غزة-محمد بلّور-
يبتلع العاملون في ميناء غزة ريقهم تحت حرارة الشمس الآخذة في الارتفاع فأمامهم أسبوعان لإتمام كافة التجهيزات قبل وصول قافلة شريان الحياة التركية.
من بعيد بدا نواب التشريعي الحاضرين للاضطلاع على العمل كخط متحرك يلتهم لسان الميناء قصير "الحيلة" .
وتنشط كل من وزارة الأشغال والنقل والمواصلات في توسعة حوض الميناء ليتمكن من استقبال القافلة المتوقع وصولها قريبا من تركيا .
الحوض والرصيف
يقتنص المهندس زياد ثابت مدير عام الآليات في وزارة الأشغال دقائق الاستراحة تحت سقيفة شمعية برتقالية وهو يجري حوارا ميدانيا مع عمال الصيانة .
عبارات الإجهاد في وجهه تتحدث عن ساعات العمل حين أكد أن المرحلة الأولى من العمل تختص بإعادة تهذيب الرصيف وقد أشرفت على الانتهاء مضيفا:"بعد أسبوع على الأكثر سننتهي وبذلك ستتمكن السفن من الاصطفاف بسهولة".
ألقى ثابت ذراعيه بموازاة جذعه مشددا أن المرحلة الثانية من العمل تهتم بزيادة عمق حوض الميناء لتتجاوز 6 أمتار ما يسهّل استقبال سفن القافلة القادمة .
وأضاف:"هناك مناطق الرمل فيها على عمق متر واحد ونحن بحاجة لأكثر من 6 متر عمق لذا بدأنا بزيادة العمق منذ أسبوعين حيث نسحب الرمال بالمضخات والحفّار ونخرجه خارج الحوض" .
وتحت شمس الظهيرة تلمع لحية المهندس ياسر الشنطي مدير المشروع ووكيل وزارة الأشغال المكلّف وهو يتوسط النائب مشير المصري وإسماعيل الأشقر فيما بدت خطوات النائب صلاح البردويل متأخرة عنهم .
يلقي الشنطي نظرة على البحر وأخرى تجاه اليابسة طمعا في استقلال قاربا اصطحب النواب في جولة مؤكدا أن المشروع يختص بتأهيل وتطوير ميناء غزة .
وأضاف:"أولا ندعّم جوانب الميناء بكتل خرسانية كبيرة تحميه من الانهيار وتحمي مراكب الصيادين وثانيا سنزيد عمق الحوض لاستقبال سفن القافلة القادمة لترسو في عمق 6 متر والعمل متواصل وقد اشتد الآن حتى نستقبل القافلة" .
وأكد أن الآليات المستخدمة في العمل هي مضخة كبيرة لشفط الرمال وثانية ستحمل على عوّامة كبيرة وتعمل على زيادة عمق الحوض مشيرا أن الرمال تشفط مختلطة بالمياه بنسبة متناصفة.
العوّامة
وبجوار رصيف الميناء يسمع هدير متواصل للآليات فيما يرقد علم تركيا ساكنا فوق هامات العمّال .
من بعيد تقفز ذراع طويلة لرافعة فتنقل أشياء وتحرك أخريات بينما ألجمت الشمس الحامية كافة الحضور هربا من قيظها المتقد .
وأكد المهندس ناصر ثابت أن 15 آلية ما بين "حفّار-منوف-شاحنة-رافعة-كبّاش" إضافة إلى30 عاملا يشاركون في ورشة العمل المنعقدة على مدار الساعة بينما تشترك وزارتا الأشغال والمواصلات في العمل .
عروس الميناء تدعى "العوّامة" ويعقدون عليها آمالا عريضة فهي المكلفة برفع الحفّار الذي سيزيد من عمق الحوض.
محمد إسماعيل مسئول الصيانة والفنيين تحدث بثقة عن العمل المتواصل في تجهيز العوّامة فقال:"لازلنا نبنيها كي تحمل آلية وزنها 30 طن وهي "باقر" للحفر وطول العوّامة 10 وعرضها 7.50 متر وستتجول داخل الحوض ليزيد "الباقر" العمق بإخراج الرمل من قعره".
وألصق إسماعيل راحته لصدره حين كشف عن خبرته في فن الحدادة مشيرا أن عماله يجرون الآن صيانة للعوّامة وبعد 3 أسابيع أو 4 ستنتهي وتصافح مياه الميناء.
وأكد أن العوّامة ستعمل بفعالية للوصول للمناطق منخفضة العمل وأن الجميع يعمل على مدار الساعة بجهد ورغبة واماكانات بسيطة .
وعلى رصيف الميناء يلتصق حسين أبو نبهان "فني اللحام" بأسطوانة ضخمة مرتديا نظّارة اللحام وهو على وشك تركيب قضيب اللحام في آلته .
صوت حسين خافت بمقدار لا يتغلب على صوت الموج من خلفه وأضاف: "ألحم تنكات العوامة فنحتاج لاثنين ليحملا العوامة ونعمل ليل نهار –يبتسم-لم أنم من الساعة 8 صباح أمس وذلك مجهد لكن هناك هدف أمامنا" .
وضم أبو نبهان يديه المتحليتين بقفازين حمراوين لخصره مشددا أنه الآن في مرحلة تجميع "الاسطوانات المعدنية" حيث تبقى عملية تركيب الصندوق ليحمل آلية "الباقر" وتجهيز العوامة كاملة .
صعوبات العمل
ووسط لسان الميناء يخترق خرطوم بلاستيكي الأرضية دافعا مياه مختلطة بالرمال فيما ينشط أحد العمال لجرّ سلسلة حديدية ثقيلة بعيدا عن مصدر المياه.
وقام العمّال مؤخرا بزيادة لسان الميناء 10 أمتار لتسهيل حركة الآليات وإخراج الرمال فأخرجوا حمولة 50 شاحنة من قعر الحوض .
وقال المهندس ثابت إن صعوبات العمل تتلخّص في الوقت المحدود قبل وصول القافلة المقرر وصولها بعد أسبوعين بينما يحتاج ها النوع من العمل لأسبوعين .
وأضاف:"تنظيف الحوض لم يجر منذ 15 عام ونعمل الآن بواقع 14 ساعة يوميا حتى وزير الأشغال يزورنا يوميا لمتابعة العمل وأنا أتابع كافة التجهيزات فالإشكالية هي فوهة الحوض وبجوار الرصيف".
أما المهندس زياد الشنطي فأكد أن الحصار شكّل عقبة أمام حصولهم على قطع الغيار بينما لا تكفي المضخّات الحالية لإتمام العمل .
وفي مجال اختصاصه أوضح محمد إسماعيل مسئول الصيانة أنهم يحتاجون لأنواع من الحديد غير موجودة بسبب الحصار.
زيارة نواب التشريعي
وفي طريقهم لورشة العمل غاصت أقدام النواب فوق لسان الميناء فتفاوتت سرعتهم أمام هرولة رجال الأمن والحماية .
النائب صلاح البردويل قال وهو ممسك بمنظاره المبكر إن النواب قاموا بزيارة الميناء لتفقد العمل في ترميمه وتجهيزه لاستقبال القافلة القادمة .
وأضاف:"ما رأيناه يثير الإعجاب وهو فوق التخيل فوزارة الأشغال تعمل بلا إمدادات ولا إمكانات وينحتون الصخر لكن إرادتهم قوية بما تبقى معهم من حجارة وكتل أسمنتية وآليات قديمة.
واعتبر مسألة الميناء سياسية يقف الاحتلال عائقا أمام إتمامها لإحباط أي محاولة تنمية كجزء من ابتزاز سياسي واضح.
وأشار إلى وجود لجنتين للعمل: الأولى سترتب استقبال القافلة التركية القادمة والثانية ستحصي وتنظم المساعدات الموزعة على مستحقيها .
أما النائب إسماعيل الأشقر فاعتبر ما رآه أحد إبداعات الشعب الفلسطيني ووزارة الأشغال والمواصلات حيث تعمل المستحيل لتحويل المواد الأولية لميناء صالح للاستخدام.
وقال الأشقر:"يصنعون حوائط ويشفطون الرمال ونحن كتشريعي نشد على أيديهم وعلى يد الحكومة وما رأيناه هم مهندسين مبدعين يقومون بأشياء تحتاج ملايين الدولارات".
وفي الجهة الشرقية من الميناء وقف الصيّاد حسين بكر ممتدحا توسيع رصيف الميناء الذي سهّل حركة النقل وتحميل البضاعة-كما قال .
وأضاف:"المشاكل في ذلك انحسرت فذلك أفضل للصياد لكن المشكلة أن الاحتلال يغلق البحر فلا ندخل أكثر من ثلاثة أميال" .
وسيخضع ميناء غزة لاختبار حقيقي بعد أسبوعين عندما تحل قافلة كسر الحصار المقبلة ضيفة على حوض أكثر عمقا واتساعا .