قائمة الموقع

الانتفاضة.. تذيب جليد الضفة وتفتح أفق المواجهة

2015-10-05T06:00:47+03:00
صورة أرشيفية
الرسالة نت - محمود هنية

يبدو أن أحدًا لم يتوقع انفجار فوهة البركان في الضفة المحتلة بهذه الوتيرة المتسارعة، بعد سنوات من الغليان على نار هادئة، إذ سرعان ما تدحرجت كرة اللهب لتطال أغلب محافظات الضفة والقدس، وتعيد المشهد إلى شيء مماثل له قبل عدة سنوات عندما اعلنت الانتفاضة الثانية.

لم يعد هامش الاختلاف كبير بين الفصائل حول التأكيد بأن ما يجري في الضفة المحتلة، هو اندلاع حقيقي لانتفاضة ثالثة، بعد فشل كافة الخيارات السياسية ووصولها إلى حائط مسدود، حيث لم يعد احد في وارد نكران هذه الحقيقة، بعد اشتعال فتيل الازمة.

وتشير المواقف والمعطيات أن القضية الفلسطينية قد دخلت مرحلة جديدة، عنوانها الأبرز يتلخص في انتفاضة شعبية شاملة، تتجاوز من خلالها تفاصيل المرحلة الماضية بكل ابعادها السياسية والميدانية، رغم تعقيدات البيئة المحلية والآثار المترتبة على البيئة الاقليمية.

ولكن أمام تزاحم الاحداث وتصاعد الموقف، يبدو أن السؤال الأهم برسم الاجابة، هو توفر امكانات البقاء لهذه الانتفاضة، وقدرة الفلسطينيين على ايجاد بيئة سياسية حاضنة لها، اضافة الى مدى مقدرتهم على توفير البنية التحتية القادرة على ادارة الفعل المقاوم في الضفة المحتلة تحديدًا، في ظل فارق معايير القوة وطبيعية الظروف السياسية الراهنة.

يمكن القول إن هناك وقائع ملموسة حقيقة، تهيئ بالفعل لنهوض شعبي فلسطيني واسع، قادر على صناعة حدث انفجار قد يتجاوز في ابعاده فضاء السياسة الداخلية، بما وفرته الظروف الميدانية والسياسية من عوامل واسباب مساعدة في ذلك.

وعبر الفلسطينيون عن هذه المواقف بأفعال مقاومة واضحة الأثر، من خلال العمليات الفردية وعمليات المقاومة التي استهدفت عددًا من المستوطنين في الضفة، ما بدا مؤشرًا واضحًا على فشل القبضة الأمنية الحديدية التي ضيقت من خلالها (إسرائيل) وسلطة اوسلو الخناق على اي حراك شعبي في الفترة الماضية.

عمليًا، لم يعد رئيس السلطة محمود عباس صاحب نظرية الرفض لأي حراك يشعل انتفاضة من جديد، قادرا على مواراة سوأة فشل المشروع السياسي من خلال ازدياد حالة الاستيطان الذي ابتلع حوالي 54% من اراضي الضفة، ورفض الاحتلال اطلاق سراح الاسرى، اضافة الى سياسة الاذلال الممنهجة على حواجز الضفة.

ويبدو أن الرهان الأكبر هو في كيفية استثمار المناخ الشعبي السائد، لتشكيل حالة سياسية دائمة تدير اوضاع الانتفاضة بشكل اكثر انتظامًا، وفق ما دعت اليه قيادات سياسية تحدثت معهم "الرسالة".

ويشير الدكتور ياسين سويد الباحث  والخبير الاستراتيجي، إلى أن ادارة المعركة تستوجب تشكيل لجان ثورية وفصائلية قادرة على ادارة الفعل والتخطيط له، وصياغة رؤية استراتيجية لادارة الوضع الميداني بشكل مباشر.

وينبه سويد في حديثه لـ"الرسالة" من بيروت إلى اهمية اعادة بلورة البنية التحتية، التي توفر الضفة فيها بيئة خصبة لعدة اسباب، حيث تعتبر جغرافية الضفة اكثر أهلية من غزة في احتضان الفعل المقاوم، نتيجة لـلتماس المباشر مع الاحتلال وطبيعة الظرف الجيوسياسي التي تتمتع به الضفة.

ويقول إن الضفة لديها موقع جغرافي مطل على اغلب المستوطنات الاسرائيلية،وهو ما يمكن تسميته البيئة الخصبة لـ"الصيد العسكري"، وهو امر يشجع من مسألة المقاومة الفردية وامكانية نجاحها.

وليس بالضرورة ان تشكل المقاومة لجان عسكرية موحدة، فيكفي أن تشكل خلايا متفرقة تعرف كيف تصيد فريستها، مع بقاء الحس الأمني الكبير في التعاطي مع الاحداث وفق سويد.

ويضيف الدكتور رفيق ابو هاني الباحث العسكري على سابقه، أن جغرافيا الضفة جعلتها "أرض فرص"، بينما غزة "أرض قدرات"، موضحًا أن العمل المقاوم في الضفة يعتمد على وجود فرص سانحة للهجوم المقاوم، وهو ما يقود إلى تشكيل البوصلة العسكرية في الضفة.

وبحسب ابو هاني في حديثه لـ"الرسالة"، فإن قدرة التشكيلات العسكرية على الفعل يعتمد في الدرجة الأولى على الارادة وليس الامكانيات، فقطعة سلاح واحدة في الضفة قادرة على تحقيق انجاز عسكري لكتيبة عسكرية في موقع جغرافي اخر.

ويؤكد أبو هاني أن التحدي الأمني الأبرز يعتمد على مدى استمرار التنسيق الأمني وقبضة امن السلطة ضد المقاومين، وهو امر سيزيد من فرصة ملاحقة المقاومين والكشف عنهم.

وما يعزز فرضية ابو هاني هو ما كشف عنه المطارد القسامي قيس السعدي، الذي حاصرت قوات الاحتلال منزله في جنين، صباح أمس، إذ أكد أن السلطة هي التي لا تزال تلاحقه وهي من قدمت معلومات عنه للاحتلال.

ما تحدث به السعدي، هو ذاته ما يثير تكهنات ومخاوف السياسيين الذي اجمعوا على خطورة التنسيق الامني في اجهاض الحراك الدائر، إذ دعا فتحي حماد القيادي في حماس وأبو احمد فؤاد القيادي في الجبهة الشعبية، السلطة الى رفع يدها عن المقاومة واطلاق سراح المعتقلين.

ولقد ارتفعت حالة الاعتقالات السياسية في الضفة المحتلة، وفق ما صرح به احمد مبارك النائب عن حركة حماس بالضفة المحتلة.

في حين أكد وصفي قبها القيادي في الحركة، أن السلطة زادت من وتيرة اعتقالاتها للكشف عن مصير منفذي عملية قتل مستوطنين بنابلس، وهو امر اعتبرته الجبهة الشعبية بالعمل الاجرامي.

ويبدو أن التنسيق الأمني هو ما تراهن (إسرائيل) عليه فعليًا في البحث عن الخلايا النائمة، وفق ما تحدث به المحلل الاسرائيلي ايلي نيسان، الذي قال إن السلطة لم توقف ابدًا من مسار التنسيق لأنه مرتبط بمسارات سياسية وامنية مصيرية بالنسبة لوجودها.

من جانبه، يرى المحلل العسكري يوسف الشرقاوي، أن التحدي الابرز لبقاء عمل المقاومة هو توفير بنية تحتية ناضجة، وهو تحد هش لن يقف عقبة أمام ما تحمله من ارادة ووعي ومقاومة.

اخبار ذات صلة