بعد شهرين ونيف من الجولات والمفاوضات بشأن عقد المجلس الوطني منتصف الشهر الجاري في مدينة رام الله، والتي توجت في سياق مسرحية أعلن خلالها اعضاء اللجنة التنفيذية استقالتهم ليتسنى لهم عقده، خرج رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون ليعلن عن إرجائه وتأجيله.
هي المرة الأولى التي ينصاع فيها رئيس السلطة محمود عباس لرغبة الفصائل الأخرى التي أجمعت من يمينها الى يسارها باستثناء فتح وبعض الفصائل الصغيرة التي تلحق بها، على رفض عقد هذا الاجتماع، ليظهر السؤال حول إذا كان ما حدث صفعة سياسية وجهت للرجل أم صفقة أراد بها تمرير بعض المواقف؟
يبدو أن ردة الفعل التي أبدتها الفصائل اتجاه هذه الخطوة، كان لها وقع خاص على رئيس السلطة، إذ ان اي اجتماع مقبل لن يكون أكثر من اجتماع فتحاوي موسع لو تم فعلًا، أمام رفض الجميع المشاركة والحضور، وهو أمر لن يحقق لأبو مازن مبتغاه الرامي لتجديد شرعيته وفريقه، فذلك براي المراقبين يعد انتقاصًا واضحا لشرعيته وطعنة في خاصرتها.
ولم تفلح مساعي عباس طيلة المدة الماضية من خلال إرساله وفودا خاصة التقت برئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وكذلك الامين العام لحركة الجهاد رمضان عبد الله، فالأول لقّن صائب عريقات قولًا كافيًا ليعرف موقف حماس وفق توصيف اسامة حمدان القيادي بحماس.
أما لقاء الأحمد بشلح فكان هو الآخر كافيًا ليسمع سمفونية مزعجة لفريق السلطة حول ضرورة عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير كمدخل سليم لإعادة تفعيل المنظمة، وسلمه رسالة لعباس ضرورة ان يتم عقده في القاهرة.
يقول ابو عماد الرفاعي ممثل الجهاد بلبنان لـلرسالة، أن الأحمد أبلغهم موافقة القاهرة لعقد هذا الاتفاق، وهو موقف يناقض ما أعلنه عباس أكثر من مرة باستحالة عقده في الدول العربية.
أما الجبهة الشعبية التي راهن عباس على توظيفها سياسيًا كنتيجة لعملية التهديد المالي ضدها، فاجأته الاخرى بموقف أكدت من خلاله ان هذه الخطوة من شأنها تعميق الانقسام، بل وصل حد رفض الجبهتين للأحمد كمفوض عن عباس لترأس اللجنة التحضيرية.
وقد أطلعت الرسالة على محضر اجتماع، كان تيسير خالد القيادي في الجبهة الديمقراطية، قد أبدى فيه رفضه التعامل مع الاحمد بل وصل حد شتمه لهذا الرجل.
ويرى المراقبون أن هذه الظروف مجتمعة، قد انتجت ظرفًا سياسيًا وجه صفعة قوية لعباس، وجعلته يضطر مرغما على التأجيل.
وقد أعلن أمين مقبول امين سر حركة فتح، تشكيل لجنة لبدء التشاور مع جميع الفصائل بما فيها حركة حماس والجهاد، من أجل التحضير لعقد الاجتماع بعد ثلاثة أشهر.
وقال مقبول، إن هذا التشاور مستمر مع الفصائل للاتفاق على اجتماع اما ان يضم امناء الفصائل العامين أو ممثلين عنهم.
أمّا طلال ابو ظريفة عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية، فأشار إلى ان قرار التاجيل جاء بعدما تقدم16 عضوًا من اللجنة التنفيذية من أصل 18 عضوًا، برسالة إلى الزعنون، للمطالبة بإرجاء موعد انعقاد المجلس، الى حين الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية تشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية.
وأكدّ أن خطوة التأجيل جاءت نتيجة لحراك ومواقف القوى السياسية التي ضغطت تجاه هذا الأمر، بغرض تشكيل مجلس قوي يشارك فيه الجميع، ويساهم في توحيد الحالة الفلسطينية وتعزيز موقعها ومكانتها فلسطينيًا.
وهنا يتوقف المحلل الاستراتيجي أمين شرحبيل، أمام أهمية اختيار المكان بعمق وعناية، وعدم القبول باي مكان يضع فيتو على حضور اي قيادي، تحت اي ذريعة، مشككًا في الوقت ذاته جدية عباس في هذا التأجيل خاصة وأنه حدد مدة ارجاءها لثلاثة أشهر، وهي غير كافية لتجهيز اجتماع المجلس الوطني بحالته الحالية.
ويؤكد قادة من حماس أن اجتماع المجلس الوطني بصيغته الحالية غير مقبولة، ما يرجح لدى شرحبيل بأن يقتصر الامر على اجتماع للإطار القيادي، وقبل ذلك سيكون صعبًا تفسير سلوك عباس هل سيقبل بهذه الخطوات أم أنه سيلجأ منفردًا الى اجتماع لمجلس وطني آخر دون مشاركة الفصائل؟!