أكثر من 13 عاماً على عمل

فرنسا تغلق ملف التحقيق باغتيال عرفات والحقيقة ما زالت غائبة!

طفل على قبر عرفات
طفل على قبر عرفات

فايز أيوب الشيخ

ليس مستغرباً أن تُغلق فرنسا ملف التحقيق في وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، فقد تعددت اللجان الطبية الدولية إلى جانب "اللجنة الفلسطينية" المكلفة بالكشف عن حقيقة الوفاة، غير أن كل هذه اللجان بقيت معلوماتها "مُبهمة" وحبيسة الأدراج، رغم مرور أكثر من 13عاماً على الوفاة.

وأعلنت النيابة العامة في نانتير (الضاحية الفرنسية) -الثلاثاء الماضي- أن لا وجه حق للدعوى المرفوعة في قضية تعرض عرفات للاغتيال بواسطة السم. وأعطت النيابة العامة "قرارا نهائياً يقضي بعدم وجود وجه حق" لهذه الدعوى، حيث لم يصدر أي اتهام في إطارها.

وأخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه برام الله، لفحص سبب الوفاة، حيث كان معهد "لوزان السويسري" للتحاليل الإشعاعية كشف في تحقيق نشرته قناة "الجزيرة"، عن وجود بولونيوم مشع في رفات عرفات، وسط تقديرات تقول إنه مات مقتولا بهذه المادة المسممة.

أقصى ما لدى فرنسا!

وتوقع يحيى رباح القيادي في حركة فتح أن يكون إغلاق فرنسا التحقيق نابعا من كونها لم يعد لديها جديد تقدمه أو أن تحقيقاتها في هذا الصدد توقفت عند حد معين، وخاصة بعد أن قدمت تقريرها الأول ثم أعادت أخذ عينات من قبر أبو عمار وأصدرت تقريرها في هذا الجانب.

واعتقد رباح في حديثه لـ"الرسالة" أن الحكومة الفرنسية ربما لا تريد أن تتحدث في موضوع وفاة عرفات مرة أخرى، على اعتبار أن ما أعلنته كافٍ ولا يحتاج الأمر إلى المزيد.

وقال رباح "يجب أن نركز على الخط الرئيسي بأن (إسرائيل) هي التي تتحمل المسئولية كاملة عن وفاة أبو عمار، وأن أي تفاصيل أخرى هي ثانوية أمام الحقيقة الكبرى التي تدين (إسرائيل) إدانة كاملة عن الجريمة".

ونفى رباح أن تكون اللجنة الفلسطينية قد تخلت عن عملها في ملف التحقيق باغتيال أبو عمار قائلاً "طالما هناك لجنة فإن عملها قائم ولا بد لها أن تعلن للرأي العام الفلسطيني نتائج ما توصلت إليه وكل ما استنتجته من حقائق وأدلة سواء التي توصلت إليها عبر تحقيقات فلسطينية أو دولية".

ملف سياسي بامتياز

وفي قراءته التحليلية لملف التحقيق، يرى الخبير القانوني المستشار أحمد الخالدي أن "الملف سياسي بامتياز وليس جنائيا كما يحلو لبعض الجهات الترويج له"، مشيراً إلى أن تحويل التحقيق بهذه الطريقة شجع على المماطلة به طوال العشرة أعوام الماضية.

وشدد الخالدي على ضرورة أن يطالب الجانب الفلسطيني كل الجهات والأطراف الدولية التي استعدت للتحقيق الاستمرار في تحقيقاتها والحصول على النتائج.

وعبر الخالدي في حديثه لـ"الرسالة" عن اعتقاده بأن قضية اغتيال عرفات لم تعد مُلحة لدى الجانب الفلسطيني، مستنداً في ذلك إلى انعدام الاجتماعات الفلسطينية لمتابعة هذا الملف وعدم إجراء الاتصالات المفترضة مع أطراف التحقيق الدولية. وأضاف "لم نسمع عن اجتماعات أو أعمال قامت بها هذه اللجنة للمتابعة من الناحية الطبية أو الفنية أو السياسية أو الدبلوماسية".

وتوقع الخالدي أن يكون تخلي فرنسا عن التحقيق جاء بناء على رؤيتها بأنه من غير المجدي سياسياً أن تستمر في تحقيقاتها حتى لا يتصادم ذلك مع مصالحها في المنطقة إذا ما أعلنت النتائج الحقيقية، وبالتالي "فرنسا لا تجد داعيا لأن تدلي بدلوها في هذا الملف بما يتعارض مع مصالحها.

وكغيره من الساسة والمراقبين، فليس لدى الخالدي أدنى شك في أن جريمة اغتيال عرفات ما كانت لتحدث لولا تعاون مقربين من دائرة أبو عمار مع (إسرائيل) لتنفيذ الجريمة، مؤكداً أن بقاءه كان يتعارض مع مصالح هؤلاء ولذلك هم يريدون الآن للتحقيق أن يموت كما مات أبو عمار، على حد تعبيره.

لغز فلسطيني مفقود؟!

وكما سابقه أكد الكاتب والمحلل السياسي أسعد أبو شرخ أن تمكن الصهاينة من الوصول إلى عرفات وقتله بالسُم لم يكن ليحدث لولا تعاون المقربين منه في الجريمة، مشيراً إلى أن هناك "لغز فلسطيني مفقود أبطاله الدائرة المحيطة بعرفات".

ولم يستبعد أبو شرخ خلال حديثه لـ"الرسالة" أن تكون فرنسا متواطئة من الأساس في إغلاق ملف اغتيال أبو عمار لأنها أكثر الأطراف التي كانت تعرف حقيقة أنه "قتل مسموماً"، مؤكداً أن تغطيتها على نتائج التحقيقات جزء من المؤامرة الدولية على الفلسطينيين لصالح (إسرائيل).

ووفق وجهة نظره، أكد أن السلطة غير مهتمة بملف اغتيال أبو عمار لأن النتائج ستفتح عليها أبواب جهنم، مبيناً أن الوصول إلى نتيجة بأن (إسرائيل) هي من قتلت أبو عمار يعني أن السلطة ستخسر دورها في العملية السلمية.

وأكد أبو شرخ أن "السلطة ضحت في هذا الملف في سبيل مصالحها واستمرار المفاوضات وعدم تعطل أوسلوا التي وقعها أبو عمار"، لافتاً إلى أن اللجنة الفلسطينية المكلفة بالتحقيق تتلقى تعليماتها من رئيس السلطة الذي لا يقبل بأي نهج غير المفاوضات.

ولعل فرضية تسميم عرفات من (إسرائيل) غير قابلة للتشكيك من الفلسطينيين، وكذلك من أغلبية آراء العرب والأحرار في العالم، ولكن السؤال الذي مازال مطروحاً، من المستفيد من قتل عرفات مرتين، مرة بدس السم له، ومرة أخرى باستمرار الغموض حول وفاته؟

البث المباشر