اندلعت احتجاجات واسعة، أمس الجمعة، في مدينة السويداء التي تسكنها غالبية من طائفة الموحدين الدروز، أقصى جنوب سورية، بعد اغتيال زعيم تجمع شيوخ الكرامة، وحيد بلعوس، إثر تفجير في موكبه مع اثنين من الزعماء، قبل أن يهز تفجيران آخران وسط مدينة السويداء ويتسببا بمقتل وجرح العشرات.
وتمكن مسلحون تابعون لتجمع "مشايخ الكرامة" من السيطرة بشكل كامل على فرع الأمن العسكري بمدينة السويداء، وتمكنوا من قتل نائب رئيس الفرع وعدد من العناصر واحتجزوا الباقين، وحالياً هناك اشتباكات داخل فرع الأمن السياسي.
وأوضح الصحافيّ مالك أبو الخير أنّ "عبوة ناسفة زُرعت في سيارة الشيخ وحيد بلعوس، أدى انفجارها مساء اليوم، إلى مقتله مع الشيخين فادي نعيم وراكان الأطرش، وجرى نقلهم جميعاً إلى المشفى الوطني في السويداء، حيث وقع انفجاران آخران أمام المشفى أسفرا عن مقتل وجرح نحو 20 شخصاً".
وجاء ذلك، وفق أبو الخير، قبل أن يهاجم مدنيون وشيوخ تابعون لـ"مشايخ الكرامة"، فرعي الأمن العسكري والأمن الجنائي في المدينة رداً على انتشار نبأ اغتيال بلعوس.
وأشارت مصادر محلية في السويداء إلى أن اشتباكات اندلعت بالأسلحة الرشاشة والأسلحة البيضاء بين أتباع "شيوخ الكرامة" وقوات النظام السوري في محيط فرعي الأمن العسكري والأمن الجنائي، لينجح المهاجمون بتحطيم السيارات المركونة في مرأبي فرعي الأمن العسكري والجنائي ويقوموا بإطلاق النار على المبنيين، لترد قوات النظام بإطلاق النار على المهاجمين وعلى المتظاهرين المرافقين لهم، الأمر الذي أدى حتى الآن لمقتل وإصابة أكثر من عشرة منهم قبل أن يتوجه آخرون منهم إلى الساحة المركزية في مدينة السويداء ويسقطوا تمثال "حافظ الأسد" المنصوب وسط الساحة منادين بالانتقام من قتلة الشيخ بلعوس.
وبدأ الناشطون المعارضون للنظام السوري بتحميل النظام مسؤولية اغتيال بلعوس، حيث أشار عدد منهم لـ"العربي الجديد"، إلى أن مقتله جاء بعد ساعات على تعهّده بحماية المتظاهرين من أبناء المدينة الذين اعتصموا منذ ثلاثة أيام أمام مبنى المحافظة في مدينة السويداء، مطالبين بإجراءات إصلاحية تتعلق بإيقاف الفساد والمفسدين، وتحسين الوضع المعيشيّ، وهو ما واجهته قوات النظام بقطع الانترنت عن المدينة، لتعيده اليوم، داعية المدنيين إلى فضّ اعتصامهم.
وتحدث محافظ السويداء، عاطف نداف، عبر إذاعة محلية موالية للنظام السوري، مساء اليوم، مطالباً أتباع "شيوخ الكرامة" بعدم نشر الفوضى وعدم الانسياق وراء الدعوات المنادية لاستخدام العنف، على حد وصفه.
واشتهر بلعوس بمواقف مناهضة لنظام الأسد إلى جانب تزعّمه "مشايخ الكرامة"، وتعهّد بحماية المنطقة، وعمل لاحقاً على منع اقتياد أبنائها إلى الخدمة الإلزامية العسكرية في صفوف قوات النظام. كما قاد مواجهات مسلحة عديدة لأتباعه ضد مجموعات تابعة لأفرع النظام السوري الأمنية، كانت آخرها بهدف منع قوات النظام من إخراج السلاح الثقيل من محافظة السويداء نحو العاصمة السورية دمشق.
وعرف عن بلعوس موقفه الرافض لمشاركة أبناء الطائفة الدرزية بالقتال إلى جانب قوات النظام السوري خارج محافظة السويداء بحيث تقتصر مهمة المسلحين الدروز على حماية المحافظة من أي اعتداءات محتملة.
ووجّه بلعوس منذ نحو ثلاثة أشهر نداءً إلى جميع الوحدات المقاتلة في المحافظة، شدد فيه على "الاستعداد الكامل لأي طارئ قد يحدث، والالتزام بما قلناه بعدم خروجنا بعد حدود الجبل، ولو متراً واحداً، ونهيب بباقي شباب الجبل المدنيين عدم الخروج للقتال خارج حدود الجبل والالتزام مع رجال الكرامة بموقفهم الوطني، وإن كان لا بد من الحرب، فعليكم بحماية حدود الجبل، فهو بحاجة لكم في هذه الأوقات أكثر من أي وقت مضى". وحذّر بلعوس حينها قوات النظام من اعتقال أي شاب متخلّف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية بهدف إلحاقه بقوات النظام، معترضاً مع المسلحين التابعين له عدة قوافل عسكرية كانت تنقل الأسلحة وكميات من القمح إلى خارج السويداء.
كما عرف عنه سوء علاقته بالنظام السوري، حيث أصدر بياناً في منتصف يونيو/ حزيران الماضي دعا فيه إلى اعتقال رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، وفيق ناصر، محمّلاً إياه مسؤولية قصف مدينة السويداء حينها بقذائف هاون تسبّبت في مقتل مدني وجرح آخرين، ومعتبراً أن هذا العمل من ناصر يهدف إلى جر أبناء السويداء إلى مواجهة مسلحة مع جيرانهم في درعا.
ويرجح كل ذلك احتمال تورط النظام السوري في عملية اغتيال بلعوس التي ستؤدي بلا شك إلى خلط أوراق النظام السوري في السويداء بشكل كامل، بحيث يصبح النظام السوري أمام خيار دخول مواجهة مسلحة مفتوحة مع أتباع "شيوخ الكرامة" ستؤدي في الغالب لاستنزاف قوات النظام السوري ومن ثم هزيمتها بشكل كامل بحكم الشعبية الواسعة التي يتمتع بها تجمع "شيوخ الكرامة" في السويداء.
كما يبقى لدى النظام السوري خيار الانسحاب من محافظة السويداء بشكل كامل وسريع بحيث يسيطر تجمع "شيوخ الكرامة" على المحافظة ويدير شؤونها الأمنية والخدمية، ويتولّى المسلحون التابعون للتجمع مهمة حمايتها من تهديدات تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي يتواجد في منطقة بير القصب إلى الشمال من السويداء.
العربي الجديد