبالها للعيد بكل ما أوتيت من فرح، وهمة، وعزيمة، فالوجوه التي كانت مبللة بالدماء العام الماضي، سترتسم عليها ابتسامة فرح هذا العام، لتقول للعالم أن غزة عصية على الانكسار.