استمرارا لسياسة الانتهاك الإسرائيلي الصارخ بحق المسجد الأقصى وكل ما هو مقدسي، أصدر مؤخرا وزير جيش الاحتلال موشيه يعالون، قراراً جديداً يقضي بحظر مصاطب العلم المنتشرة في المسجد الأقصى، كما حظر المسميات المنبثقة عنها كمجموعات تعليم القرآن الكريم والسنة النبوية العاملة بالأقصى "مصاطب العلم" أو "مجالس العلم".
ووفقاً للقرار فإن الاحتلال أصبح يتعامل مع مصاطب العلم والمرابطين في مسجد الأقصى على أنها "تنظيم محظور"، وإزاء ذلك قالت الإذاعة العبرية إن هذا القرار يأتي بتوصيات من شرطة الاحتلال ومخابراته، مشيرةً إلى أن المرابطين كانوا يتصدون للاقتحامات التي كان يقوم بها المستوطنون للمسجد الأقصى.
وأصيب أمس الأحد عشرات المواطنين كما اعتقل جيش الاحتلال عددا من الشبان المرابطين، إثر اقتحام قوات الاحتلال وإطلاقها الرصاص في باحات المسجد الأقصى وفي المصلى القبلي الذي لجأ إليه المعتكفون.
وكان اقتحام قوات كبيرة من الشرطة للأقصى، لإخلائه من المعتكفين فيه وتأمين اقتحامات المستوطنين، بمناسبة ما يسمى "رأس السنة العبرية" أدى لاندلاع مواجهات داخل باحات المسجد، وصلت حتى المصلى القبلي الذي أمطرته قوات الاحتلال بالغاز والرصاص المطاطي.
بدوره، وصف الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل، ما يجري في باحات المسجد الأقصى في الوقت الراهن، هو تصفية حقيقية لوجود المسجد، وبداية فعلية في تقسيمه الزماني والمكاني.
انتهاء الوجود المكاني للأقصى
وقال الشيخ صلاح لـ"الرسالة"، إن ما يجري هو ثمرة للصمت العربي والإسلامي، "وبلادة الشعور تجاه ما يجري في الأقصى"، مشيرا إلى أن الاحتلال بدأ فعليًا في تنفيذ مخططه الرامي لتدمير الأقصى، ويشن هجمة مسعورة ضد باحاته من خلال تصفية وجود المصلين والمرابطين، وصولًا لمنع أي مسلم يدخل الأقصى، حتى يعلن عن اسقاط المسجد واغتيال وجوده.
وأضاف صلاح: "يبدو أن الاحتلال قد حاز على الرضا العربي والاسلامي بتنفيذ هذا المخطط، وإلا لوجدنا موقفًا مشرفًا تجاه ما يجري"، محذرًا الأنظمة العربية من يوم يعلن فيه الاحتلال انتهاء الوجود المكاني للأقصى.
وعقب القرارات والاعتداءات الأخيرة للاحتلال، حذّر رئيس قسم المخطوطات والتراث بالمسجد الأقصى ناجح بكيرات، من خطورة الإجراءات الأخيرة للقوات الإسرائيلية في القدس، مشددا على أنها تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقدسات.
وقال بكيرات لـ"الرسالة"، إن قرار حظر مصاطب العلم في المسجد الأقصى وحظر دخول المرابطين والمرابطات إلى المسجد، يضاف إلى سلسلة جرائمه الأخيرة ويشكل حربا نفسية تستهدف المقدسيين وكل من يحاول الوصول إلى الأقصى.
وفي الإطار، قال نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني كمال الخطيب إنه لا توجد جماعة أو جمعية اسمها جمعية المرابطين والمرابطات في الأقصى، إنما الحقيقة أن هناك مجموعات من النساء والرجال يستشعرون الخطر على مسجدهم، لذلك يتوافدون من كل فلسطين للصلاة فيه وإعماره.
وتشهد المدينة المقدسة منعا للنساء من دخول الأقصى أو الصلاة فيه من الساعة السابعة وحتى الحادية عشرة ظهرا، بالإضافة إلى وضع جيش الاحتلال 53 امرأة على "القائمة السوداء" الممنوعة من دخول الأقصى، الأمر الذي اعتبرته أطراف فلسطينية أنهنهأن بدء لسياسة التقسيم الزماني للأقصى، وتمهيدا لبدء تقسيمه مكانيا.
وفي هذا السياق تحديدا، توقع بكيرات أن يصعّد الاحتلال من اجراءاته عبر اعتقال عدد من المرابطات وإصدار أحكام بحقهن، "إلا أن هذه الممارسات وغيرها لن تمنع المرابطين من الوصول إلى المسجد ولن تعطي الاحتلال أي حقٍ فيه". يضيف بكيرات.
أطراف عربية متهمة
واعتبر أن التقسيم الزماني للمسجد الأقصى بدأ فعليا منذ بداية شهر سبتمبر الحالي حيث تمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين من الوصول للمسجد من الساعة السابعة وحتى الحادية عشر ظهرا، محذرا من خطورة زيادة هذه المدة وصولا إلى تحديد أوقات معينة لدخول المسلمين للأقصى.
وهنا، اتهم الخطيب بشكل مباشر، أطرافا عربية وفلسطينية بالتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي على التقسيم الزماني للمسجد الأقصى.
وقال الخطيب في مهرجان "الأقصى في خطر" -الذي نظمته الحركة الإسلامية الجمعة للعام العشرين على التوالي- في الداخل المحتل، إن هناك أطرافا عربية رسمية وأطرافا أخرى فلسطينية توافقت مع الاحتلال على التقسيم الزماني للأقصى، مبينا أن حجم الصمت الكبير منهم تجاه ما يجري من هجمة كبيرة على المسجد الأقصى هو دليل اتهام هذه الأنظمة.
وأكد أن ما يجري على الأرض من مشاريع ومخططات إسرائيلية تجاه الأقصى هي الأخطر منذ العام 1967 كونها تستهدف المسجد وبنيته، بالإضافة إلى الوجود الفلسطيني في محيطه، تمهيدا لمخطط التقسيم المكاني القاضي بالسيطرة على بعض ساحات الأقصى لصالح المستوطنين اليهود.
قرار فلسطيني موحد
وبالعودة إلى بكيرات فقد شدد على ضرورة مجابهة ممارسات الاحتلال المتصاعدة بحق القدس والأقصى، عبر قرار فلسطيني موحد، داعيا السلطة الفلسطينية إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال بشكل فوري وصد انتهاكاته.
كما دعا بكيرات الأمة العربية والإسلامية إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى والتجمهر فيه، مع ضرورة جذب أنظار العالم نحو ما تشهده المدينة المقدسة من انتهاكات متصاعدة بشكل غير مسبوق.
وفي السياق ذاته، وصفت حركة حماس قرار الاحتلال الإسرائيلي حظر مصاطب العلم في المسجد الأقصى بــ"العنصري"، محذرةً من انفجار الوضع؛ بسبب الضغط على سكان القدس.
وقال حسام بدران المتحدث باسم الحركة في تصريح له، إن القرار يتناقض مع أبسط الحقوق التي كفلتها كل المواثيق والمعاهدات الدولية، المتعلقة بحرية العبادة والتعلم.
وأكد بدران أن هذا الضغط والقهر سيؤدي إلى انفجار الأمور بطريقة لا يتوقعها الاحتلال ومن يدعمه، داعياً الشعب الفلسطيني إلى التصدي للجرائم الإسرائيلية.
وتبقى الأوضاع في الأقصى بين شد وجذب من الجانب الإسرائيلي مقابل تحدي وصمود من أهل القدس والمرابطين والمعتكفين في المسجد صباح مساء لحمايته من دنس الاحتلال.