من بين ثناياها خرج منتفضًا كما ثورة الجبل التي يسكنه، حيث استمد المقدسيان علاء أبو جمل وبهاء عليان وغيرهما علو الشأن والعزة من مكانتها التاريخية وتكبير الخليفة عمر بن الخطاب يوم أن دخلها فاتحًا مكبرًا فأمست بلدة جبل المكبر أيقونة انتفاضة القدس.
تلك القرية التي تقع الى الجنوب الشرقي من القدس وإلى الشّرق من خط سكة الحديد العثمانية القديمة تبرز اليوم كحاضنة للثوار والتي تشمل عدد من العشائر ومنها عائلات الشهداء كعليان وعبيدات وأبو جمل هلسة والجعابرة، والسرخي، البشير، عويسات، شقيرات، مشاهرة، الزعاترة، وغيرها.
التوسع الاستيطاني
من هذا الجبل الذي تحدّه من الشّرق قريتا أبو ديس والسّواحرة الشّرقية، ومن الشّمال سلوان والبلدة القديمة، وإلى الغرب الثوري وصور باهر، وإلى الجنوب الشّيخ سعد خرجت مجموعة من خيرة شباب القدس تدافع عن المسجد الأقصى والمرابطات بحسب سامر صيام مدرس علوم مقدسية ويقول:" خرجوا دون أي انتماء لأي حزب أو جماعة وكان من بينهم صاحب فكرة أطول سلسلة بشرية قارئة حول سور القدس، "هم خير مثال للشباب الثائر الواعد".
تكبيرات منفذي عمليات الطعن في عملية الباص لبهاء عليان وبلال غانم وعملية الدهس لعلاء أبو جمل خلال الانتفاضة الحالية تعيدنا الى الخلفية التاريخية للبلدة حيث سمّيت جبل المكبر بهذا الاسم نسبة إلى أن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب كبّر على تلة القرية بعد الفتح الإسلاميّ للقدس عام 673 م.
حديثنا عبر الهاتف مع المقدسي صيام عكس حجم المشاكل والتحديات التي تواجه الحي ومن أبرزها التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي منذ احتلالها عام 1967، حيث تعرضت لموجات من مصادرة الأراضي لغرض بناء المستوطنات والشّوارع الالتفافية.
فقد صادرت سلطات الاحتلال عامي 1973 و2004 ما يقارب 14% من مجمل المساحة الكليّة للقرية - أي 684 دونماً لصالح بناء مستوطنة "شرق تلبيوت" (1973)، ومستوطنة "نوف تسيون" (2004).
سنوات إهمال ومشاكل
ولم يقتصر الأمر على أزمة الإسكان في الحي حيث يعاني من مشاكل في التعليم ويقول صيام: "هناك نقص يقدّر بحوالي 80 صفاً دراسياً في القرية والمسؤولية في ذلك على بلدية الاحتلال التي تمنع السّكان من بناء المدارس".
القرية التي تقدر مساحتها بـــــ 5021 دونما أدت سنوات الاهمال وغياب الميزانيات المخصصة لها من بلدية الاحتلال إلى أن تكون بدون خدمات أساسية مثل ممرات المشاة وإضاءة الشوارع.
وفيما يخص البنية التحتية والخدمات أوضح صيام أن سكان جبل المكبر يدفعون الضّرائب لبلدية الاحتلال، لكنهم يحرمون من أبسط الخدمات البلدية التي يتمتع بها الإسرائيليون، مشيرًا الى أن شوارع البلدة خطرة ويصعب الوصول إليها، وبعضها معدومة الأرصفة والإضاءة وأغلب البيوت غير موصولة بشبكة الصرف الصحي.
في حين لم يسلم الواقع الزراعي من المشاكل فحسب المقدسي فإنه رغم أن القرية ما زالت تحتفظ بمساحات من الأراضي الزراعية _هناك 1549 دونماً مُصنفة كأراضٍ صالحة للزراعة_ فإن قطاع الزراعة ضعيف جداً.
عدنا بالزمن الى ما قبل النكبة، حيث احتضنت البلدة آنذاك الكلية العربيّة، وبعد انتهاء فترة الانتداب البريطاني في 17 أيار 1948، وضع المندوب السامي البريطاني على فلسطين "آلان كنينجهام" الكلية العربية تحت إدارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وبحسب الروايات التاريخية فانه وقبل نكبة 1948، حاول أحمد حسين هرماس، أحد الموظفين في دائرة التربية والتعليم آنذاك، أن يحمي مكتبة الكلية من النهب ونجح في نقل 13 ألف كتاب قبل أن تسيطر العصابات الصّهيونية على المبنى وتسرق بعضاً من الكتب القيمة المتبقية.
النسيج المجتمعي تأثر هو الآخر بجدار الضّم والتوسع حيث يفصله عن الضّفة الغربية، وعن قرى مقدسية واقعة داخل مناطق الضّفة مثل السّواحرة الشّرقية والشّيخ سعد، وبينها وبين جبل المكبر صلات اجتماعية وتاريخية وثيقة.
رغم الواقع المرير والتحديات التي تواجه بلدة جبل المكبر وسكانها الا أنها استطاعت أن تنجب ثوار افتخرت بسكاكينهم الانتفاضة.