بعد رحلة التعذيب والعزل

المعاناة النفسية للأسرى بعد الإفراج لازالت مستمرة

غزة/ أمينة زيارة     

لاشك أن المعاناة النفسية للأسرى صعبة للغاية حيث لا يمكن لأي أسير محرر أن ينسى كم العذابات والآلام التي واجهها في السجن بدءا من اعتقاله وحتى التحقيق القاسي وانتهاء بالعزل الانفرادي.

ولازالت هذه العذابات والصعوبات ماثلة أمام عيني الأسير في كل مراحل حياته، وهناك من الأسرى من استطاع الخروج من هذه العزلة واستيعاب الواقع، وبعضهم استمر رفيق الظلام والهدوء والغرف المغلقة الشبيه بذاك السجن الذي عاش فيها وأفنى بين جنباته زهرة شبابه، "الرسالة" استمعت إلى تجارب مشرفة تخطت هذه العقبة وعاشت الواقع واندمجت به.

رجل مهتز

فتح الباب المغلق رجل ثلاثيني أُفرج عنه من سجون الاحتلال، عاش في العزل ستة أعوام، وتسرد قصته السيدة (ح. ش.) "للرسالة" قصتها مع زوجها الأسير المحرر قائلة: تزوجته بعد الإفراج بعامين، كان طريقه النضالي سبباً ودافعاً أساسياً للاقتران به.

وتضيف: رغم مرور ثماني سنوات على الإفراج إلا أنه لازال يعيش وحيداً ومنفرداً وكأنه في عزله الذي قضى فيه ما يقارب الخمس أعوام، وتكمل: أنجبت ثلاثة أولاد وبنتين، وشعرت بأنهم قد ينسوه واقعه الأليم، إلا أن المعاناة كما هي، وتمسح دمعة حرقت وجنتها: ثماني سنوات أعيش مع رجل أسير غرفته وكتبه وعمله، لا يشارك مجتمعه أفراحهم ولا أحزانهم وعندما أراجعه في الأمر يقول: في العزل عشت وحيداً وأحب أن أكون منفرداً بعيداً عن الناس وقد اعتدت على ذلك.

 أسير وغريب

في حين كانت تجربة الأسير المحرر والمبعد محمود عزام مدير عام إدارة تأهيل الأسرى والمحررين المكلف مختلفة، وقال أنه يتميز عن غيره في أنه استوعب الصعوبات التي واجهته، وساعده في ذلك سنوات من الغربة خارج الوطن " ست أعوام في السعودية، و12 في باكستان".

ويضيف: تجربة الاعتقال تختلف عن الغربة حيث الذلة والمهانة والأسر والضعف النفسي ، ورغم تلك الصعاب إلا أنني استوعبت كل هذه العقبات النفسية وهيأت نفسي كي أعيش تحت أقسى الظروف.

وقال أن هذه التجربة ساعدته في استيعاب صدمة لواقع، وأضاف أن الاستقبال الرائع من جميع أفراد المجتمع في غزة وانضمام جزء من أسرته ، خفف على نفسه.

 صعوبة التأقلم

ويبين عزام أن السجين يكون معزولاً عن المجتمع ويحب الاختلاء بنفسه، فيبدأ بتطبيق أمور الأسر كالأنوار المنخفضة والهدوء والراحة فيجد صعوبة في التأقلم مع المجتمع، وينوه إلى أهم المشاكل التي يواجهها الأسير المحرر وهي كيفية التعامل مع الزوجة والأبناء وهي مهمة صعبة حيث أصبح هناك فارق كبير بينه وبين الزوجة والأبناء، فالمعلوم أن التربية تكون بالتدريج وهنا الأبناء ينشئون على ظروف معينة حتى أنهم قد لا يقبلون نصائح الوالد باعتبارها تقييدا لحريتهم.

ويرى أن الأسير يحتاج إلى وقت كي يخرج من وضعه النفسي القاسي وعلى من حوله إخراجه من العزلة التي هو فيها، فيتلقفوه ويحاولوا دمجه بالمجتمع بكل عاداته وتقاليده ومشاركته أفراحهم وأحزانهم فهذا يخفف المصاب عنه، ويؤكد على أن الزوج المفرج عنه يحتاج لتأهيل نفسي واجتماعي من جديد، وكذلك الأسرة بكاملها تحتاج لإعادة تهيئة لتتكيف مع أوضاع ونفسيات وسلوكيات الزوج المفرج عنه لتقبل حياتهم الجديدة لذا على الزوجة أن تخفف عن الزوج الضغط النفسي والآلام لإخراجه من وضعه وعليها تطبيع الأبناء لتقبل نصائح ومتطلبات الأب.

ويشير مدير عام إدارة تأهيل الأسرى والمحررين المكلف إلى أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤسسات التي تعنى بالأسير كوزارة الأسرى وواعد والنور من خلال تكريمه في حفلات كبيرة تعطيه دفعة ليشعر بأن هناك من يهتم به ويحترم تاريخه النضالي.

ويضيف: هناك إجراءات التعليم الجامعي بحيث تسهل عليه الحصول على الشهادات الجامعية داخل السجن وخارجه حيث أن هناك مئات الأسرى من حملة الشهادات العليا داخل السجون وحصلوا على الشهادات وهم أسرى، وكذلك تقديم بعض المساعدات والبطالات والوظائف، وتسهيل مهمة أي أسير محرر وتأكيد حصوله على التامين الصحي المجاني.

دعم مجتمعي وعائلي

ومن جانبه يقول د. فضل أبو هين أستاذ علم النفس ومدير مركز الأزمات والتدريب المجتمعي: حياة الأسر لا يمكن نسيانها بمجرد خروجه من المعتقل فهي حياة صعبة للغاية وبالتالي تبقى الخبرات الصعبة ماثلة في حياة الأسير في نومه وأكله وجلساته، فعالم السجن ليس سهل حيث يبقى الانطباع داخل الإنسان عن الحياة التي عاشها.

ويضيف أن هناك حالات من البطولة والإبداع تجسدت في الأسرى المحررين الذين واصلوا تعليمهم الجامعي حتى الدكتوراه داخل السجن، كما أن مبادرة المصالحة الوطنية خرجت من السجن فهذا السجن يجمع الأبطال والمفكرين والأئمة ويوحدهم داخله، فهذا المعتقل جامعة وليس من السهل على المفرج عنه أن يتواءم مع الخارج بسهولة بل يحتاج لوقت معين.

ويبين أن اختلاف أجواء السجون وأماكنها والخبرة القاسية تؤثر على نفسية وجسد الأسير حيث يجلس هذا الأسير في غرفة واحدة مظلمة وقد تؤثر على الرؤية وإصابته بضغط الدم وأمراض جلدية وحالات ضيق التنفس وهذه الأمراض أصابتهم نتيجة نقص الخدمة الطبية، إضافة إلى الأمراض النفسية وقد لا تكون ملاحظة داخل السجون من قبل الحراس ولا يقتنع بها السجان حتى يعالج الأسير.

ويواصل: اختلاف فترة الاعتقال الزمنية ونوعه يؤثر على الأسير فمنهم من يجلس في السجن الانفرادي ويعيشون العزلة كذلك سجن النقب الصحراوي يختلف سجن المجدل، والأسير الذي اعتقل لأكثر من عشر سنوات في مكان معين وفي ظل أوضاع قاسية لا يستطيع التكيف بسرعة مع المجتمع لذا نجده يميل للعزلة والانطواء.

ويشير د. أبو هين إلى أن للأسرة والزوجة دور كبير في حياة الأسير فهي الحاضنة الاجتماعية الأولى للأسير المفرج عنه فهي تراعي حياته لذا يجب أن تتعامل معه حسب عاداته وتقاليده وسلوكياته وتقبلها لأن الفترة تجذرت داخل السجين وخلقت نمطا معينا.

ويضيف: يحتاج الأسير إلى تأهيل حتى يتم تهيئة الطاقات وتوجيهها بحيث يتم توظيفه في مكان يستطيع خدمة أبناء وطنه وهنا يأتي دور المؤسسات المعنية بالأسرى وهذا الدور ملقى على وزارة شؤون الأسرى والمحررين المختصة بتأهيل الأسرى واستثمار طاقتهم.

البث المباشر