منظرٌ ملفت، حينما صعدت سهر الشنطي التي أطفأت عامها الخامس حديثًا، على منصّة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، مرتدية ثوبها المطرز باللون الأحمر، وبيمينها تحمل علم فلسطين، وترفع بيسارها شارة النصر.
سحر ليست الوحيدة التي تقف والابتسامة تكسوها في ساحة الجندي، إلّا أنّ عشرات من الشبان والفتيات اجتمعوا متفاخرين بلباسهم الذي يعود لوقت ما قبل الهجرة، ومن خلاله يعيدون للأذهان صورة الطاحونة، ومختار العائلة، وضحكات الماضي الذي حاول الاحتلال طمسه بسرقاته في الحاضر.
ومن وسط الذين اجتمعوا، رفعت شعاراتٌ أبرزها "الزي الفلسطيني عنوان هويتنا الوطنية، وتراثنا الفلسطيني .. نحياه ويحيانا، ويوم الحفاظ على التراث والزي الفلسطيني.. لنا وطن.. لن حق.. لنا قضية".
وعلى الجانب الأيمن من الفعالية التي نظمتها الحملة الوطنية لإحياء التراث والزي الفلسطيني، تقف العشرينية ولاء أبو زايد، تتبادل مع صديقتها أطراف الحديث وكأنّهن من رائحة البلاد التي هجروا منها.
تقول ولاء لـ"الرسالة": "زيّنا رمز أصالتنا وفخر عزتنا، وأجمل ما يمكن الاحتفاظ به هو تراثٌ نتغنّى به على مدار السنوات".
وأمّا عن سبب مشاركتها في الفعالية، فتشير إلى أنّها أبدت رغبتها في كل ما يمكن له أن يحيي التراث، ويعيده إلى الذاكرة من جديد، وتضيف "الاحتلال يحاول تزييف الحقائق، ونحن نسعى لإثبات أحقيتنا في كل ما نملك من رائحة الأجداد".
وفي سؤال مراسل "الرسالة نت" لصديقتها عن مدى امتلاكها للتراث داخل بيتها، فأجابت بنبرة يكسوها الفخر، قائلة "أنا بدوية.. وفي أفراحنا نتزين بالماضي من خلال استحضاره بالدحية، والدبكة، واليرغول، والسامر، والخيل والجمال".
وأضافت شرحًا على ما تحدثت به، أنّ نساء العائلة في أفراحهم يرتدين الثوب الفلسطيني، وخاصة أم العريس التي تفتخر بامتلاكها أعدادًا منه، وتطريزات مختلفة تزيدها جمالًا، وأشارت عُلا (25 عامًا) إلى أن الرجال ينظمون قبل الفرح بأسبوع سباقات خيلٍ واستعراضات بالجمال، متغنيين بالماضي.
وطيلة الفعالية التي استمرت سيرًا على الأقدام من ساحة الجندي المجهول، إلى مقر مؤسسة اليونسكو في غزة، كانت الأناشيد تتردد وأبرز ما أعيد تكراره خلال المسير، "راجعين يا وطن لعطرك الفوّاح، راجعين يا وطن للأرض والأفراح.. لبير المية والبساتين، والزهر نوّر على الجبين، عودتنا حق ليوم الدين..".
وفتاة في السابعة من عمرها تشبك يدها بيد أمّها، ووشاح على الجبين يمثّل فلسطين، والكوفية على أكتافهن تتراقص مع نسمات الهواء، تقول ريما السويس –الأم-، "تراثنا جزء من هويتنا، وأحب الاحتفاظ بأكبر قدرٍ من هويتي، وأعززها لدى أبنائي".
وبنبرة فخرٍ قالت: "أمتلك أربعة أثوابٍ فلسطينية مختلفة، وبمكتبتي عشرات الكتب التاريخية التي تتحدث عن تاريخ فلسطين وحضارتها عبر العصور". وتابعت في رسالة أصرّت على توجيهها من خلال منبر "الرسالة نت"، "فلسطين حق لأهلها، ولا يمكن لأحد أن يطمس الحقيقة".
وعن سبب تنظيم الفعالية، يقول عمر أبو شاويش ممثل الحملة الوطنية لحماية وإحياء التراث الفلسطيني، إنها جاءت ردًا سريعا على ممارسات الجماعات "الإسرائيلية" التي سعت إلى عقد مؤتمرات مشبوهة، وارتداء الزي الفلسطيني على أنه تراث "اسرائيلي"، وكان لنا أن نرد سريعا على هذه الممارسات وإظهار مليكة الفلسطينيين لزيهم".
وأشار إلى أنّ الفعالية جاءت بالتناغم مع عدة بلدان عربية وأوروبية، أبرزها الضفة المحتلة، وعمّان، والرياض، والنرويج، والسويد، موضحًا أنّه تم انطلاق الجميع في تمام العاشرة من صباح يوم السبت، الخامس والعشرين من تموز.
وطالب أبو شاويش باعتبار الخامس والعشرين من تموز من كل عام، يوم الزي الفلسطيني، لافتًا إلى أن الحملة تسعى لإصدار مرسوم رئاسي بهذا الخصوص.