أطلق خالد مشعل رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس في 7 أيلول/ سبتمبر، خلال خطاب سياسي له في الدوحة، مبادرة وطنيّة للخروج من الأزمة الفلسطينيّة الراهنة، عبر الدعوة لتأجيل انعقاد المجلس الوطني الفلسطينيّ الذي كان مقرراً يوم 14 أيلول/ سبتمبر، لأنّ عقده بشكل فرديّ من قبل فتح يعمّق الانقسام الفلسطينيّ ولا يعطي منظّمة التّحرير الفلسطينيّة مزيداً من الشرعيّة، فلا يعقل أن تغيب حماس والجهاد الإسلاميّ عن الجلسة.
كشف مشعل في خطابه بقطر، أنّه حمّل أمين سر اللّجنة التنفيذّية لمنظّمة التّحرير صائب عريقات خلال لقائما في الدوحة، رسالة للرئيس محمود عبّاس بتأجيل عقد المجلس الوطنيّ، وكما يبدو فإن خطاب مشعل تقرّر عقب تشاور بين قيادتي حماس في الداخل والخارج، بعد وصول معلومات من السلطة الفلسطينيّة مفادها أنّ عبّاس ماض في عقد المجلس الوطنيّ، دون استجابته لدعوات التّأجيل الّتي وصلته عبر حماس، حيث أراد مشعل توضيح موقف حماس أمام الرأي العام الفلسطينيّ، مع مخاوف حماس من تجاوز عبّاس لها في هذه المرحلة التاريخيّة الحرجة.
ما تحدث به أبو الوليد يعتبر رؤية سياسيّة للأطراف الفلسطينيّة يجب التقاطها لتوحيد الصف الفلسطينيّ وتحقيق المصالحة وتجديد المؤسّسات الوطنيّة عبر التّوافق، بانعقاد الإطار القياديّ الموقّت لمنظّمة التحرير الفلسطينية، والمجلس التشريعيّ والإشراف على تطبيق المصالحة الموقّع في غزّة بين حماس وفتح عام 2014، والموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وفتح حوار شامل لبناء استراتيجيّة وطنيّة متوافق عليها".
فإذا أراد عبّاس المصالحة مع حماس، فليقبل رؤية الأخ خالد مشعل الّتي قدّمها عبر خطابه، وإن استمرّ بالتفرّد في القرار السياسيّ الفلسطينيّ، فسيؤدّي ذلك إلى تعزيز الانقسام، وينزع عنه ما تبقى من شرعيّة متهالكة، ويصبح من حقّ حماس أن تنظر في الخيارات البديلة، ضمن إطار تشاوريّ مع بقيّة حركات المقاومة.
بدا واضحاً أنّ خطاب مشعل الّذي جاء بعد أكثر من عام على خطابه الأخير، حيث فضل الرجل الصمت طوال المرحلة الماضية، وكان آخر خطاب له يوم 28 آب/أغسطس 2014، تحدث فيه عن نتائج الحرب الإسرائيلية على غزة، وربما تعمد مشعل أن يتحدّث في خطابه الحالي عن السياسات العامّة لـ"حماس"، وأكّد قضايا معروفة وغير جديدة في إعلانات "حماس" السياسيّة، ولم يدخل في تفاصيل اتّصالاته مع أطراف فلسطينيّة، لمنع عبّاس من عقد المجلس الوطنيّ دون مشاركة "حماس".
ولذلك، قد يكون مشعل معنيّاً بألاّ يقيّد "حماس" بأيّ خطوات مستقبليّة في كيفيّة تعاملها مع إمكانيّة إصرار أبو مازن على خطواته المقبلة، كالدعوة مثلاً لتشكيل كيان سياسي جديد بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، وإن لم يعلن عن ذلك رسمياً، أو طلب وساطات إقليمية للضغط على أبو مازن لمنعه من مزيد من التفرد بالقرار السياسي الفلسطيني، وربّما كان قاصداً إبقاء خيارات الحركة مفتوحة، رغم أنّ معظم خياراتها تتراوح بين كونها صعبة وأقلّ صعوبة، ممّا يزيد الموقف خطورة على كلّ الفلسطينيّين، فحماس التي تنتقد سياسات أبو مازن لم تستطع حتى الآن إيجاد تحالف فلسطيني واسع ضد الرجل، مما يجعل انتقاداته له لا تتجاوز بياناً هنا أو احتجاجاً هناك، دون أن تشكل خطراً على مسيرته السياسية.
وأصدرت "حماس" يوم 7 أيلول/سبتمبر بعد انتهاء خطاب مشعل، وثيقة سياسية اعتبرتها رؤيتها للخروج من الأزمة الراهنة في الساحة الفلسطينيّة، الّذي دعا إلى "تأجيل عقد اجتماع المجلس الوطنيّ والانعقاد الفوريّ للإطار القياديّ الموقّت لمنظّمة التّحرير الفلسطينية في أيّ عاصمة عربيّة وانعقاد المجلس التشريعيّ وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة تدير شؤون الفلسطينيّين بروح من التّوافق وإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة وانتخابات المجلس الوطنيّ الفلسطيني، وتعزيز الشراكة بين الفلسطينيّين في إدارة القرار الوطنيّ".
خطاب مشعل تطرق للتهدئة في غزّة، وقال: مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار لم تتوصّل إلى نتيجة، لكنّ التّهدئة مع إسرائيل ستكون محصورة في غزّة الّتي تعاني الحروب، واستمرار الحصار عليها سيحوّلها إلى قنبلة موقوتة، فقد تركت 9 سنوات تغرق في الأزمات، وفي الوقت ذاته فلا تهدئة في الضفّة الواقعة تحت الاحتلال.
وأخيراً، ربّما لم يتوقّع الفلسطينيّون أن يقدّم مشعل في خطابه حلولاً سحريّة إلى الأزمة الفلسطينيّة المستعصية، خصوصاً المتعلّقة بانعقاد المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ والصراع الدائر بين القيادات الفلسطينيّة حول تعيين خليفة لعبّاس، لكنّ مشعل لم يشأ على ما يبدو تفويت فرصة تاريخيّة كهذه، من دون أن تقول "حماس" كلمتها وتسجّل موقفها.
ومع ذلك، لا يبدو أنّ الوضع الفلسطينيّ المتأزّم يوماً بعد يوم مرشّح للانفراج أو الحلحلة، إن لم يتم القيام بخطوات عمليّة ميدانيّة توازي خطاب مشعل، مثل تفعيل التّواصل مع بقيّة القوى الفلسطينيّة لتحشيدها، وإيجاد حواجز سياسيّة تمنع انزلاق الحال الفلسطينيّة إلى مزيد من التدهور.