صوبوا بنادقهم على عشرات الشبان الفلسطينيين، حتى جاء من أقصى الشارع رجلٌ يسعى قال بعالي صوته باللغة العبرية، "أنتم مستوطنون إسرائيليون حقراء.. مصاصي دماء"، فوجّهوا بنادقهم على صدره، وهددوه بالقتل، فلم يبالِ، حتى أطلقوا عليه أعيرتهم النارية وأردوه أرضًا.
انتشرت صورة الحاج زياد أبو هليل (58عامًا)، وهو يرفع كفتا يديه في وجه جنود الاحتلال "الإسرائيلي" بمدينة الخليل، الذين صوبوا بنادقهم على صدور الفلسطينيين، صارخًا في وجههم أن ينزلوا بنادقهم.
"الرسالة نت" استضافت الحاج أبو هليل، والذي أطلق عليه ناشطون "فيس بوك"، بـ"شيخ المناضلين"، وفي أوّل حديثه قال: "كل غيور على أرضه وعرضه ووطنه يتصدّى للاحتلال ولو عاري الصدر، ليوقفهم عن طغيانهم".
كانت لهجة الخمسيني تشتعل غضبًا، مؤكدًا أنّه تعلّم دروسًا من الحروب المتواصلة على غزة، "فأفضل الوسائل هي أن تهاجم الاحتلال دون هروب منه، وأن تعلن ثورة غضب في وجهه". وفق قوله.
وعن تفاصيل الحادث الذي تناقلته وسائل إعلام محلية ودولية يوم السبت الماضي (10/10)، يخبرنا أبو هليل: "شيّعنا الشهيد محمد الجعبري في المدينة، منطلقين من مسجد "الحسين بن علي" صوب "مقبرة الشهداء"، وسط ترديد هتافات تدعو المقاومة الانتقام لدماء الشهداء، وبعد مواراته الثرى، ثارت الدماء في صدور الشباب، فعادوا إلى مواجهة الاحتلال بالحجارة".
مجموعة من الشبان توجّهوا بعد تشييع جثمان الشاب الجعبري –الذي استشهد على مدخل مستوطنة "كريات أربع" برصاص جنود الاحتلال الذين زعموا طعنه لأحد حراس المستوطنة مساء الجمعة الماضية (9/10)-، فتوجهوا إلى نقاط التماس مع الاحتلال، ورشقوا الحجارة في وجه جنودٍ مدججين بالسلاح، على المدخل الشمالي ليطا ومنطقة "باب الزاوية" بالمدينة.
رصاصات الاحتلال لم تميّز بين أحدٍ من المتظاهرين، لا صغير أو كبير، فحقد أسلحته ينصب على كل من يسير دم الوطنية في عروقه، حتى انتفض الحاج أبو هليل، وهرول نحو الجنود المتمركزين في "شارع 7"، إلّا أنهم أشهروا أسلحتهم في وجهه، وطالبوه بالعودة حيث أتى وإلا يطلقون عليه رصاصاتهم.
يقول: "شتمت قُبح جنود الاحتلال، وهمجيتهم، ووصفتهم بالخنازير ومصاصي الدماء.. الرجل هو من يرمي سلاحه ويواجه المنتفضين، لكنّهم لا يجرؤون على ذلك، لأنّهم يعلمون أنّ المواطنين سيقتلونهم –بالكنادر-، ولو امتلكت سلاحًا أستخسر الرصاصة فيهم، لأنّ أرواحهم أقل من ثمنها".
استمر حوارٌ لبضع دقائق بين الحاج أبو هليل، وجنود الاحتلال، حتى دفعه أحدهم وأوقعه أرضًا، وأصابه بغاز الفلفل، ورصاصتين مطاط، ومن أعلى إحدى البنايات التي يعتليها الجيش "الإسرائيلي"، رشقوه بالحجارة، حتى توزعت اصاباته في شتى أنحاء جسده.
يكمل أبو هليل حديثه لـ"الرسالة نت": "تقدمت بصدري العاري في محاولة لمنع الاحتلال من إطلاق المزيد من الأعيرة النارية اتجاه طلبة مدارس، ومواطنين.. وكنت متيقنًا من إصابتي، ولكن دمّي ليس أغلى من دماء أبناء شعبي".
يقيم أبو هليل وزوجته في بلدة دورا جنوب الخليل، مع (9 أولاد، و6 بنات)، تسير العائلة بأكملها على نهج رب الأسرة، يقول الحاج زياد: "7 من أولادي اعتقلهم وأصابهم جنود الاحتلال؛ لدفاعهم عن حقوقهم في الوطن، ولمواقفهم".
الغريب في حكاية الخمسيني الذي يعمل شيخ عشائر، ويملك من اللغات (4)، أنّ جميع أنحاء جسده نالت رصاصات من بنادق الاحتلال، ولم تقتصر على حادثة الخليل الأخيرة، يخبرنا بذلك متفاخرًا: "جسدي يشهد إصابته بـ(136) إصابة من نقطة الصفر، وسجنت لدى الاحتلال 7 مرات، ورغم ذلك لن أتوانى في الدفاع عن القدس والأقصى وحقوقنا وثوابتنا".
وحكاية أخرى يسترجعها أبو هليل، تعود إلى العام الماضي أثناء العدوان "الإسرائيلي" على غزة، يقول: "سعيت للتعبير عن غضبي من العدوان على غزة، فشاركت في مظاهرات على أماكن التماس مع الاحتلال، وصممت مجسمًا لصاروخ (m75)، وواجهت الاحتلال به، حتى أطلق عليّ النار وأصابوني بـ(5 رصاصات) في جسدي".
وتوقّع أبو هليل أن يطول مشوار انتفاضة القدس وتزداد شعلتها، متمنيًا أن ينتهي الانقسام بين أبناء الشعب الفلسطيني، وتشكل المقاومة بيتا عسكريا يضم جميع الأجهزة والفصائل، وتمتلك سلاحا واحدا حتى دحر المحتل، ودون ذلك ستكون الطريق كلها منعطفات ومطبات وأسلاك شائكة... وبالوحدة نفرش بساطاً أحمديا تحت أقدامنا لتحرير الأقصى والقدس".
صمت هنيهة من الزمن، ثم ختم حديثه بالقول: "نفسي بعد هالعمر أموت شهيد.. الله يوعدني".