يعلم قادة الاحتلال (الإسرائيلي) أن قطاع غزة يغرق في مشاكل جمة بسبب الحصار الذي يفرضه وتعطيل الإعمار، لكن مبدأ الضغط يولد الانفجار يدفع قادة الاحتلال للتخبط في تصريحاتهم السابقة والحالية بشأن غزة.
ولضمان هدوء نسبي وعدم تصعيد محتمل على الجبهة الجنوبية للأراضي المحتلة، فإن الاحتلال تحدث عن تسهيلات يمكن منحها للقطاع لتخفيف حدّة الوضع القائم فيه تهربا من الاستحقاقات الملزم بها في اتفاق وقف إطلاق النار، إلّا أن مياه غزة الراكدة لا يمكن لأحد أن يعلم متى بإمكانها أن تتحول لأمواج عاتية، إن بقي الوضع قائما على حاله.
وهنا يظهر أن محاولات القادة (الإسرائيليين) التكتم على أيّ مباحثاتٍ بشأن تثبيت وقف إطلاق نار مع المقاومة، جاءت تفادياً لضغوط من داخل دولة الاحتلال أو خارجية من دول اقليمية صديقة للكيان لا تريد لقطاع غزة أخذ قسط طويل من الراحة والتجهيز، فخرج قادة الاحتلال لنفي وجود أي محادثات مع حماس.
جائزة حماس!
وتستمر حلقات معاناة غزة بنخر عضد المواطنين، وبقاء الوضع على حاله، من حصار مطبق واغلاق للمعابر ومنع إعمار القطاع، علاوة على الوضع الاقتصادي المميت، وهي عوامل حقيقية ربما تدفع نحو توتر في الاجواء مع غياب المعلومات الوافية حول مستقبل القطاع.
محللون ومتابعون للشأن (الإسرائيلي) قالوا لـ "الرسالة"، إن الاحتلال يهدف لتثبيت وقف إطلاق النار مع المقاومة في القطاع، مع عدم الخروج بمظهر المنهزم أمام الجمهور (الإسرائيلي)، وذلك لا يعني لهفة الاحتلال لإبرام اتفاق تهدئة طويل الأمد يعتبره قادة (إسرائيل) "جائزة حماس".
ويرى عدنان أبو عامر المختص في الشأن (الإسرائيلي) أن الاجابة على تساؤلات اتفاق التهدئة، لا يملك إجابته إلا قادة المقاومة، وقادة الاحتلال، وما دون ذلك فهي تخمينات بانتظار ما تحمله الأيام".
وقال وزير جيش الاحتلال موشيه يعلون في مقابلة مع القناة العبرية العاشرة، إن (إسرائيل) لا تفكر بعقد تهدئة مع حماس وأن الوضع القائم سيستمر على حاله، وإن ما تطرحه حماس لا يمكن الموافقة عليه أو التحاور بشأنه.
وهنا يفسر أبو عامر أن حديث يعلون قد يعبر عن موقف (إسرائيل) الرسمي، القاضي بعدم منح حماس جائزة عبر اتفاق تهدئة مكتوب يلزم (إسرائيل) بدفع تنازلات متعلقة برفع الحصار واقامة الميناء وغير ذلك، مما تطلبه حماس.
ومن زاوية أخرى، يرى أبو عامر أن يعلون قد يرغب بالضغط على حماس اعلاميا لتخفيف سقف مطالبها، وهو ربما يأتي نتيجة توافق بين المستويين العسكري والسياسي (الإسرائيلي)، مطالبين ببقاء الأوضاع على حالها دون حاجة لتقديم تنازلات لحماس.
واختلف مأمون أبو عامر المختص في الشأن (الإسرائيلي) مع سابقه، ورأى أنه لا يمكن الحديث عن أن التهدئة أو حلحلة الوضع بعيدة المنال، ولا بد أن يكون هناك مخرج للوضع الراهن حسب قناعة الاحتلال، وهو ما قد يحتاج لمزيد من الوقت لإنجازه.
وقال المختص أبو عامر إنه لولا تدخل دول خارجية ضغطت على (إسرائيل) كونها غير معنية براحة غزة لتم الأمر مبكرا واتفق الطرفان.
وتطرقت حماس لبعض جهود اتمام اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار، وقال رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، إن الاتصالات الخاصة بجهود بعض الوسطاء للتهدئة في غزة، "تبدو إيجابية، لكنْ حتى الآن لم نصل إلى اتفاق"، معرجا على المشاكل الخمس التي يعاني منها القطاع.
بدائل مكلفة
وفي هذا الشأن، أشار عميد كلية الآداب بجامعة الأمة عدنان أبو عامر، إلى أن الطرفين الفلسطيني و(الإسرائيلي) لا يحبذان البدائل المكلفة والصعبة لعدم ابرام اتفاق، وهذا لا يمنع أنه قد يكون هناك ترتيبات معينة بين حماس والاحتلال، دون الحاجة لإعلانها في هذه المرحلة حتى يتم انضاجها عبر وسطاء اقليميين ودوليين.
ويرغب الاحتلال (الإسرائيلي) في تثبيت وقف إطلاق النار مع حماس بغزة سواء عبر تهدئة مكتوبة أو باستمرار الواقع الحالي عما هو عليه، لكن المهم هو تثبيته حتى اشعار آخر، وأضاف أبو عامر أن تثبيت وقف إطلاق النار في ظل انشغال (إسرائيل) في ملفات أخرى سيمنح حكومة الاحتلال تأييدا جماهيريا بالحفاظ على الأمن دون تهديد حقيقي على بلدات الجنوب المحتلة.
وقف إطلاق النار
ويبدو أن المرحلة المقبلة لن تشهد أيّ تقدم في موضوع التهدئة مع الاحتلال، غير أن تثبيت وقف إطلاق النار والمقتصر على القطاع فقط هو ما سيجري، وهو ما أكّده موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن القطاع ذاهب نحو تثبيت وقف إطلاق النار وليس تهدئة قصيرة أو طويلة الأمد.
وعاد المحلل مأمون أبو عامر، ليؤكد أن الاحتلال عمل جيدا على كسب الثقة الجماهيرية من خلال الإعلام (الإسرائيلي) وقادته العسكريين، وأن هناك تهيئة داخلية مسبقة للمشهد المقبل "إن تمّ" بأن الهدوء مع القطاع يمر عبر اتفاق مع حماس، مضيفًا "وسيدعم الجمهور (الإسرائيلي) ذلك الاتفاق".
كما يرى أبو عامر أن جهود التهدئة تمر بمجموعة معيقات أهمها ضغط دول عربية واقليمية على (إسرائيل) واعتراضهم على مباحثات تهدئة مقبلة، مبررين ذلك بأن حماس ستمتلك سلطة وقوة في غزة بخلاف الضفة.
وفي مرحلة عدم الوضوح الحالية، تعلم (إسرائيل) تماما انه لا بد من مخرج للوضع الراهن، في وقت ينتظر فيه الفلسطينيون أن تنتهي الاتصالات المتعلقة بالتهدئة إلى إنهاء للحصار وتحقيق لمطالب الشارع والمقاومة، وإلّا فإن الأسوأ "قيد التحميل".