التف ثلاثتهم حول بعضهم، ينشؤون جوًا مصغرًا في بلاد الغربة، وأخذهم حديثهم إلى غزة التي حفظوا شوارعها عن ظهر قلب، واستحضروا العيد، وأصوات تكبيراته التي كانت تزيّنها صرخات أطفالٍ خارجة عن "الكورال".
في الغربة التي كتبت على ثلاثتهم؛ لإكمال دراساتهم العليا، يتمنّى كل واحدٍ منهم أن يعيش أجواء العيد في غزة، يقول محمد المصري (24عامًا):"بمرارة الحياة وضنك العيش في بلادنا، تشعر بمتعة إذا ما قورنت بالوحدة النفسية في بلد تشعر وأنّك غريب فيها".
ردّ عليه زميل الدراسة مصعب طافش بالمثل الدارج، "جحيم بلادنا ولا جنّة الغربة(..)، فيوم العيد سنصلي في مصلّى صغير، بلا تهليل أو تكبير، وخلف إمامٍ لا يتقن الحديث، ثم أصافح الأيادي وأبحث عن وجهٍ مألوفٍ بين الحاضرين، فلن أجد سوى المغتربين.
استحضر طافش ذكرياته، مستعينًا بكلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش "أحِن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي، ولمسة كفيها وحنانها، وابتسامتها ولهج دعائها".
صمت قليلًا حتى أخذ منه الشوق، وبانت دمعته على "سكايب"، وهو وسيلة التواصل التي أجرت خلالها "الرسالة" المقابلة مع المغتربين، يتابع بصوتٍ يكسوه الحزن: "أتمنّى تقبيل قدمي أمي في العيد ، فرُغم الحياة الواسعة في بريطانيا، إلّا أنني أشعر وكأنّي داخل زنزانة، فمن الصعب أن تعيش أجواء العيد البسيطة في الغربة، من تكبيرات وزيارات وأضحية، كما في غزة.
وكأنّ طافش قلّب ذكريات زميله المصري، وبدأ التنقيب بداخله عن سنواتٍ قضاها بين أهله في جلسةٍ اتسمت بطابع الحنين، وتساقطت بها بعض الدموع، يقول: "سأقضي العيد للعام الرابع على التوالي بعيدًا عن ضحكات اخوتي، وبسمة جدتي الحنونة، ورؤية والدي، وتكبيرات أبناء المسجد.
تابع: "أشتاق لتكبيرات العيد من أصوات أشبال مسجدنا"، ووزّع ابتساماتٍ صامتة، ثم اعتدل وأخفى دمعته مستحضرًا تقبيله ليد أمه، ومشاركة العائلة على سفرة طعامٍ واحدة، وسلامه على أصدقائه وأبناء حيّه بعد صلاة عيد الأضحى.
عبد الرحيم شهاب (35 عامًا)، تمنى انهاء دراسة الدكتوراه في ماليزيا، والعودة إلى غزة، لمعايشة أهله ورؤيتهم كل صباح، معربًا عن سخطه من الجانب المصري الذي تسبب في منعه من العودة إلى غزة مع كل إجازة صيفية لرؤية أهله.
"أكثر ما خفف من غربتي؛ وجود زوجتي وأبنائي إلى جواري، فقبلهما كانت الحياة بلا طعمٍ، وكأنّك في زنزانة تعيش وحيدًا، ورُغم ذلك يقتلك الشوق.
واستحضر شهاب -كان رئيسًا لجمعية خيرية، أوّل أيام الأضحى من كل عام، بقوله: "كنّا نجهز للعيد قبل أشهرٍ من قدومه، ونضع قائمة بأسماء الفقراء الذين يستحقون الأضحية، وبعد خطبة العيد؛ نذهب إلى المسلخ ولمدة ثلاثة أيام متواصلة للإشراف عليها، ثم توصيلها إلى يد أصحابها".
وأمّا عن أجواء العائلة فيقول: "كنت أحاول جاهدًا أن أجد وقتًا للجلوس مع أسرتي خلال العيد، لأنني أجد الراحة في زرع ابتسامة على وجوه من فقدوها من الفقراء، ورغم تشابه الحالة مع الغربة، إلّا أنّك تجد نفسك في بلدك مع أهلك وأصدقائك، بخلاف ما نحن عليه هنا".
أمّا الزميل الصحفي سيد إسماعيل، المغترب حاليًا في تونس لإكمال دراساته العليا، كان اتصالنا عليه أثناء سيره في البلدة القديمة، ومع سؤالنا له عن أجواء العيد باشر بقوله متعجبًا: "بأي حالٍ عُدت يا عيد!".
يتابع حديثه وشوقه إلى قضاء العيد بغزة: "أنت في تونس مجرّد ضيف، ولن تبقى للأبد، وأجواء العيد بلا نكهة هنا، أمّ في بلدك مهما كانت الظروف فستشعر بدفء من حولك".
يقضي سيد عيده لهذا العام مع أهله من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي "قرّبت البعيد"، إلّا أنّ أزمة انقطاع التيار الكهربائي في غزة ينغَص من القرب، ويقلل من فرص التواصل".
وأخبرنا عن أجواء العيد في تونس، والتي تغلق جميع محلاتها طيلة أيام العيد، ما يستلزم تخزين كمية من المأكولات التي تكفيه لعدة أيام.
وختم سيد بالقول:" أقصى ما أفعله بالعيد، أن أصلّى وأستمع الخطبة، ثم أتصل على أهلي وأخبرهم كل عامٍ وأنتم بخير.. فقط!".