قائمة الموقع

قصف الأراضي الزراعية أفقد التربة خصائصها ومخاوف من مخاطر كامنة

2015-07-23T07:15:24+03:00
استهداف الاراضي الزراعية بالقصف الاسرائيلي
الرسالة نت-عبدالرحمن الخالدي

في ذكرى العدوان على أرضه يتجول المزارع عز الدين أبو حميدة بين الأشجار التي لاحظ تراكم طبقة بيضاء على أوراقها، وحاول إزالتها مرارا دون جدوى، شاكيا من بطء نموها بشكلٍ ملحوظ رغم مرور عامٍ كامل على العدوان، دون معرفة طريقة علاجها.

الدونمات الخمسة للمزارع أبو حميدة في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، تضررت فيها عشرات الأشجار والمزروعات بفعل القصف (الإسرائيلي)، إلا أنه أعاد زراعتها في ظل غياب التوعية وعدم توفر مصدر رزق بديل.

مر عام كامل على العدوان الأخير على قطاع غزة حاولت "الرسالة" خلاله التقصي عن الآثار التي خلفها قصف الأراضي الزراعية على المزروعات، إلا أن غياب الامكانيات والأجهزة وحتى الدراسات وقف عائقا أمام الوصول لنتائج قطعية بتلك المخاطر.

حالة الجدل بين أساتذة الجامعات والوزارات المعنية حول طبيعة وحجم الضرر الناجم عن قصف الأراضي الزراعية، بالإضافة لمشاهدات العددي من المزارعين دفعت "الرسالة" لدق ناقوس الخطر للوقوف على المخاطر الحقيقية الكامنة في ظل تكرار استهداف الأراضي بأطنان من المواد المتفجرة.

 توزيع الأضرار

ورغم علم المزارعين بأضرار المواد المتفجرة التي طالت أراضيهم إلا أن غياب البدائل يجعلهم مضطرين لإعادة زراعتها وهو ما يقوله المزارع أبو حميدة، موضحا أنهم يحاولون استصلاح أراضيهم قدر الامكان والاستفادة ولو من أجزاء منها.

مزارعون: نستصلح أراضينا ذاتيا وأيا من الجهات لم تحذرنا من مخاطر تحتويها التربة

الأراضي التي شكّلت مسرحًا لغارات الاحتلال طوال أيام العدوان، تلقت قذائف ومتفجرات يصعُب إحصاؤها، ووفق مختصين في الزراعة والبيئة فإنها أفقدت آلاف الدونمات الزراعية كفاءتها وخصائصها وحوّلتها لمساحاتٍ فارغة تصعب الاستفادة منها أو استخدامها، حتى وإن أعيد استصلاحها فلن تعود كسابق عهدها.

وكسابقه، لاحظ المزارع مؤيد ورش آغا -شمال القطاع-ضعف تربة أجزاء من أرضه المقصوفة، وإصابة أجزاءٍ أخرى بالشلل التام، وتعذر استخدامها وزراعتها مجددا رغم مرور أكثر من عام على استهدافها.

ويوضح ورش آغا أنه حاول استصلاح أجزاءٍ من أرضه بديونٍ بلغت حوالي 12 ألف دولار، وعمل على تقليب التربة وتغيير بعضها، مبينا أنها ما زالت تحتاج إلى فترة طويلة كي تتفتح تربتها ومسامها وتصبح جاهزة للاستخدام بعد أن كانت تغطيها ثمار الفراولة الحمراء.

أما المزارع ناهض شحيبر، فاضطر للاستعانة بعشرةٍ من العمال لطمر الحفر الست التي سببها القصف (الإسرائيلي) في أرضه يدويًا، فهو لم يتمكن من الاستعانة بالآليات الضخمة خشية تدمير ما تبقى من أشجار ومزروعات.

تغطية كل حفرة من تلك الحفر الست استغرق حوالي أربعة أيامٍ من العمل، ليتركها بعدها دون الاستفادة منها بسبب التكلفة العالية لإعادة زراعتها بعد أن كانت تحوي عشرات أشجار الحمضيات بأنواعها.

أولئك المزارعون وغيرهم، أكدوا أن العديد من المؤسسات سواءً الحكومية أو مؤسسات المجتمع المدني تفقدت أراضيهم بغرض الإحصاء والتسجيل، ومنهم من أخذ بعض العينات من تربة الأرض ومياهها، إلا أن أحدًا لم يرجع لهم بنتائج أو تحذيراتٍ مما تحتويه أراضيهم من أخطار.

النجار: رغم تشرُّب التربة العديد من المواد السامة إلا أن ذلك غير مثبت بالأرقام

ووفقا لتقرير أعدته وزارة الزراعة بغزة، فقد توزعت الأضرار والخسائر المباشرة على القطاعات الزراعية الفرعية (كالتجريف والحرق والمواد السامة والمشعة) بواقع 200.4 مليون دولار أضرار وخسائر الانتاج النباتي، و70.8 مليون دولار للإنتاج الحيواني، و68.2 مليون لقطاع التربة والمياه، و10 مليون أضرار الثورة السمكية، كما قدرت خسائر المحاصيل المخزّنة بـ 1.16 مليون دولار.

كما تم -بحسب التقرير- استهداف آبار خزانات المياه العلوية وبرك تجمع المياه والخطوط الناقلة لها، إضافة لتدمير الأراضي الزراعية وتجريف التربة الزراعية الواقعة بمحاذاة الحدود الشرقية والبالغ مساحتها حوالي 34.500 دونما زراعيًا تم قصفها بواقع ضعفي المساحة المجرّفة خلال عدوان عام 2008.

سموم كيميائية

المحاضر في قسم هندسة البيئة وعلوم الأرض بالجامعة الإسلامية، د. حسام النجار، أكد خطورة ما تُلقي به قوات الاحتلال من مقذوفات على الأراضي الزراعية، مشددًا على غياب الدور المطلوب من أجل حماية المواطنين وتجنب أي أخطارٍ تُحدق بهم.

وقال الدكتور النجار لـ"الرسالة" إن أمورًا مؤكدةً لا تحتاج للفحص تسببها تلك الانفجارات التي تفوق درجة حرارتها 2000 مئوية، أهمها تبخر وتحلل نسبةٍ كبيرة من المواد العضوية في التربة، بالتالي فقدها لخصوبتها وتحجّرها لتصبح شبيهةً بالحجارة.

وأضاف "يتسبب قصف الأراضي الزراعية بما يسمى احتراق التربة، بمعنى انتهاء التنوع الحيوي فيها بعد موت ما تحتويه من بكتيريا نافعة وحيواناتٍ دقيقة تساعد في تكوين التربة ونمو النبات".

وبحسب المهندس البيئي المختص، فإنه ورغم التأكد من تشرّب التربة العديد من العناصر الثقيلة المكوّنة للمقذوفات وخطورتها، إلا أن ذلك غير مُثبتٍ بالأرقام والنسب نتيجة قلة الامكانيات وعدم توافر الأجهزة اللازمة لفحص التربة في قطاع غزة بفعل الحصار (الإسرائيلي) الذي يمنع إدخالها.

ووفقا للمهندس النجار، فإن دراساتٍ وأبحاث أعدّها مختصون في دولٍ تعرضت لحروب شرسة وقصفٍ لأراضيها كالعراق مثلا، أثبتت أن نسبة بعض العناصر الثقيلة السامة ومنها الرصاص "الليد" السام، ازدادت في التربة بمعدل مائة مرة، مشيرًا إلى أن أراضي قطاع غزة تعرضت لقصف بمقذوفاتٍ وصواريخ أشد خطرًا.

علاوة على ذلك، يبدي النجار احتماليةً كبيرةً لوصول التلوث في التربة إلى الخزانات الجوفية، بفعل اختراقٍ تلك المقذوفات لأمتارٍ عديدة في الأرض وإحداثها لثقوب عميقةٍ فيها.

أما الأراضي الزراعية التي شهدت تحركاتٍ للآليات الثقيلة للاحتلال عليها، فيوضح النجار أنها تعرضت لعمليات دمكٍ وإغلاقٍ للمسامات والفراغات اللازمة لتنفس التربة بفعل تغيير كثافتها، مؤكدا أن ذلك يؤثر على كفاءتها ويمنع من الاستفادة منها في عديد من الحالات.

فيما أكد مدير عام الإرشاد والبيئة في وزارة الزراعة بغزة، المهندس نزار الوحيدي أن الثابت لدى الجميع هو استخدام (إسرائيل) خلال حروبها الثلاثة على القطاع لأسلحةً غير معروفة لدينا وتجاوزه كل الخطوط الحمراء والقوانين الدولية، وأهمها قنابل "النابالم" الشبيهة بقنابل الفسفور الأبيض الخطيرة والحارقة والمحرمة دوليا.

وأضاف في حديث مع "الرسالة" أن استخدام الاحتلال لقنابل "الدايم" الخطيرة والقنابل المعالجة باليورانيوم المنضب، أحدث أضرارا ضخمة في المجال الزراعي، علاوةً على احتواء العديد من مقذوفاته على مركبات كيميائية عديدة لا يعرفها خبراء قطاع غزة ولا يملكون وسائل تحليلها أو إثباتها.

دراسة: الفحوصات البدائية أثبتت وجود عناصر كيميائية خطيرة في الأراضي المستهدفة

ويؤكد المهندس الوحيدي أنه بالنسبة للإنسان، فإن خطورة تلك المواد وغيرها يتأكد منها علماء العالم عبر الملاحظة ومشاهدة ظهور بعد الدلالات على أرض الواقع، كالطفرات الجينية الوراثية، مثل عمليات الإجهاض وموت الأجنّة أو ولادة الأجنة المشوّهة أو الولادات في غير موعدها أو حتى ظهور التوائم السيامية.

أما حول الحيوانات، فإنه يُلاحظ الموت السريع لأنواعٍ مختلفة كالأبقار أو الأغنام في المناطق التي تتعرض للقصف، إضافة لموت الأشجار بظواهر غير طبيعية وغير تقليدية لم نألفها، باستثناء بعض المهندسين المختصين الذين عملوا في بلدانٍ أخرى ولهم علاقة بدراسات النباتات، الذين أكدوا تعرض هذه النباتات للإشعاع وامتصاصه جرعاتٍ كيميائية عالية، وفق قول الوحيدي.

فيما يشير النجار إلى أن قسم الهندسة البيئية في الجامعة الإسلامية أعدّ عيّنات من التربة جاهزة للتحليل أُخذت بعد انتهاء العدوان الأخير على القطاع، أُخذت بعد استخلاصها عبر الأجهزة الموجودة في الجامعة، إلا أن فحصها وإخراج نتائجها التي يُمكن من خلالها إدانة الاحتلال (الاسرائيلي) يحتاج لأجهزةٍ لم تعد متوفرةً بفعل القصف (الإسرائيلي) الذي استهدف مختبرات الجامعة وتلف أجهزة أخرى، إضافة إلى صعوبة استيراد أجهزة حديثة منها.

مقارنات بدائية

المهندس النجار، كان أحد المشرفين على بحث حمل عنوان "تأثيرات حرب عام 2014 على التربة الزراعية في المحافظة الشمالية-قطاع غزة"، تضمن مقارنة عينات أُخذت من أراضٍ تعرضت للقصف، بعينات نموذجية وأخرى أُخذت من أراضٍ لم يطلها قصف الاحتلال.

ووفقا لنتائج البحث، فقد تبين أن قذائف الاحتلال أحدثت تغيرات فيزيائية في التربة الرملية أفقدتها خصوبتها وخصائصها، إضافة إلى التأكد من وجود عناصر كيميائية خطيرة، كان أهمها ستة عناصر تتراوح نسبة خطورتها في تلك التربة وهي: النيكل، الكروم، النحاس، المغنيسيوم، الكوبالت، والرصاص "الليد".

وبحسب نتائج العينات التي جرى فحصنها في المختبرات البدائية لوزارة الصحة بغزة، فإنه ومقارنة بالعينات الضابطة (شبه نموذجية)، فقد بلغت نسبة الخطر الناجمة عن وجود عنصر النيكل في التربة 73.2%، في حين بلغت من عنصر الكروم 81.8%، والنحاس 72.95%، والمغنيسيوم 88.8%، والكوبالت 98.1%، أما عنصر الرصاص "الليد" فبلغت نسبته 64.1%، وذلك لأن الرصاص يتطاير تحت درجة حرارة عالية، وفقا للطالبات.

وحول ذلك، يؤكد المهندس النجار خطورة هذه المواد السامة والعناصر الثقيلة، وعلى رأسها الرصاص "الليد" المكون الأساسي في المواد التفجيرية، والألومنيوم المستخدم في تصنيع الصواعق التفجيرية، والذي يُعد سامًا جدًا ويسبب مرض الزهايمر، لافتًا إلى أن التربة والنباتات تمتص هذه العناصر التي من الممكن أن تنتقل لجسم الانسان عبر تناولها.

هندسة المتفجرات: ما ألقي على غزة من متفجرات يعادل وزن ستة صواريخ نووية

وشدد النجار على التوصيات التي خرج بها البحث، وأهمها ضرورة إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث لكشف المعادن الثقيلة في التربة لخطورتها، وأهمية العمل الجاد من أجل توفير الأجهزة اللازمة لفحص التربة ومكوناتها، علاوة على وجوب إلزام المزارعين بزراعة النباتات التي لها قدرة عالية على امتصاص التركيزات العالية من العناصر والمعادن الثقيلة الموجودة في التربة.

تلوث إشعاعي

عيّنات عدّة من التربة أًرسلت إلى خارج قطاع غزة عبر الوفود الأجنبية المتضامنة لفحصها، إلا أن جميعها وبحسب ما يقول المهندس النجار لم تعد بنتائج واضحة منذ عدوان عام 2008 إلا عبر بعض التسريبات، موضحًا أن اخفاء نتائجها يثبت خطورتها في التربة، مع ترجيح احتوائها على عناصر من "اليورانيوم المنضّب" الذي يستخدم في صناعة المفاعلات النووية.

تلك الخطورة الإشعاعية البالغة لا ينفيها المختص في الفيزياء الاشعاعية المهندس أنور عطا الله ولا يثبتها، مؤكدًا أن النتائج الأولية لما تم فحصه من عينات للتربة عبر الأجهزة البدائية المتوفرة لدى سلطة جودة البيئة بغزة تعطي مؤشراتٍ بوجود موادٍ إشعاعية بسيطة لا تصل للحد الذي يُمكن القلق منه.

ويقول المهندس عطا الله، وهو مدير الإدارة العامة للمشاريع والعلاقات الدولية في سلطة جودة البيئة بغزة: "أستبعد نسبيًا استخدام أمورٍ خطيرة تخص جانب الإشعاعات النووية، فهناك فرق بين الأسلحة النووية العالمية والأسلحة التي استخدمت على غزة بما فيها من يورانيوم منضب وموادٍ ثقيلة، إلا أن ذلك لا ينفي خطورتها".

ويضيف لـ"الرسالة": "حتى وجود بعض المواد الاشعاعية البسيطة في التربة يُضاف إلى سلسلة جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين، إلا أن نسب ومعدلات تواجدها في التربة والمياه وغيرهما يصعب تحديده بفعل الغياب التام للأجهزة الخاصة بذلك في الأراضي الفلسطينية".

محرمة دوليا

المقدم أحمد أبو دية، مدير مكتب إدارة هندسة المتفجرات في وزارة الداخلية بغزة، ذكر أنواعًا مما استخدمه الاحتلال (الإسرائيلي) من متفجرات وقذائف إبان عدوانه الأخير على القطاع وما سبقه من اعتداءات، مشيرًا إلى أن أبرزها خطرًا على الأراضي الزراعية والتربة هي قذائف "الكاربت" أو ما تسمى بقذائف الوقود الجوي.

الزراعة: الاحتلال يمارس سياسة القتل البيئي المتعمّد لأهالي قطاع غزة

وحولها يقول المقدم أبو دية: "قذائف الكاربت تحتوي على مواد مسرطنة، منها أكسيدي الأثيلين والبروبين القابلين للاشتعال والتفاعل الشديد، ويتم من خلالها استهداف مناطق يُحتمل احتواءها على متفجرات أو عبوات أرضية تنفجر بالعدوى من شدة الحرارة التي تولدها هذه القذائف في محيط سقوطها لتصل لقرابة 2700 درجة مئوية فتصهر كل ما يعترض طريقها".

ووفقا لأبو دية فإن الحرب الأخيرة تميزت عن غيرها بكثافة النيران، عبر استخدام الاحتلال لشتى أنواع القذائف من قنابل مسقطة وصواريخ موجهة وقذائف مدفعية بأنواعها، كانت كثافتها تفوق بشكل مهول جدا مساحة قطاع غزة الصغيرة جدًا.

وأكد مدير إدارة هندسة المتفجرات أن الاحتلال استخدم أنواعًا عدة من القنابل والصواريخ الخطيرة، منها سلاح أفعى المدرعات والذي أطلق عليه اسم "البراميل المتفجرة" وتعد من أشد أنواع المتفجرات خطورة لاحتوائها على مادة C4 شديدة الانفجار وذات القدرة العالية على تدمير الدروع، حيث ألقيت بكثرة على المناطق الحدودية.

ومن الأنواع المستخدمة أيضًا كانت القذائف المدفعية عيار 155 ملم، إضافة إلى قذيفة "أبام" المحرمة دوليا لاحتوائها على المعدن الكثيف الخامل (الدايم) ذو القدرة الفتاكة على التدمير، وصواريخ "هيلفاير" ذات التوجيه الدقيق للهدف وتطلق من الطائرات المروحية، فضلاً عن استخدام الاحتلال لـ "قنابل السجادة" التي تستخدم لحرق الأرض بمساحة 30 متر مربع من أجل تأمين دخول الاحتلال لأي منطقة.

وفي مؤشرٍ خطير، يبيّن المقدم أبو دية أن ما سقط على غزة من موادٍ متفجرة يعادل وزن ستة صواريخ نووية، أي ما يقارب 25 ألف طن من المتفجرات والذخائر العسكرية.

تقييم نتائج

المهندس بهاء الآغا مدير دائرة المشاريع والتخطيط في سلطة جودة البيئة، أكد بدوره أن الذخائر والمتفجرات التي اُستخدمت خلال العدوان الأخير تركت ملوثاتٍ شديدة الخطورة والأثر على التربة التي امتصتها، موضحا أن "جودة البيئة" جهّزت حوالي 60 عينة من مختلف أنواع التربة الموجودة في الأراضي الزراعية المقصوفة بالشراكة مع وزارة الزراعة، لفحصها حال توفر الأجهزة الملائمة على أمل الخروج بأرقام ومعدلات دقيقة.

وأضاف "تأخر فحص هذه العينات لعدة أسباب أهمها كان غياب أجهزة الفحص المتقدمة وعطل المتواجد منها في قطاع غزة، إضافة للتكلفة العالية لأخذ هذه العينات وفحصها وإثبات خطورة استخدام تلك الأراضي وزراعتها على المدى البعيد، في ظل غياب موازنات وزارات قطاع غزة".

وفي تقريرها المبدئي لآثار العدوان الأخير، كشفت سلطة جودة البيئة عن أن الحرب التي شنتها (إسرائيل) كان لها أثر خطير وشامل على مجمل عناصر البيئة الفلسطينية، فيما احتوى على تقييم لنتائج العدوان على البيئة الطبيعية والصحة العامة في عدة محاور منها الأراضي والتربة.

سلطة البيئة: العدوان الأخير ترك ملوثاتٍ خطيرة امتصتها التربة 

وأوضح التقرير أن إجمالي ما تم تجريفه بفعل القصف والاجتياحات من الأراضي الزراعية بلغ حوالي 35 ألف دونم، وهو ما يعادل ضعفي المساحة المجرّفة خلال عدوان عام 2008، فيما بلغ عدد الأشجار المجرفة 281.700 شجرة، يُضاف إليها 6.470.522 شتلة زراعية، ما تسبب في منع خفض معدل أكسيد الكربون في الهواء بمقدار 3380 طن سنويا، بحسب سلطة جودة البيئة.

مخاطر بعيدة

وحول دور وزارة الزراعة في مراقبة من أعادوا استصلاح أراضيهم من المزارعين قبل التأكد من سلامتها، قال الوحيدي إن وزارته لا تستطيع في الوقت الحالي التدخل ومنع المزارعين بأيٍ من السبل، كونها لا تملك إثباتاتٍ واضحةً بالأرقام يمكنها الاستناد عليها واتخاذ قراراتٍ يدعمها القانون.

ويؤكد المهندس الزراعي خطورة احتفاظ التربة بالمواد والعناصر الكيميائية التي تتعرض لها، فالنباتات تمتصها وتنتقل إلى الثمار أو الأوراق التي يأكلها الانسان والحيوان وتتراكم في الكبد، لتبدأ في إحداث تغييرات مختلفة تنتهي عادة بالسرطان أو فشل أجهزة الجسم أو مشاكل جينية يمكن أن يورثها الآباء للأبناء.

ويُتابع: "الكيان الصهيوني يمارس سياسة القتل البيئي المتعمّد لأهالي قطاع غزة، فالحصار الذي ينظر إليه البعض على أنه اغلاقٌ للمعابر فقط، يستهدف إضعاف جهاز المناعة في جسم الإنسان المحاصر، بالتالي يصبح عرضة للإصابة بأشكالٍ وألوانٍ مختلفة من الآثار الناجمة عن الحصار، أهمها السرطان الذي يؤسس له ويدعمه ضعف المناعة في جسم الانسان".

ويشير المهندس الوحيدي إلى أن العديد من الوفود القادمة من الضفة المحتلة رفضت حمل العديد من العينات الجاهزة، والتي يمكن من خلال فحصها الخروج بنتائج تثبت تورط الاحتلال (الإسرائيلي) في الإضرار بالقطاع البيئي والزراعي بشكلٍ متعمّد.

وقال: "ما يتعرض له قطاع غزة سياسة عقاب جماعي ومؤامرة تشارك فيها السلطة الفلسطينية ورئيسها، فترك غزة بلا مختبرات وبلا تحليل للعينات الخطيرة ظاهرًا بمثابة قتل متعمّد مع سبق الاصرار والترصد لغزة وأهلها".

وأضاف: "العالم يؤمن بالأرقام، ونحتاج للمساعدة في إثبات الجريمة بالنسب والكمية عبر مؤشرات تم قياسها، فالعاطفة وحدها ليست مؤشرًا يمكن الاعتماد عليه".

وفي دراسة أعدّها المهندس الوحيدي للآثار البيئية الناتجة عن الحرب الأخيرة على القطاع، وخاصةً على الطبقة السطحية للتربة، أوضح نقص دراسات الواقع البيئي والخواص الفيزيائية والكيميائية لتربة القطاع وقدرتها على تحمل نتائج الحرب، إضافة إلى الجهل بماهية كل ما استخدمه الاحتلال خلال حربه الأخيرة من أسلحة وذخائر.

وأكد خلال الدراسة أن المناطق الزراعية التي تعرضت للقصف قد فقدت الطبقة السطحية الخصبة تماما، كما تم تدمير التعاقب الطبقي في الأراضي المجرّفة، ما يعني خسارةً لا يمكن تعويضها، مشيرًا إلى أن تلك المقذوفات تسببت في حرق وتدهور التربة تماما وتسببت في قتل الأشجار وتشوهات الثمار، حيث يُعتقد أنها مسرطنة لكن لا يوجد ما يثبت ذلك أو ينفيه حتى اللحظة.

ولفتت الدراسة إلى أن الآليات الثقيلة التي اجتاحت مساحاتٍ من قطاع غزة كان لها الأثر الكبير في دك التربة السطحية وانعدام نفاذيتها وتكوّن الطبقات الصماء إضافةً لطبقةٍ سطحية كتيمة، فضلاً عن هدم بناء التربة.

وأوضح أيضًا أن حوالي 36 ألف قذيفة مدفعية ثقيلة وصاروخ سقطت على التربة خلال العدوان الأخير، مُسببةً تكوّن حفرٍ بلغت متوسط أقطارها 20 مترًا مربعًا، ومتوسط العمق فيها 5 أمتار، علاوةً على تنفيذ أعمال تجريفٍ للتربة لأعماقٍ تصل إلى 3 أمتار في الغالب، ودكّها وعمل السواتر ومرابض الدبابات والمدفعية الثقيلة في أماكن التوغل البري.

وفي ظل كل ما سبق، يبقى الخطر الناجم عن قصف الأراضي الزراعية كامنا غير مثبت، ويحدق بالمئات من الغزيين، فيما توصلت "الرسالة" إلى الأهمية البالغة لإجراء المزيد من الفحوصات والأبحاث التي تختص بكشف كل ما أصاب التربة ومكوناتها.

كما يستوجب كل ما سبق ذكره، أهمية العمل الجاد من أجل توفير الأجهزة اللازمة لفحص التربة ومكوناتها، وإلزام المزارعين بزراعة النباتات التي لها قدرة عالية على امتصاص التركيزات العالية من العناصر والمعادن الثقيلة الموجودة في التربة، بشكل قد يخفف من خطر تلك المقذوفات ولو بالقليل.

اخبار ذات صلة