لم تتمالك منال أبو الجبين نفسها ودخلت في حالة من البكاء، وهي تتحدث عن آخر لحظاتها مع عبد الله أبو الجبين -ابن شقيقها الذي ربته منذ نعومة أظفاره- بعد مرور خمسة أيام على اختطافه مع ثلاثة فلسطينيين آخرين على بعد مئات الأمتار من معبر رفح في الجانب المصري.
وظلت منال تتابع رحلة عبد الله (22 عاما) لحظة بلحظة منذ مغادرته منزله بمخيم جباليا شمال قطاع غزة، وحتى خروجه من صالة المغادرة المصرية وركوبه حافلة الترحيل استعدادا للسفر إلى مطار القاهرة، قبل أن تنقطع الاتصالات معه بشكل مفاجئ.
عندها بدأ القلق يتسلل إلى قلبها على الشاب الذي ربته منذ كان عمره أربع سنوات بعد وفاة والدته، خصوصا أنه يسافر للمرة الأولى في حياته، ولا يمتلك خبرة كافية في الحياة، مع طبيعة شخصيته الهادئة المسالمة.
لكن الفاجعة حطت رحالها لدى منال عندما أبلغت من أشقائه باختطافه مع ثلاثة آخرين في ساعة متأخرة من الليل، لينقلب حالها والعائلة رأسا على عقب، وتبدأ رحلة البحث عن المجهول في مكان لا تستطيع حتى الوصول إليه كما تقول.
كابوس سيئ
وتضيف منال أن حادثة الاختطاف لم يتوقعها أحد ولو في أسوأ الكوابيس، خصوصا أن المسافر الفلسطيني يفترض أنه في حماية مصر بجيشها وأجهزتها الأمنية طالما دخل أراضيها بطريقة شرعية.
وناشدت الرئيس المصري وجهاز المخابرات الكشف عن الجهات التي اختطفت الشباب الأربعة، أو حتى مجرد التواصل مع ذويهم لتهدئة روعهم، فالشعبان الفلسطيني والمصري شعب واحد ودم واحد، وفق وصفها.
وتسيطر حالة القلق والتوتر على سعيد أبو الجبين والد عبد الله، وهو يستقبل الأقارب والجيران والأصدقاء الذين يتوافدون إلى منزله لمساندته ومؤازرته.
وبينما ينفي الأب ما أشيع عن انتماء ابنه لأي جهة سياسية أو توجيه الاتهامات لطرف مصري معين باختطافه، يؤكد أن سلامة المختطفين مسؤولية مصر كونهم اختطفوا على أراضيها.
جهود ذاتية
ويقول إن أكثر ما يؤلمه هو غياب أي معلومة عن المختطفين وعدم تواصل الأطراف المصرية والفلسطينية ذات العلاقة مع ذويهم، وأضاف أن الحراك الإعلامي والمناشدات التي توجه لمصر تتم بجهود ذاتية.
وينشط ذوو الفلسطينيين المختطفين الأربعة في عقد الاجتماعات وزيارة بعضهم منازل بعض في محاولة للخروج برؤية واحدة لمعالجة الأزمة التي يخشون ألا تنتهي فصولها قريبا في ظل غياب المؤشرات المطمئنة من الجانب المصري.
ولدى عائلة المختطف حسين الزبدة (28 عاما) عقد آخر اجتماع للعائلات الأربعة، حيث سيطر الحزن والوجوم على وجوه الحضور، وحاولوا التخفيف من مصاب بعضهم رغم الألم الذي يعتريهم.
فأنور شقيق المختطف الزبدة بدا في حالة صمت وهو يستمع من الحضور للخطوات المقبلة التي ينوون اتخاذها، ويتساءل "هل نضمن سلامتهم أصلا، قبل أن تؤتي مناشداتنا وجهودنا ثمارها؟".
وأضاف "ماذا سأقول لابني شقيقي إسلام الذي لم يكمل أربعة أعوام وماريا ذات الثمانية عشر شهرا؟ الجميع في مصر وفلسطين يجب أن يتحمل مسؤولياته".
تحرك إنساني
بيد أن أصدقاء المختطف عبد الدايم أبو لبدة الذي كان في طريقه لدراسة هندسة الحاسوب بتركيا يشعرون بيقين عودته مع المختطفين سالما، لذلك شكلوا مجموعة شبابية للتحرك على المستويين الإعلامي والسياسي باسم العائلات الأربع، وكلفوا عبد الرحمن أبو الجبين للتحدث باسمهم.
ويقول عبد الرحمن إنهم سيتحركون على الصعيد الدولي من خلال تقديم شكوى للجنة الأممية المختصة بحالة الاختفاء القسري، والتواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إضافة إلى تقديم شكوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر.
ويضيف أن ملف المختطفين إنساني ولا يحتمل أي بعد سياسي، ودعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإيلاء الحادثة الاهتمام الكافي لضمان عودة المختطفين إلى ذويهم في أقرب وقت ممكن.
وتعكس عبارات الإطراء -لمصر برئيسها وجيشها- التي حملها البيان الأول لعائلات المختطفين محاولة هذه العائلات ترقيق قلوب المسؤولين المصريين، أملا في تحركهم بشكل جدي للكشف عن مصير المختطفين.
الجزيرة نت