يشكل الصحافيون عنصراً فاعلاً جداً في جيش التحريض على الفلسطينيين، وإطلاق الدعوات إلى المزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى التي كانت إحدى أهم شرارات الانتفاضة الثالثة المتواصلة.
من بين أبرز هؤلاء الذين يشاركون بفعالية كبيرة في الاقتحامات حتى، أرنون سيغل، نجل الصحافي الإسرائيلي حجاي سيغل، عضو التنظيم السرّي الإرهابي اليهودي سابقاً، الذي خطط لتدمير المسجد الأقصى في ثمانينيات القرن الماضي، كما كان ضمن الإرهابيين اليهود الذين خططوا لتفجير حافلات تقل مئات الفلسطينيين، بتوجيه من قبل الحاخام دوف ليئور، الحاخام الأكبر لمستوطنة "كريات أربع"، الذي يحظى بمكانة خاصة لدى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي وصف ليئور بأنه بمثابة "السرية القتالية التي تقود شعب إسرائيل".
يرأس سيغل الأب حالياً تحرير صحيفة "ميكو ريشون" اليمينية، التي تعود ملكيتها للملياردير اليهودي الأميركي شيلدون أدسلون، الذي يعدّ من أهم داعمي نتنياهو.
في حين يعد سيغل الابن، من أكثر العناصر اليمينية تطرفاً، ويقود يومياً مجموعات المقتحمين للمسجد الأقصى، بحيث ينشط في صفوف طلاب الجامعات اليهود، ويشارك في قيادة عدّة منظمات متطرفة تحت مسميات من أبرزها "طلاب من أجل الهيكل" و"نساء من أجل الهيكل". ويعتبر بوقاً إعلامياً لأهم هذه المنظمات الصهيونية المتطرفة، وهو أشد الداعين إلى بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى ومن أكثر المقتحمين له برفقة إيهودا غليك. وهو يشرف على صفحة شؤون جبل الهيكل في الصحيفة نفسها.
وتتفرع أنشطة سيغل الابن في أكثر من اتجاه، بحيث يلاحق أطفال الأقصى خلال كل اقتحام يشارك فيه، ويقوم بتصويرهم لتقديم البلاغات بحقهم ومنعهم من اللعب، كما يتجسس على عمّال لجنة الإعمار ويقوم بتصوير ما يقومون به من أعمال ترميم وتقديمها للكنيست على أنها أعمال تخريب وإزالة لآثار الهيكل المزعوم.
وفيما يتمتع سيغل الابن بعلاقات وثيقة بدوره، مع الحاخام المتطرف إيهودا غليك، الذي نجا من محاولة اغتيال نفذها ناشط من حركة "الجهاد الإسلامي" قبل أكثر من عام، فإن نجل غليك يعد من أقرب الأصدقاء لسيغل، وقد شاركا معاً في الشهر الماضي باقتحامات الأقصى، وتزعما إحدى المجموعات المقتحمة، وتعمدا التقاط صور لهما مع أفراد من شرطة الاحتلال قبالة مسجد الصخرة المشرفة.
يعمل غليك الأب على تمكين اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى، وهو زعيم منظمة "هاليبا"، وهي ائتلاف من جماعات يهودية متطرفة تهدف لتحقيق الولوج الشامل إلى جبل الهيكل. كما يرأس مؤسسة "تراث جبل الهيكل". وعمل سابقاً مديراً تنفيذياً لمعهد الهيكل. وهو يعيش في مستوطنة "عتنائيل" المقامة على أراضي بلدة السموع جنوب الخليل.
سبق للرجل أن تقلد في السابق مناصب عدة، منها العمل لمدة عشر سنوات في وزارة الاستيعاب والهجرة، وكان متحدثاً باسم الوزير السابق بولي أدلشتاين، ومدير العلاقات لمركز الهوية اليهودية، ومدير مكتب عسقلان الإقليمي.
وإلى جانب هؤلاء الذين يرتبطون بشكل وثيق بالإعلام الإسرائيلي، تعج مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية بالتحريض على القتل، وسوء معاملة الفلسطينيين في ما يتعلق بالمسجد الأقصى والمرابطين، من خلال آراء موغلة في التطرف والعنصرية، منها ما ورد من تعليقات تدعو إلى قتل جميع هؤلاء "المخربين"، تعليقاً على صور لمرابطين ومعتكفين يتصدون لاقتحام قوات الاحتلال للأقصى.
ولا تقتصر المواقف التحريضية هذه على المسجد الأقصى والمرابطين فيه، بل تتعداها إلى ميادين أخرى، مثل تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتدعو إلى انتهاك آدميتهم، كما ورد في تعليقات على استشهاد هديل الهشلمون، ونشر صورتها عارية بعد قتلها، بحيث ورد في أحد التعليقات "هل قامت هذه المخربة بتسريح شعرها قبل أن تقوم بعملية الطعن؟".
وسبق ذلك قيام موقع "حدشوت" العبري الإخباري بالتحريض على الأسير المقدسي المحرر عبيدة عطون من بلدة صور باهر جنوب القدس المحتلة. ونشرت صفحة "حدشوت" على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، صورة للأسير المحرر وكُتب عليها: تحذير للمواطنين الإسرائيليين بضرورة إبداء الحيطة والحذر بأن عبيدة عطون شاب من بلدة صور باهر يخطط لعمل (تخريبي) في موقع ساحة البراق، وعلى الجميع التعاون من أجل إلقاء القبض عليه، وفي حال مشاهدته يجب الاتصال بالشرطة فوراً على رقم 100".
كما ظهرت تعليقات عنصرية على الخبر، تطالب بقتل الأسير عطون. علماً بأن موقع "حدشوت" يعتبر من المنابر الإعلامية النشطة والتي تحرض على الشعب الفلسطيني بشكل دائم.
ومن مظاهر التحريض على موقع "فيسبوك"، استبدال الكثير من نشطاء الاحتلال أسماءهم، بعبارة "الموت للعرب"، وهي من أكثر العبارات التي يرددها اليمينيون في إسرائيل وفي مناسباتهم الدينية ومسيراتهم في القدس والضفة المحتلتين، ويتخذها فتية التلال، المتهمون بعضوية التنظيم الإرهابي "جباية الثمن" شعاراً لهم يخطونه على مساجد وكنائس وممتلكات لفلسطينيين اعتدي عليها.
وفي هذا السياق، يكتب ران، وهو فتى إسرائيلي يبلغ من العمر 14 عاماً في حسابه على "فيسبوك"، إنه اتخذ "الموت للعرب" كاسم لحسابه "لأنني أدرك أنه يتوجب قول الحقيقة، ليس لأي عربي الحق في التواجد على هذه الأرض، ببساطة يجب أن ينصرفوا من هنا".
وتلقى مثل هذه المواقف والآراء من يدافع عنها في أوساط سياسية وأكاديمية وحتى أمنية عديدة في إسرائيل. فقد دافع نائب رئيس الكنيست يونان ميغال، الذي ينتمي لحزب "البيت اليهودي" عن التغريدات التي كتبها أخيراً في حسابه على "تويتر"، والتي سخر فيها من الأمة العربية وقيمة ما قدمته للبشرية.
وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة "القناة السابعة" التابعة للمستوطنين أخيراً، قال ميغال: "يتوجب عدم إبداء الحساسيات بدون فحصها على ضوء الحقائق، ماذا قدم العرب للبشرية على مدى مائتي عام. لا يوجد للعرب إسهام يذكر في بناء الحضارة الإنسانية، لذلك هم محبطون ويفترضون أن العالم سيتحمل تبعات إحباطهم".
أما البروفيسور دان شفتان، الذي يعد أبرز المستشرقين الإسرائيليين، فقد قال في محاضرة أمام ضباط كبار من جيش الاحتلال والأجهزة الاستخبارية وموظفين من وزارة الخارجية الإسرائيلية، إن العرب يمثلون "أكبر فشل في التاريخ. ففي الوقت الذي يتقدم فيه العالم تكنولوجيا، فإن العرب يتنافسون في صنع أكبر صحن حمص وكنافة".
ولا يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن تقديم الدعم لقادة التيار الديني الصهيوني الذين يحرضون على قتل الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم، وفي مقدّمتهم رئيسة المجلس المحلي في مستوطنة "كدوميم"، دانييلا فايس، الرئيسة السابقة لمجلس المستوطنات اليهودية، والمسؤولة عن احتضان أعضاء تنظيم ما يعرف بـ"فتية التلال" الإرهابي، الذي يتولى مهمة السيطرة على الأراضي الفلسطينية الخاصة وبناء نقاط استيطانية عليها.
يقول سرحان السلايمة، وهو أسير سابق محرر ومختص في الشؤون الإسرائيلية، إن التحريض سمة في الخطاب الإسرائيلي الرسمي وحتى الشعبي. وهو خطاب يحمل الكثير من المواقف والآراء العنصرية. ويضيف "ما يصدر من تصريحات عن المستوى السياسي الإسرائيلي يسهم إلى حد كبير في شيطنة الفلسطيني، ووصمه بالإرهاب والإجرام والتعطش للدماء".
بدوره، يرى الخبير المتخصص في شؤون القدس والأقصى والاستيطان، جمال عمرو، أن الإسرائيليين اعتادوا على الدوام اتباع سياسة "خير الدفاع هو الهجوم". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "هذا الخطاب خطير جداً، سيفضي إلى حرب دينية لا محالة. ويكفي أن نشير إلى ما كتبته صحيفة (يديعوت أحرونوت) قبل فترة، إذ ورد في عنوان مقال للكاتب اليميني الياكيم هتسعني: "الملك الأردني (ينفلت) علينا والأردن هو فلسطين. الملك الأردني ينفلت مرة أخرى علينا، يعزو لنا (استفزازات أخرى) في الحرم، ويهدد بالمس بالعلاقات بين الدولتين. أما إسرائيل، على عادتها، فتسكت. لماذا؟ إلى هذا السؤال تنضم أسئلة أشد قسوة، مثل لماذا سلمت إسرائيل بالذات للأردن السيطرة الفعلية على الحرم، فهو الذي يعين الأوقاف، هو المقرر الأخير في كل إصلاح للسور، الفيتو له يفشل بناء جسر آمن ومحترم إلى باب المغاربة؟"
يضيف هعتسني في مقاله "لماذا نال ذلك؟" هل لأنه اجتاح غرب الأردن، قصف بإجرام القدس، دمر حارة اليهود وخمسين كنيساً. دنس الشواهد على جبل الزيتون، منع كل سنوات حكمه وصول اليهود إلى أماكنهم المقدسة، بما فيها المبكى، رغم تعهده في اتفاق الهدنة في العام 1949؟ ولعله يستحق جائزة على جعل القدس (العربية) بلدة مهملة؟"
في تعليقه على ما ورد في المقال، يقول عمرو "هو مقال مستفز للغاية ويحمل دلالات سياسية ولغوية خطيرة، علماً أن الانفلات تعبير يستخدم في الإشارة إلى حركة الحيوان، وبالتالي هو يصف الملك الأردني بالحيوان المنفلت، ولا يعترف بالمملكة الأردنية كدولة قائمة، بل هي وطن الفلسطينيين".
العربي الجديد