تحتفي الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة بتخريج الآلاف من طلابها في هذه الأوقات من كل عام، غير آبهة بظروف الحياة القاسية التي تُحتّم عليهم خوض معركة شرسة لمواجهة سوق العمل الموصد في وجوههم.
29 مؤسسة تعليم عالي في غزة، تُخرج سنويًا حوالي 2500 طالب وطالبة في القطاع، بحسب احصائيات لوزارة التربية والتعليم، بدى وكأنها تجسد واقعًا مؤلما في ظل ما يعيشه القطاع من أجواء يخيم عليها اليأس والإحباط.
وبحسب احصائيات رسمية، فإن ما يزيد عن 150 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل، الأمر الذي يشير لزيادة العدد في وقتنا الحاضر، أما عن نسبة البطالة في غزة قرابة 41.5% وفق ما ذكره مركز الإحصاء الفلسطيني في بيان نشره سابقًا، في حين أن نسبة البطالة في الضفة الغربية بلغت 15.4%.
هذه الزيادة الملحوظة تترك آثارا سلبياً على الطلبة أنفسهم، وعلى المجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، نظراً لقلة احتياجهم من سوق العمل في غزة.
وبلغ عدد الخريجين في العام الدراسي 2014-2015، في جامعات غزة، 9454 خريجا من الذكور، و9371 خريجة من الإناث، وفق بيانات حصلت عليها "الرسالة" من وزارة التربية والتعليم العالي في غزة.
ويبرز أفواج الخريجين الجامعيين الذين ينضمون إلى طابور البطالة كل عام صورة سلبية عن حياتهم المهنية عقب تخرجهم الجامعي حيث يبتسم الحظ لمن استطاع العثور على وظيفة في إحدى المؤسسات الأهلية أو الخاصة بغزة.
وهنا يصف الخبير الاقتصادي مازن حمتو البطالة بالقنبلة الموقوتة في غزة، نظرًا للتبعات الناتجة عن جلوس آلاف الشباب دون عمل وإنتاج.
وقال حمتو، لـ "الرسالة"، "البطالة واحدة من القضايا التي تؤرق الاقتصاد الفلسطيني وخريجي الجامعات، لذا يتوجب خلق اقتصاد مستقل بعيد عن التبعية (الإسرائيلية)، وهذا من شأنه أن يخفض من أرقام العاطلين عن العمل".
وأرجع مختصون في الشأن الاقتصادي، أسباب هذا الفارق، إلى الحصار (الإسرائيلي) المفروض على القطاع، إضافة إلى قلة احتياج سوق العمل للخريجين في غزة.
من جانبه، أكدّ سيف الدين عودة المختص في الشأن الاقتصادي، وجود ارتفاع وتيرة نمو الخريجين بشكل كبير، في حين أن الاقتصاد الفلسطيني لا يستطيع أن يلبي احتياجات هذه الأعداد من الطلبة.
وأوضح عودة أن قطاع غزة يعاني من ارتفاع نسبة البطالة بنسب كبيرة، مشيراً إلى وجود تعدد أنواع البطالة، لكن معظمها يكون في صفوف الخريجين، قائلا: "من الصعب أن تواجه غزة، واقتصادها، وتيرة نمو أعداد الخريجين المتزايدة في الجامعات".
واستهجن افتتاح أعداد جديدة من الجامعات في غزة، مضيفاً "رغم الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع، إلا أن وتيرة افتتاح الجامعات والكليات مازالت متواصلة".
أمّا الباحث في الشأن الاقتصادي أمين أبو عيشة، فنوه إلى عدم وجود توافق بين مدخلات النظام الجامعي ومخرجاته مع سوق العمل في غزة.
وقال أبو عيشة إن هذه العوامل مجتمعة عززت تلك الأزمة، إضافة إلى أن الأزمة المالية للجامعات كانت أحد الأسباب التي دفعتها للتنافس على أعداد الطلبة وليس على جودة التعليم.
وأضاف "الجامعات لم تشارك في خدمة المجتمع المحلي، بل عملت على زيادة الأعباء فيه"، داعياً إدارة الجودة في وزارة التربية والتعليم إلى مراقبة عمل الجامعات.
وطالب أبو عيشة وزارة التربية والتعليم بضرورة رقابة الجامعات، وتحديد نسبة موحدة فيها لقبول الطلبة في التخصصات، إضافة إلى توعية الطلبة والمواطنين باحتياجات سوق العمل قبل اختيار التخصص.
ودعا إلى تشجيع التخصصات التقنية والمهنية، بدلا من الاكاديمية، نظراً لاحتياج سوق العمل إليها.
ويقترح عودة بإيجاد فرص عمل للخريجين في الدول العربية الأخرى، مستدركاً "أن يكون السفر للعمل فقط وليس للهجرة".
وينتظر طلبة قطاع غزة في الجامعات الفلسطينية مصيرهم "المجهول" بعد تخرجهم، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها القطاع، جراء الظروف السياسية والحصار المفروض عليه.