غزة تغرق في بحر السياسة المصرية!

المياه التي ضخها الجيش المصري في البرك الحدودية لمدينة رفح
المياه التي ضخها الجيش المصري في البرك الحدودية لمدينة رفح

الرسالة- محمود هنية

انتظرت غزة مطولًا على اعتاب الشقيقة الكبرى، كي تأذن لها بالخلاص من واقع حصارها الأليم، علها تفك قيودها المشددة منذ ثمانية اعوام، وسط مشاعر البلادة التي تجمدت في عروق الساسة تجاه الصغيرة المنكوبة وما حل عليها من ويلات تسببت فيها الكبرى من حيث تعلم ام لا.

وفاض "كرم" القاهرة عندما فتحت آبار مياهها الملوثة، وضخها في حفرة مائية على طول الحدود بين القطاع واراضيها، بعدما اقامت منطقة عازلة هجرت بسببها الآلاف من منازل مواطنيها.

توقفت أقلام الساسة عن الكتابة والتفسير، أمام التطور الدراماتيكي في الموقف المصري تجاه القطاع، إذ لم يعد ممكنًا تفسير هذا الكم من الاجراءات المتعاقبة تجاه منطقة حدودية بطول 14كم لا تشكل سوى 3% من مجمل الحدود المصرية التي تصل لـ 2689م.

ودق ساسة مصر ناقوس الخطر إزاء ما تمارسه حكومتهم ضد قطاع غزة، الذي يشكل بأهميته جوهرًا أساسيًا في القضية الفلسطينية ووتدًا تصعب على مصر تجاوزه في دورها تجاه القضية، إذ يؤكدون أن هذه المواقف بمجملها، تشكل انتحارًا في قاموس السياسة المصرية.

ووصف أول سفير مصري لدى السلطة الفلسطينية محمود فهمي، القناة، بالخطأ الاستراتيجي التي ترتكبه السياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية، متسائلا " عن فائدة الخطوة لصالح مشروع الامن القومي المصري؟، وهل ستجبي فائدة تجاه القضية الفلسطينية".

وأكدّ فهمي للرسالة، أن هذا السلوك يشكل انتحارًا حقيقيًا لمفهوم العلاقات الاخوية بين الشعب الفلسطيني والقاهرة، " فلا يمكن أن يتحقق أمن لا يكون بشكل مشترك ويعود بالضرر على الطرف الآخر".

ورغم اصرار الجهات الحاكمة في مصر الحاق تهمة الاذى بالأمن القومي على القطاع، الا ان هذه التهمة تبدو مثار سخرية، أمام تزايد حالات العنف في سيناء، وهو ما يعني صك غفران لغزة، فلم تترك مصر فيها منفذًا يمكن ان تتهمها من خلاله بتجاوز اراضيها.

أمّا المفكر المصري فهمي هويدي، فأكد أن حفر الجيش المصري للقناة المائية بين غزة ومصر، يشكل خطرًا جسيمًا على الطرفين في بعديه الاستراتيجي والسياسي.

وقال هويدي لـ "الرسالة"، إنّ الخطر الذي يترتب على وجود القناة، سيؤثر حتمًا بشكل سلبي على حجم الموقف المصري اتجاه القضية الفلسطينية، مشددًا على أنه لا يتوافق الدور المصري تجاه القضية مع هذه الافعال الخطيرة.

وبدأ الجيش المصري في ردم الانفاق بين غزة وسيناء عن طريق قناة مائية، الامر الذي يهدد بتدمير الحدود بشكل كامل بين مصر وغزة.

وحول الموقف المصري اتجاه القناة، بيّن أن إنشاءها لم يدرس جيدًا، ولم تطرح للنقاش داخل الشارع المصري، بل إنها ليست محل اهتمام الشأن العام، وهي غير معلومة الاهداف وتأتي على هامش الاخبار المصرية.

وأشار هويدي إلى أن هذا الموقف بحاجة الى تنوير الرأي العام المصري بشأن خطورته، ولا بد أن يطرح داخل قنواته الطبيعية للنقاش.

وفيما يتعلق بالعلاقة المصرية الحمساوية، قال إن هذه المسألة لا تزال معقدة نظرًا لعوامل عدة تتعلق بعلاقة النظام المصري مع جماعة الاخوان ودور رئيس السلطة محمود عباس في تشويه العلاقة، اضافة الى ضغوط اقليمية لها علاقة مع ما يعرف بـ "الاسلام السياسي".

  انتحار سياسي

ويبدو أن صمت الاحزاب السياسية في الشارع المصري، له أثر كبير على وقع السياسة المصرية التي تعتقد أن موقف الاحزاب يشكل ضوءا اخضر لها اتجاه ما تفعله امام القضية الفلسطينية.

ولكن كثير من الاحزاب رغم خلافها مع حركة حماس من الناحية الأيدلوجية، الا انها ترفض تحديد العلاقة مع غزة على مبدأ عدائي، لدواع وأسباب تتعلق بمقتضيات الأمن القومي المصري، وخطورة تأثير هذا المسار على دور القاهرة في رعاية القضية الفلسطينية.

وتدرك الاوساط السياسية الحاكمة أن دورها بات على المحك فيما يتعلق برعاية الملفات الفلسطينية الاساسية، خاصة وأنها لم تعد طرفًا وسيطًا محايدًا، وهو ما يجبر الفلسطينيون وخاصة المقاومة للبحث عن أطراف اخرى، تدرك اهمية الورقة الفلسطينية في تعزيز دورها بالمنطقة.

ويعتقد المختصون السياسيون بأن الهدف من وراء المواقف المصرية، اجبار حماس على تقديم فروض الطاعة والولاء لمصر، مقابل تخليها عن المقاومة ابتداءً، مرورًا بالتنصل من الاسلام السياسي.

ويؤكد المحلل السياسي المصري جمال عمرو، أن النظام الراهن، أفقد مصر الكثير من اوراق قوتها على الاصعدة كافة، ويقامر بشكل واضح في الورقة الفلسطينية لصالح مآرب غير قومية لا تصب في خانة الأمن القومي المصري.

ونبه عمرو لـ"الرسالة"، إلى أن التخلي المصري سيدفع بقوى دولية واقليمية اخرى، للتحرك بشكل أقوى في مجال القضية الفلسطينية، خاصة تركيا وايران وقطر، ما يعني ارجاح الكفة للمحور الرافض للنظام الراهن في مصر.

ويشاركه التقدير المحلل السياسي رأفت رستم الخبير في مركز رؤية الاستراتيجي بالقاهرة، الذي قال إن الموقف المصري الراهن، من شأنه ان يهدد الموقع السياسي للجمهورية تجاه قضايا المنطقة، ناصحًا باتباع اساليب أكثر شفافية مع حركة حماس لتجاوز عقبات المرحلة الراهنة.

وقال رستم للرسالة، إن إدراك الخطورة للوضع الراهن في المنطقة، يستوجب أن يكون هناك موقفًا سياسيًا ذات جدوى، يعزز من موقع مصر اقليميًا ودوليًا.

ويحذر السياسيون من أنه إذا استمر الموقف المصري على وضعه الراهن، فإن مصر تكون قد نعت دورها بانتظار أن تقبره بيديها.

البث المباشر