يتقاسم العالم غزة بالصور والتحليل والتجربة فسيرتها الذاتية الآن تؤهلها لتكون حقل بحث وهي المتعافية حديثا من عدوان اسمه "الرصاص المصبوب" المتحاملة على آلام حصارها.
إقرار وكالة الغوث لمادة حقوق الإنسان -محل اعتراض وزارة التربية والتعليم- كان كمن مارس مبدأ "إخفاء الفن أو المعنى المؤجل" فلم يدفع بكل مرادات النص دفعة واحدة وهو مثار حديث قديم ومتجدد.
وكانت وزارة التربية والتعليم سجلت اعتراضا على مادة حقوق الإنسان المقرة على الفصول الدراسية بالمرحلة الابتدائية لتنافي بعض دروسها مع الإسلام وتجاهلها لخصوصية معاناة الفلسطيني المتعرض لانتهاكات الاحتلال وغيرها من القضايا.
وعقدت وزارة التربية والتعليم مؤخرا ورشة لمناقشة القضية "هل تحتاج مادة حقوق الإنسان لمادة مستقلة أم اثرائية وما هو المطلوب منها" وقد حضرها مختصون وأكاديميون وممثلون عن وكالة الغوث والصليب الأحمر والمؤسسات الإنسانية لتجديد موقفها من القضية .
** غزة وحدها
وخصت وكالة الغوث مدارسها في غزة وحدها بمادة حقوق الإنسان وهي الموجودة في "غزة-الضفة-لبنان-الأردن-سوريا".
وأكد الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم د.زياد ثابت أن وكالة الغوث ارتأت أن تثري مواد "اللغة العربية والاجتماعيات والتربية الإسلامية" في المرحلة الابتدائية بمادة حقوق الإنسان عام 2002 .
وأضاف:"لا مشكلة في ذلك لكنها العام الماضي حاولت تخصيص مادة مستقلة ونحن كوزارة الجهة الوحيدة المخولة بوضع المنهاج ثم سمعنا بمحاولات لوضع مادة للمرحلة الإعدادية لكنها لم تصدر".
أما الدكتور خليل حمّاد نائب مدير الإشراف والتأهيل التربوي ومدير مركز المناهج فأكد أن وكالة الغوث وضعت منهاجا مستقلا في مادة حقوق الإنسان لكن وزارته ومن خلال خبراء خارجيين وداخليين قيّمت المواد المطروحة فتبيّن أنها انجاز من جانب لكنها تتعارض مع توجهات الوزارة ما دفعها لتنظيم ورشة عمل لتوضيح نظرة الوزارة وتقييم تجربة الوكالة .
يمدد حمّاد ساعديه فوق مكتبه وقد تحلّى بربطة عنق أنيقة مضيفا:"إضافة لما سبق تخصيص منهاج لغزة يكرّس الانقسام لان إضافة منهاج في شق من شقي الوطن بل في جانب الوكالة دون وزارة التعليم تكرّس الانقسام وتكون بديلا عن مواد متناثرة في بعض المباحث مثل التربية الإسلامية والمواد الاجتماعية" .
يقطع رنين الهاتف الخلوي كلام حمّاد قبل أن يشير لرفض وزارته وضع أي منهاج دون الرجوع للوزارة كجهة مخوّلة .
وخرجت ورشة العمل بإجماع وضع في عدة نقاط وقد تلاها حمّاد حينها على الحضور دون اعتراض من أحد –كما قال .
** الجهة المضيفة
ورفع حمّاد حاجبيه مستغربا من حذف وكالة الغوث لبعض الموضوعات في تلك المادة واستبدالها بأشياء أخرى سببت بعض الخلاف .
وتساءل عن جدوى تخصيص مادة حقوق الإنسان لمدارس الوكالة في غزة وحدها مضيفا:"هل أهل غزة لا يعرفون حقوق الإنسان؟! وهل أهل الضفة يعرفون ؟! نؤجّل الإجابة ولا نشكك في أحد" .
أما عضو لجنة التربية في المجلس التشريعي النائب هدى نعيم فأكدت أن الدولة المضيفة هي المخولة دوما بوضع المادة الدراسية فلها جزء من الوصاية.
وأضافت:"جون جينج في مشروعه رفع مستوى التعليم تجاوز البعد وعمل بشكل منفرد والأصل أن ينسق مع الوزارة والسؤال الكبير لماذا هذه المادة تفرض على غزة وحدها وبشكل بعيد عن قيم مجتمعنا" .
واعتبرت طرح مادة حقوق الإنسان بمعزل عن معاناة الفلسطيني جزءا من أفكار العولمة التي تشدّ الطلاب نحو فكر بعيد عن الواقع والطرح السليم .
وأيّد د.نافذ المدهون المستشار القانوني للمجلس التشريعي وزارة التعليم في طلبها الإشراف على وضع مادة علمية تتلاءم مع قيم المجتمع الفلسطيني مضيفا:"مثلا ليكون عنوان درس أسرتي هو الحق في أسرة متماسكة".
** الملاحظات
وتضع وزارة التربية والتعليم خطوطا متوازية تحت بعض النقاط فعلاوة على اعتراضها حول عدم إشراكها في وضع المادة تمتلك جملة ملاحظات .
يرشف الوكيل المساعد د.زياد ثابث من فنجان القهوة الراقد أمامه على الطاولة ويقول: "ملاحظاتنا أن مادة حقوق الإنسان لا تلبي حاجة شعبنا وتأخذ الجانب الإيجابي للإعلان العالمي فقط وتسند مرجعية الحقوق لذلك الإعلان لذا صدرت المادة بنص الإعلان العالمي رغم وجود فقرات لا تتوافق مع الإسلام إضافة إلى أنها لم تشر إلى معاناة شعبنا والمفترض أي شعب تنتهك حقوقه أن يعرف كيف يحصل على حقوقه لكن المناهج في الابتدائية لا تعالج ذلك لذا هي مناهج لا تلبي حاجتنا كشعب ونرى أنها بحاجة لمراجعة لتكون مرجعيتها دينية وأن تشير لانتهاكات حقوق الفلسطيني وكيف يحصل على حقه" .
ووصف المادة بأنها قاصرة مطالبا الوكالة بالعودة لوزارة التربية والتعليم لتصدر المادة وفق رؤية وزارة التعليم وتضمين حقوق الفلسطيني لأي مادة مستقبلا.
واتفق د.حمّاد مع د.ثابت حول نفس أسباب الاعتراض مستنكرا بعض الدروس التي تجيز للإنسان تغيير عقيدته.
وأطلق حمّاد تصريحا دبلوماسيا حين أضاف:"نحسن الظن بوكالة الغوث وندعوها لتعزيز الجهود ووضع منهاج بصورة مناسبة يتلاءم مع حاجات شعبنا".
وسجّل عدة ملاحظات أهمها تركيز مادة حقوق الإنسان على الجانب الشكلي والنظري دون استحضار أمثلة واقعية فلسطينية ووجود مخالفات صريحة للإسلام مثل ما يتعلق بدرجة الحرية إضافة للحديث دوما عن المقاومة السلمية وعرض قصص وصور لا تناسب المجتمع الفلسطيني .
وكان الحديث عن نيّة وكالة الغوث تدريس "الهولوكوست" للمرحلة الإعدادية أثار ردود فعل غاضبة لكن الطرح لم يكن رسميا ولم يطبق بسبب وضوح ردة الفعل .
عن ذلك قال د.ثابت:"سمعنا أن الهولوكوست قد تكون في منهاج الإعدادية من قبل بعض المسئولين لكننا نرفض وضع أي مادة دون الرجوع للوزارة" .
أما النائب هدى نعيم فوصفت عملية تدريس حقوق الإنسان في التنقل والتعليم دون ربطها بالوضع الفلسطيني بأنها كالجسم غير المكتمل مضيفة:"إن أراد جون جينج القول لأبنائنا أنتم أحرار! فليقل لهم سبب حرمانهم من الحرية, فلا يمكن تعلم المفهوم الاجتماعي بمعزل عن السياسي وإلا تكون تنشئة مشوّهة".
وأبدى د.نافذ المدهون المستشار القانوني للمجلس التشريعي موافقته على مواصلة تدريس مادة حقوق الإنسان شريطة ألا تتعارض مع قيم الإسلام وأن تناسب الواقع الفلسطيني.
والقول الفصل أن أفضل من يضع مادة حقوق الإنسان للطلاب سواء كمادة إثرائية أو مستقلة هم من تذوقوا مرارة الاحتلال فتأكدوا من حقهم في العيش بكرامة .