رفح-محمد بلّور
لم يتوقع المواطن أبو محمد عاشور يوما أنه سيهجر منزله ويفقد محتوياته من عدو مجهول , مأواه الجديد احتوى على أسرته المكونة من 11 فردا و بقايا أمتعة حطت رحالها توا من منزل محترق، كلما تفقد ذكرياته قفزت لمخيلته تلك النيران التي أتت حرقت منزله .
****البداية
كان الرابع من/ يونيو يوما عاديا بالنسبة لـ "أبو محمد" تحسس جيوبه وخرج من بيته, عمله الجديد في الحوالات المالية بين القطاع ومصر يشغل رأسه ويدفعه لترتيب أفكاره كل صباح .
وعلى غير موعد هبت النار في منزله المكون من طابقين، والتهمت محلاته في الطابق الأرضي ثم شبت للطابق العلوي فأضاف "حسبنا انه ماس كهربي وجاء الجيران والمطافي لإخماد الحريق" .
شك أبو محمد في التمديدات الكهربائية، فاستدعى الكهربائي وتفحصها فلم يجد خللا وخلال الفحص رن هاتفه ليخبروه باشتعال النار في الحمام والستائر والتمديدات الصحية.
استبدل أبو محمد الكهربائي بآخر، ليقوم بسحب كل التمديدات والأسلاك دون العثور على شيء وأثناء العمل شبت النار في حجرة أولاده .
****توتر
تسلل التوتر إلى جنبات المنزل , تسمّر الجميع أمام نار تداهمهم في كل وقت ,فاحتار "أبو محمد" وجيرانه في الأمر وصفق رجال الدفاع المدني براحاتهم أمام مصدر النيران المجهول.
كان الدخان الأسود يتصاعد بكثافة من كل حجرة معلنا أن النار ستشتعل قريبا , وأصبح "أبو محمد" وأسرته على موعد مع النار التي أفزعتهم , لم يسيطر أحد على النار وبدأت التفسيرات والتكهنات تدور حول المنزل المسكون بالجن والنار على وشك الاشتعال في أي لحظة .
تهامس الجيران وسكان مخيم الشابورة حول المنزل المسكون بالنار , وجاء بعض الشيوخ لتلاوة القرآن في المنزل، و حشدوا كل طاقاتهم وإمكاناتهم للسيطرة على الموقف .
27 حريق***
تكرر الحريق أكثر من 27 مرة في أقل من 12 يوما, فتحوا أجهزة التسجيل على سورة البقرة والأذكار فلم يبق في البيت أثاث يذكر.
وقال أبو محمد " للرسالة نت ": "احترق كل شيء واحترقت الفرشات وأصبحنا ننام في ساحة المنزل وفي احد الأيام حاولت وضع بعض الملابس في الخزانة فإذا بالنار تشب فيها " .
أوصاه المشايخ أن يؤذن كلما شبت النار وبالفعل امتثل لنصيحتهم، مضيفا:أصبحنا في عذاب 12 يوما وأحيانا تفوح رائحة دخان دون نار .
****مجهول
ويشير إلى أن الدخان كان يتصاعد من أثاثه الخشبي، أو الحائط ثم يصبح كالجمر وتبدأ النيران في الاشتعال" .
ولأول مرة يخرج رجال الدفاع المدني في مهمة من هذا الطراز, عادة يتلقون اتصالا عن حريق بدأ, أما في منزل أبو محمد فمكثوا ليلتين للسيطرة على نار مرتقبة ويضيف: كنا نرى كتلتين تصدر دخان ولهب من الحائط ثم تندلع النار .
أكلت النار كل شيء حتى واجهة المطبخ سقطت تحت حرارة النيران, يقطب أبو محمد حاجبيه مستذكرا " الأطفال لم يتحملوا الأمر ولم يبق سوى حصيرتين في منزله.
****البحث عن مأوى
تأثر مستوى أولاده الدراسي فلم يحصلوا على درجاتهم المعتادة، وخرجت ابنته من المنزل لتتمكن من تقديم الامتحانات الثانوية العامة.
زار منزل أبو محمد كل من الشيخ أحمد نمر وأبو أيمن طه، وكثير من المشايخ الذين أخبروه بأن في منزله سحر مسلّط هدفه إخراجه من البيت .
وتساوره الشكوك, هل بالفعل موقع منزله على 3 شوارع هو ما دفع أحدهم لإخراجه من البيت بتلك الطريقة ؟! .
ونصحه البعض أن يطلب سعرا مرتفع ثمنا لبيته " حتى تخرج نفس الناس منه"- كما يقول.
ويربط أبو محمد بين حادثته وذلك الاتصال من مجهول مضيفا: اتصل واحد قبل شهرين من رقم دولي، وقال أنا الشيخ محمد إمام مسجد في السنغال، وقال لي عليك أن تقسم بالله أنك تريد المساعدة.
واتصل الشخص المجهول على رقمه صديق لي وقال له أريد 200$ لأذبح بقرة لفقراء المسلمين وسأقرأ لك المعوذتين والمصحف، كان ذلك قبل احتراق المنزل .
لكن مثل هذه الاتصالات تكررت مع كثير من المواطنين والراجح أن المتصلين هم من محترفي النصب والاحتيال.
****مصير البيت
وقام كثير من الشيوخ بتلاوة القرآن وغسل البيت بماء البحر دون جدوى فقد كانت النيران تشتعل 4 مرات في نفس اليوم ما جعل الحياة مستحيلة.
انقسم الجيران لقسمين فشرق المنزل يتملكهم الخوف، وغرب المنزل أكثر جرأة بل إن معرفتهم باشتعال نيران جديدة أصبحت مرتبطة بصوت أبو محمد كلما أذن طالبا طرد الجن والشياطين من المنزل فيصفقوا بأكفهم قائلين "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" .
أما أحمد عاشور ابن أبو محمد فلا زال يذكر تلك السحابة السوداء التي ظللت حجرة والديه قبل اشتعال النار مضيفا: شممت رائحة وفتحت الغرفة فإذا بالستائر تحترق وأكثر شيء أذكره هو اشتعال الكنب والفرشات وكنا كلما نصب الماء تزداد ألسنة النار.
ويراقب بلال عبيد ابن خالته، ليتحدث بدوره عن النار التي شاهدها بعينيه أكثر من مرة قائلا: "حتى ألبوم صور ابنه الشهيد أتت عليها النيران وحولتها لرماد."
واليوم يمكث أبو محمد في منزل مؤقت عند أهل زوجته بينما يزور شقيقه المنزل المحترق كل يوم فلا يجد أثرا للنيران سوى رائحة الأثاث المحترق.
ويلف أبو محمد نفسه بحيرته أمام مصير "تعب العمر" هل يبيع المنزل أم يغامر بالعودة له مرة أخرى ؟! .