توقع تقدير استراتيجي صادر عن "مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" في العاصمة اللبنانية بيروت، اختفاء الرئيس محمود عباس من المشهد الفلسطيني خلال فترة قصيرة (سواء بحكم الشيخوخة 81 عاماً)، أم بحكم استقالة هدد بتقديمها مراراً، أم بحكم حادث يدبره خصومه داخل "فتح" أو خارجها أو جهة إسرائيلية، مشيرا إلى أن عدم تعيين نائب لعباس حتى الآن سيطرح بداية موضوع "الخلافة" بشكل معقد.
وكشف التقدير الذي نُشر اليوم الأربعاء، النقاب عن أن أبرز الشخصيات المرشحة سواء بدعم من داخل "فتح" أم بدعم إقليمي أم دولي تتمثل في كل من: صائب عريقات، ومروان البرغوثي، ومحمد دحلان، ومحمد اشتية، وسلام فياض وماجد فرج.
وأشار إلى أنه ونظراً لوجود مروان البرغوثي في السجن، وفصل دحلان من حركة "فتح" منذ 2011 وإحالته للقضاء، واتهام فياض بفساد مالي بالرغم من طول مدة عمله كرئيس وزراء (2007 ـ 2013)، ومحدودية الدور لمحمد اشتية بحكم عضويته الحديثة في اللجنة المركزية لحركة "فتح" (سنة 2009) وعضوية المجلس المركزي الفلسطيني (2014)، وارتباط ماجد فرج بالمؤسسات الأمنية بما يتناقض مع التوجه الغربي نحو عدم عسكرة السلطة، ونفور قطاعات واسعة من الفلسطينيين من الدور الأمني للسلطة الفلسطينية؛ فإن صائب عريقات يحظى بقدر من القبول الدولي والإقليمي".
واستبعد التقدير أن يتم الاحتكام إلى الإطار الدستوري لمعالجة مسألة الخلافة السياسية، المتمثل في تطبيق النص الدستوري (المادة 37)، بأن يتولى رئيس المجلس التشريعي السلطة في حال شغور منصب الرئيس لمدة ستين يوماً يتم خلالها إجراء انتخابات رئاسية، لا سيما أن رئيس المجلس الحالي عزيز دويك ينتمي لحركة "حماس"، ناهيك عن أن المجلس شبه مشلول بينما المجلس المركزي لمنظمة التحرير لا تشارك فيه حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
ولم يستبعد التقدير حدوث ثورة داخل حركة "فتح" بالنظر إلى موقف عريقات و"فتح" مع تبني المقاومة والتمسك بالثوابت، وقال: "ن مشكلة فتح وعريقات تحديداً تكمن في أنهما ليسا على توافق مع الاتجاه التاريخي (تبني المقاومة المسلحة وثوابت المشروع الفلسطيني)، وهو ما قد يعني احتمال وقوع ثورة داخل حركة فتح تستيقظ فيها كوادر شبابية من كتائب الأقصى أو غيرها وتزاحم القيادة الحالية ونهج التسوية، وقد تجد مثل هذه الحركة تأييداً من قيادات تاريخية في فتح مثل فاروق القدومي، والتنظيمات الفلسطينية الأخرى ومن ضمنها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، ناهيك عن بعض المساندة الإقليمية من بعض القوى".
وأضاف: "احتمال النزاع الداخلي في حركة فتح (بعد عباس) هو أمر لا يجوز استبعاده، لا سيما أن هذه الحركة تضم تيارات كشف الصراع الأخير بين قياداتها عن توتر داخل الحركة قد يقود لمواجهات عنيفة، بل قد يستقوي بعضها بقوى الاحتلال والقوى الدولية والإقليمية لصالحه".
ولفت التقدير الاستراتيجي الصادر عن مركز "الزيتونة" الانتباه إلى أن هذه العوامل قد تعيد القيادة الفلسطينية إلى المنفى، وقال: "بناء على ما سبق، يبرز دور "الاتجاه التاريخي" (المقاومة المسلحة والثوابت)، ليفتح المجال للقوى الأخرى المتشبثة بهذين البعدين، خصوصاً حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وهما حركتان لن يسمح الاحتلال والقوى الإقليمية، بخاصة العربية والقوى الدولية لهما بهذا الدور، ما لم تجدا قاعدة ارتكاز لهما خارج نطاق الأرض المحتلة. مما يعني ضمور دور القيادات الداخلية لصالح قيادات الخارج وعودة السلطة الفلسطينية "للمنفى" ثانية أو الانتقال كاملاً إلى قطاع غزة، مما يشي بتغير المشهد السلطوي الفلسطيني كاملا".
وذكر التقدير أن معالم خلافة عباس ستحدد بدورها معالم الدولة الفلسطينية وحدودها، وعلى مشهد المجتمع الفلسطيني، لجهة مجتمع يميل أغلبه لتبني نموذج غزة الحالي، أو مجتمع يميل أغلبه لتبني نموذج الضفة الغربية الباقية على وضعها الحالي، أو بقاء الانقسام الجغرافي الحالي خلال الفترة المقبلة (خمسة أعوام)، أو إعادة القوات الإسرائيلية احتلال كل من المنطقتين احتلالاً كاملاً.
ودعا التقدير إلى تشكيل فريق بحثي يقوم بدراسة المتغيرات الإقليمية والدولية خلال السنوات الخمس المقبلة المحبطة بالقضية الفلسطينية، سواء تلك التي ترجح تنامي تيار المقاومة والثوابت أم تلك التي ترجح تنامي تيار التخلي عن المقاومة والثوابت، والعمل على بحث كيفية تعزيز المتغيرات الأولى وإضعاف المتغيرات الثانية، وأشار إلى أنه من المرجح أن تستثمر الحركة الصهيونية موجة العداء الدولي الحالي لـ"الإرهاب"، خصوصاً الديني لدمج حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي في هذا الإطار، وهو ما قد يضع قطاع غزة في موضع معقد للغاية، خاصة مع حالة الجفاء الراهنة بين القطاع والبيئة العربية المجاورة.
وطالب، بترتيب البيت الفلسطيني وفق بنى تشريعية وتنفيذية راسخة، تحترم العمل المؤسسي، وتمارسه بشكل فعَّال؛ ولا ترتبط باستقالة الأشخاص أو بوفاتهم. وحثّ قوى المقاومة والقوى المحافظة على الثوابت التواصل مع كافة القوى الوطنية لتعزيز هذا النهج، بما في ذلك التيار الذي يركز على المقاومة في حركة فتح.
ورجّح التقدير أن تتنامى نزعة العداء للصهيونية في الرأي العام الدولي استمراراً لتطور بدأ منذ الانتفاضة الأولى وتزايد في الانتفاضة الثانية وما زال متواصلاً، وأكدت أن هذا أمر يستحق أن توليه قوى المقاومة اهتماماً كبيراً وتعمل على تطويره.
ورأى التقدير أن نهج الانكفاء الأمريكي عن المنطقة العربية سيتواصل ولو ببطء وبشكل متذبذب، مع تنامي الدور الصيني والروسي وبعض القوى الأوروبية، وهو ما يعني ضرورة الحرص الشديد من قبل تيار المقاومة والثوابت في التعاطي مع سياسات هذه الدول الكبرى الصاعدة بقدر من الواقعية السياسية.
وشدد على عدم انغماس القوى الفلسطينية في القضايا العربية الداخلية واتخاذ مواقف محايدة وواضحة الحياد في هذه القضايا الداخلية.