قائمة الموقع

عادل عوض الله.. رئيس جامعة بشهادات تحت الركام

2015-09-03T16:26:33+03:00
الزميل محمد أبو زايدة يحاور الدكتور عادل عوض الله
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

مسابقة ثقافية عصر كل جمعة ينظمها رب الأسرة لأبنائه وأحفاده منذ ما يربو عن خمسين عامًا، فيستمعون للسؤال ومن يجيب يفوز بـ "حبّة شوكولاتة"، الأمر الذي عزز حب العلم والمنافسة لدى الأبناء، ولكل واحدٍ منهم ملف باسمه، موضوعٌ بداخله جميع شهاداته منذ الطفولة، وإن تزوج يحصل عليه بعبارة "أخرجتك من رقبتي وهذه شهاداتك".

شهادة الولادة التي وسم عليها اسم "عادل عوض الله"، كانت تتربع على مجموع الشهادات التي امتدت منذ عام (1963) وصولًا لمرحلة الابتدائية بمدرسة غزة الجديدة، ومن ثم الاعدادية بمدرسة صلاح الدين، والثانوية بالكرمل، والجامعة وما بعدها.

ولكن كما المثل الدارج في غزة "يا فرحة ما تمّت"، فبعدما حاز عوض الله على ملفه من والده وحفظه في أعزّ الأماكن إلى قلبه، تعرض منزله لـ"القصف الإسرائيلي" في عدوان (2008-2009)، غاب الملف في لمح البصر!

أستاذٌ جامعي تواصلت مسيرته بالكفاح منذ الطفولة حتى توليه رئاسة الجامعة الإسلامية بغزة، وشعاره الذي يسير عليه في كل خطوةٍ "كن بسيطًا"، ولذا زارته "الرسالة نت" في مكتب "الرئاسة"، لتتعرف على شخصيته عن قرب، ومدى كفاحه ونمط حياته ونجاحاته المتتالية.

الأمر بدى مقلقًا حينما قررنا زيارة عوض الله، فقد أشيع بين وسطه أنّه شديد العصبية، إلّا أنّه فور وصولنا خرج من مكتبه راسمًا ابتسامة امتدت طيلة حوارنا، بل وتجاوزنا ذلك لتملأ أجواء المكان بالضحكات التي تخرج بعفوية الحديث، ولم يعارضنا حينما طلبنا منه الجلوس في مكانٍ بعيدًا عن رسميات المكتب، فرحّب بالفكرة وقال "معكم أبسط إنسان لا يحب المظاهر قط، لنجلس أينما تشاؤون".

تركنا "عوض الله" يتحدث بلسانه عن تفاصيل حياته منذ النشأة حتى جلوسنا برفقته، وبقينا آذان صاغية منصتين، ونترككم مع الدكتور عادل.

النشأة

ولدت عام (1963) في حارة الدرج بمدينة غزة، من رحم عائلة تعشق العلم، الجد خريج أزهري، وكان عالما في جنوب فلسطين، ومندوبا شرعيا في بلدتي الأصلية "حمامة"، ووالدي من أقدم خريجي الأزهر، وأصبح مدير التعليم حتى تقاعد، وكان إمام مسجد وحافظًا للقرآن، ويُعطي دروسًا منتظمة في الفقه والتفسير.

ومع ازدياد محاضرات الفقه التي كان يلقيها، قرر تنظيمها في كتب، وكل كتابٍ أشرفت على طباعته واخراجه، حتى رأت سلسلة والدي الفقهية النور.

وأمّا عن طفولتي، كانت بالقرب من الجندي المجهول وسط مدينة غزة، فقد انتقلت العائلة إلى ذلك المكان بعد أربع سنواتٍ من ولادتي، وما زالت حرب الـ(1967) عالقة في ذهني، لأنّ محورها بالقرب من سكناي (الجندي المجهول)، حيث تتمركز القيادة المصرية.

واستكمالًا للطفولة، قال: "أذكر كم كانت العائلات تخشى إضاءة الأنوار حينما تخرج طائرات الاحتلال "الإسرائيلي" في سماء غزة، وأوّل ما نفعله قبل المبيت يوميًا، نضع "زهرة الغسيل" على شبابيك البيت، ونلفه بغطاء، وأكبر ما يمكننا فعله هو إضاءة شمعة داخل البيت، وذلك لاعتقادنا أنّ الطائرات تقصف البيوت التي تنير ليلًا.

ويضيف:" بنيت طفولتي من حبي للعلم، واقتدائي بوالدي الذي سرت على نهجه، ورُغم ذلك لا أذكر أنّ درسني أهلي طيلة سنوات التعليم أربع دقائق متواصلة، فكنت أعتمد على ذاتي في التعليم، والأجمل من ذلك أن والدي لم يجبرني على شيء، أو حتى يطلب مني الذهاب للقراءة، وكان يوليني ثقة فكسبتها وبفضلها وصلت لما أنا عليه".

واصل ضيف "الرسالة نت" دراسته حتى المرحلتين "الإعدادية والثانوية"، اللتان حملتا ذكرياتٍ لمدرسين ما زالوا محفورين في أذهانه، ومنهم: "محمد علي أحمد، وعفيف عليان، وعلي الجرجاوي".

ويكمل بالقول: "وفي تلك المراحل عملت في مجالاتٍ عدّة لأعتمد على نفسي، منها تنجيد الكنب، والألمنيوم، والديكور، والدهان، وكلما سرت مع أحد في مناطق غزة، أسترجع تاريخ أعمالي التي تنوّعت مشاربها، واستحوذت عليها بصماتي، وأذكر تاريخها بالتحديد.

"وبعدما أنهيت الثانوية العامة بمعدل جيد جدًا مرتفع، سجّلت في جامعة بيرزيت، وتم قبولي في كلية العلوم، وذهبت لدراسة الفيزياء، ولكن بعد عامٍ حوّلت إلى الكيمياء، لأنّي وجدتها الأقرب إلى قلبي، ولو بقيت على خياري الأوّل لما أبدعت، لأنّي باختصار إنسان عملي أكثر من النظري، وفي ذلك نصيحة لكل طالب، أينما ترى نفسك اذهب، فلا تتقيد بشيء يمنعك عن الابداع" بحسب عوض الله.

عامٌ بعد التخرج كان عوض الله تحت بند "البطالة"، ثم تقدم لوظيفة مدرس، لكنّ الاحتلال وضع اسمه تحت بند "الممنوعين من التوظيف"، فقرر مواصلة مسيرة تعليمه للدراسات العليا "ماجستير" في الأردن، وأنهى المرحلة مع بداية انتفاضة الحجارة عام (1987)، "لكن أفق الحياة أضحى ضيقًا في غزة، والجامعات أغلقت أبوابها آنذاك".

الجامعة الإسلامية

حضر "الآذن" وبيديه فنجانًا من القهوة التي يمتنع عوض الله عن شربها، ثم واصل ضيفنا حديثه مسترجعًا ذكرياتٍ الزمن الماضي، "حصلت على منحة لاستكمال الدراسات العليا -الدكتوراه- في ألمانيا، وأنهيتها عام (1995)، ووطأت قدماي أرض الجامعة الإسلامية للتدريس فيها، وباشرت العمل بنظام الساعات، حتى حصلت بعد عامين على عقدٍ دائم، وكانت بدايتي فيها مدرسًا في قسم الكيمياء، والغريب في أمري أنني أحبّ المحاضرات وأوليها أهمية أكثر من غيرها، وازداد حبي لها بعد منصب الرئاسة، ولو طلب مني إعطاء محاضرة مباشرة لما أتردد.

وامتازت محاضراته بتنوّع مشاربها، بين العلم والثقافة والدين والفكاهة مع نصائح متوالية يقدمها لطلبته.

ويقول :"بعد ثلاث سنواتٍ من عملي في الجامعة، شغلت منصب رئيس قسم الكيمياء، وتوالت المناصب من عميد البحث العلمي، ونائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، وأبرز هذه المرحلة حصول كلية العلوم على جائزة البنك الإسلامي للتنمية، واستلامها لجائزة (100 ألف دولار أمريكي)".

وفي عام 2006، عمل على بحثٍ حصل خلاله على درجة الأستاذية في الكيمياء العضوية، ويوضح بأنه ومن عام 2009 لم يشغل أي منصبٍ بالإدارات العليا في الجامعة، واقتصر على تقوية علاقاته مع الطلبة وتعليمهم، وبعد 6 سنواتٍ من عزلته عن المناصب، أخبره مجلس الأمناء بترشيح اسمه لرئاسة الجامعة، ويقول:" فلم أعارض، ومنذ ذلك الحين أتعامل مع المنصب ببساطة".

"الرفق" هو الشعار الذي وضعه عوض الله نصب عينيه فور تكليفه رسميًا برئاسة الجامعة، شريطة ألا تخرق القاعدة الأنظمة الأساسية بالجامعة، وذلك من منطلق الحديث الشريف "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به".

ابتسامة بدت جليّة على مُحيا عوض الله حينما أظهر لـ"الرسالة نت" قصة عداوته مع الهواتف، يقول "أعتبر نفسي عدوًا للجوالات، ولم أحمل الجوال قبل تاريخ (2007) عندما توليت منصب نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، فاشتريته "مُكرهًا"، وكان بسيطًا، وبعدما أضحيت رئيسًا للجامعة، حدثني صديق أنّه وجب استبدال الهاتف، وضحك عليّ بواحدٍ حديث".

قصف المنزل

عودة إلى عام (2009)، فقد كان مليئا بالثقال على كاهل عوض الله، سببت حسرة في قلبه، إلّا أنّ ما خفف الأمر هو رضاه بالقدر، يقول "في هذه السنة قصفت "إسرائيل" منزلي، وازداد الوجع حينما أغارت طائراتها على الجامعة الإسلامية".

ويسرد تفاصيل حادثة القصف بحماسة وكأنّ الحدث حصل يوم أمس، يقول "كانت في احدى ليالي الحرب شديدة البرودة في شهر كانون الثاني/ يناير، وكنا قد صلينا الفجر وأصوات الانفجارات تتوالى، وازدادت حدّتها إلى أن صدر صوتٌ قوي، فهرعت مسرعًا لمعرفة مكانه، فوجدته صاروخًا من طائرة زنانة ضرب سقف منزلنا.

صرخت بعالي الصوت على من في المنزل ليخرجوا، وكنت في حالة يرثى لها، لا سيما تخوفي من مغبّة اقدام الاحتلال على مجزرة جماعية، لأنّ العائلة كانت جميعها في البيت، فأسرع الجميع في الخروج بلا أي شيء يأويهم.

ذهبت إلى درج المنزل، فإذا بالصاروخ الثاني يسقط ورأيت شرارته، إلّا أنّ قدر الله نافذ، فلم أصب بأذى، وصرخت بعالي الصوت لتفقد إن كان أحد في المنزل، فلم يجب أحد وتيقنت أن الجميع غادر المكان.

وصلت إلى رأس الشارع منتظرًا قصف البيت، إلّا أنني افتقدت في اللحظات الأخيرة عمتي المقعدة، فسألت عنها، فأخبروني أنّها في غرفتها ولم تخرج منها، فركضت بأقصى سرعتي لإخراجها، والجميع من خلفي يصرخ أن أعود ولا أغامر، فوجدت باب بيتها مقفلًا، وبكل قواي كسرت الباب وحملتها بأحضاني وأسرعت، وبعدما ابتعدت 100 متر، حتى أغارت طائرات الـ(F16) على المنزل، فسوّته بالأرض.

بقيتُ مع عائلتي جالسين في الشارع ننظر إلى النيران المشتعلة من المنزل، والوجع المصاحب لما افتقدته من شهاداتٍ علمية، وتاريخٍ لجدران البيت، فقد ذهبت جميع أوراقي الثبوتية، وجميع شهاداتي العلمية، وكل ما أملك، فلك أن تتخيل أنّ رئيس الجامعة شهاداته مقصوفة، وبلا شهادات ثبوتية.

اشتد البرد علينا ونحن في الشارع، حتى استطعت في اليوم التالي استئجار منزلٍ يأوي أفراد الأسرة، والخبر الآخر المفجع كان استهداف معامل الجامعة الإسلامية، وعلّقت بذلك قائلًا:"دُمّر البيت الكبير والجامعة والبيت  لصغير ولكن الحياة تستمر".

واستطعنا بعد انتهاء الحرب بلورة أماكن المعامل من جديد، وفي كل زاوية أو مكانٍ شاغر نضع معملًا، وأكملنا المسيرة، متحديين جميع الصعاب.

الحياة الزوجية

هربنا قليلًا مع ضيف "الرسالة نت" عوض الله، ليخبرنا عن حياته الزوجية، فارتسمت ابتسامة على وجنتيه، ثم قال ممازحًا "إن تحدثت عن أم أنس أكون حذرًا"، وتابع حديثه "امتازت حياتي الزوجية بالبساطة والحب، وزوجتي في قاموسي (خط أحمر)، وكان زواجي منها بسيطًا جدًا، فقبلما أذهب لاستكمال دراساتي العليا -دكتوراه-، عرض أهلي الزواج علي، وتمّت الأمور في غضون أسبوع، ثم كتبت الكتاب وسافرت وأنا خاطب.

خطبتي استمرت لعام ونصف، ثم تزوّجت بعدما استقبلتها في المطار عندما حضرت إلى ألمانيا، وكان زفافنا بلا مراسم تقليدية، ورزقني الله منها بـ(4 أولاد، وفتاة).

إلى هنا انتهى حديث "الرسالة نت" مع الدكتور عادل، إلّا أنّ معلومة أكدها لنا بأنّه رغم اهتمامه بالكيمياء وحبه لها، إلّا أنّه حاصل على "دورة عليا في تلاوة القرآن الكريم، وسند متصل بالرسول عليه السلام في التلاوة، وبكالوريوس الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية عام 2006، ودورة في التلاوة برواية ابن ذكوان عن ابن عامر الشامي، وبرواية شعبة عن عاصم، وخطيب متطوع مع دائرة أوقاف غزة"، ولهذا طلبنا منه أن يتلو علينا ما تيسر من القرآن، وستجدونه على موقع "الرسالة نت" (فيديو).

وفي نهاية حديثنا قدّم نصيحة لكل طالبِ علمٍ أن يدرس خياراته جيدًا قبل البدء بأي مشروع، وأن يتخصص في مجالٍ يبدع فيه، "لأنّه لو لم يبدع في حياته، لن تكون له بصمة ترى النور  ."  



IMG_7872

اخبار ذات صلة