تتزايد وتيرة الأحداث والمواجهات في مدن وقرى الضفة والقدس المحتلتين وسط تبادل الاتهامات بإشعالها ما بين (إسرائيل) والسلطة، في الوقت الذي تبدو فيه الأخيرة في حيرة من أمرها على مستوى القرار الظاهر.
فبعد أيام من خطاب رئيس السلطة محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وتهديده بوقف الالتزام بالاتفاقات مع الاحتلال ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقف انتهاكاته وتوفير حماية دولية، لم يتغير شيء ولم تتخذ السلطة أي خطوات تنفيذية على أرض الواقع.
وتأكيدا على ذلك، قال عباس خلال كلمته في اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة التحرير الثلاثاء، إن السلطة لا تريد تصعيدا عسكريا وأمنيا مع الاحتلال، مؤكدا تمسكها بالاتفاقات الموقعة مع الاحتلال إلى حد معين، وأنها تريد حلا سياسيا بالطرق السلمية.
كما جدد عباس التأكيد على استعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات مع (إسرائيل)، مشددا عل أن تعليمات صدرت إلى الأجهزة الأمنية بمنع أي تصعيد؛ منعا لأي مخاطر ستعود على كل الأطراف بالويل، وفق قوله.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، نشأت الأقطش، أكد أن السلطة وأجهزتها الأمنية الآن أمام خيارات صعبة، فإما أن تمنع المتظاهرين وتقف حاجزا بينهم وبين جنود الاحتلال كما كانت تفعل في الماضي، أو ان تقف في صف الشعب الفلسطيني وإرادته.
وأشار إلى أن منع السلطة لأي تظاهرات أو قمعها لمسيرات عدة في الضفة أحرجها أمام المجتمع الفلسطيني، وهي الآن باتت تقف كالمتفرج بين المتظاهرين والاحتلال، منتظرة قرارا رسميا بمنع تطور الأحداث وفرض الهدوء أو التمرد على القرار السياسي والدخول في المعركة.
أما الكاتب والمحلل الفلسطيني طلال عوكل، فيرى أنه من الصعب أن تبقى السلطة اليوم على حالة الجمود التي كانت عليها قبل خطاب الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن ما يجري على الأرض يقدم مشهدا بأننا ننتقل إلى مرحلة جديدة في التعامل مع الاحتلال.
واعتبر عوكل أن اجراءات السلطة على الأرض أو غض النظر عن بعض الأحداث وتحميل الاحتلال مسؤوليتها، يأتي كخطوات مكملة لخطاب عباس، وأن السلطة تريد إيصال رسالة بأنها جادة في تهديداتها وعلى المجتمع الدولي التدخل قبل انفجار الأوضاع.
في الوقت ذاته، أكد عوكل على ما ذكرته بعض قيادات السلطة مؤخرا، وعلى رأسهم نمر حماد مستشار الرئيس عباس، بأن السلطة غير معنية وليست متشجعة لاندلاع انتفاضة واسعة، وأن ما يحصل يأخذ طابعا دفاعيا أمام اعتداءات المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
وأوضح أن (إسرائيل) تحاول اليوم أن توجد طريقة لتهدئة الأوضاع، ولا تريد أن تصعد أو أن تعطي الفلسطينيين مبررا للاستمرار في غضبهم، مقدرا أن المواجهات ستستمر لبعض الوقت، وحتى ظهور تحرك للمجتمع الدولي لوقف الاحتقان.
وافقه بذلك علاء الريماوي، مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، والذي أكد أن السلطة تميل لحالة التهدئة في هذه المرحلة، وأن لقاءات تُعقد بشكل مستمر ما بين قيادات أجهزة السلطة والاحتلال لوأد الهبة الجماهيرية.
وأشار إلى أن السلطة بدأت تحركاتها الفعلية على الأرض ونشر قواتها في مختلف مدن الضفة، لاحتواء الأوضاع ومنع التصاعد المتوقع للأحداث اليوم الخميس، والذي ستصل ذروتها إلى يوم غدٍ الجمعة وصولا إلى اعتباره يوما حاسما سيحدد مسار الهبة المندلعة.
ورأى الريماوي إلى ذلك يتماهى مع السلوك الإسرائيلي، حيث يحاول الاحتلال تهدئة الأوضاع والتخفيف من حدتها في الضفة والقدس، مؤكدا أن على السلطة أن تقف عند حدود ما يريده الشعب الفلسطيني القادر على اتخاذ خياراته.
وكانت وسائل إعلام عبرية أكدت أول أمس الثلاثاء، أن اجتماعا عُقد بين ضباط كبار في جيش الاحتلال مع نظرائهم في أجهزة أمن السلطة، لدراسة الأوضاع في الضفة، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق على تهدئة الأوضاع فيها ووقف تصاعدها.
وجاءت هذه الأخبار بعد ساعات من اعتراف مسؤولين في جيش الاحتلال بتلقيهم معلومات مهمة من السلطة عن الخلية المنفذة لعملية "ايتمار" بنابلس قبل أيام، والتي قُتل فيها مستوطن وزوجته بشكل مباشر، فيما أكد الاحتلال أن المنفذين الخمسة ينتمون لحركة حماس.
وكانت حماس قد أشارت إلى خطورة هذه التصريحات، مطالبة السلطة الفلسطينية بتوضيح موقفها إزائها، معربة عن أملها في أن تكون الرواية الإسرائيلية "كاذبة"، في حين أن السلطة لم تعلق حتى اللحظة بأي كلمة.