مع استمرار غليان أحداث انتفاضة القدس للشهر الثاني على التوالي، استطاعت عملية الخليل الأخيرة إرباك المنظومة الأمنية للاحتلال من جديد وكشف عجز قدرة جهاز المخابرات على ضبط وسيطرة ما يجري على الأرض، وذلك بعد أن تمكن ونجح مقاومون في نصب كمين محكم لعدد من المستوطنين بإطلاق النار عليهم والانسحاب بهدوء من المنطقة.
وأسفرت العملية التي حدثت بالقرب من مستوطنة "عتنائيل" جنوب الخليل عن مصرع مستوطنين وإصابة ثالث بجروح طفيفة فيما أصيبت ثلاث نساء وطفل بحالات هلع وهؤلاء من أكدت المصادر (الإسرائيلية) أن المنفذين تركوهم بسلام بعد أن تأكدوا من مقتل المستوطنين.
الحدث الأقوى
عملية الخليل والتي تعد الأقوى منذ اندلاع أحداث انتفاضة القدس تضاف لعدة عمليات قنص وطعن وقعت في الخليل خلال الأسبوعين الماضيين رغم التعزيزات العسكرية الكبيرة في الخليل طوال الأسابيع الماضية.
على ضوء هذه التطورات أكدت بعض القراءات (الإسرائيلية) التي تناولت تفاصيل هذه العملية أن ما حدث أدخل الانتفاضة الجارية مرحلة جديدة من التصعيد وذلك عبر التركيز على المستوطنين بمناطق التماس الاستيطاني مع البلدات والقرى الفلسطينية ما يستدعي حسب تقديريات الاحتلال اجراءات جديدة لوقف التصعيد الحالي.
القناة العبرية الثانية أشارت إلى أن منفذي العملية عقدوا من مهمة جهاز "الشاباك" في ملاحقتهم وإمكانية الوصول إليهم، منوهة أن المنفذين أقدموا على حرق السيارة التي استخدمت في العملية بإحدى المناطق المهجورة قرب دورا جنوب الخليل وهو ما حصل في عملية خطف المستوطنين الثلاثة العام الماضي.
مراقبون بالشأن (الإسرائيلي) أكدوا أن عملية الخليل شكلت ضربة أمنية كبيرة في خاصرة جيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية وذلك بعد نجاح المقاومين من تنفيذ هجوم إطلاق النار والانسحاب بسلام رغم حالة الاستنفار لجيش الاحتلال في المنطقة المحيطة.
كما أشاروا في سياق حديثهم "للرسالة نت" أن ما حدث يشكل أيضا تحديا قويا للدعاية (الإسرائيلية) التي تحاول تشويه صورة النضال الفلسطيني، وذلك بعد امتناع المقاومين من قتل الأطفال المتواجدين بمكان العملية رغم اقتراب المنفذين منهم من مسافة الصفر.
المختص في الشأن (الإسرائيلي) فتحي بوزيه يؤكد أن العملية التي وصفها بالبطولية تثبت من جديد أنه مهما تصاعدت جرائم الاحتلال والمستوطنين ضد أبناء القدس والضفة المحتلة فإنها لن تمر دون عقاب وستجد لها رادعا وردا فلسطينيا بأي وقت ومكان.
ولم يكتف بهذا القدر بل يرى بوزيه أنها وجهت رسائل قوية لجيش الاحتلال مفادها بأن كافة إجراءاته وجرائمه المتواصلة وحصاره لمدينة الخليل باتت فاشلة ولن تنجح في كسر إرادة الصمود والمقاومة لدى الفلسطينيين في الضفة.
كما وأكد في الوقت ذاته أن الاحتلال يعيش في هذه الآونة حالة من التخبط والإرباك المتواصل نتيجة فشل أجهزته وعجزها في منع مثل هذه العمليات المتكررة التي نشرت الرعب والهلع لدى المستوطنين وجنود الاحتلال.
نقلة نوعية
وعلى ضوء هذه التطورات، معلقون بالشؤون العسكرية بالقنوات التلفزيونية (الإسرائيلية) أجمعوا على أن التقديرات الاولية لجهاز المخابرات (الإسرائيلية) تشير إلى أن احتمالين مركزيين بخصوص هوية منفذي هجوم الخليل هما حركة حماس أو حركة الجهاد الاسلامي.
فالمعلق الون بن دفيفد نقل أقوال مصادر بجهاز المخابرات (الإسرائيلية) "الشاباك" بأن الأخير مقتنع أن خلية نائمة تابعة إما للجناح العسكري لحماس أو خلية تابعة للجهاد، منوها أن جيش الاحتلال أحبط عملية ضخمة قبل بداية الانتفاضة الحالية حيث كان تنوي خلية عسكرية مسلحة تابعة للجهاد تنفيذها في بلدة دورا.
الفصائل الفلسطينية سارعت في مباركة عملية الخليل حيث أكدوا أنها تأتي ردا طبيعيا على جرائم الاحتلال وتمثل نقلة نوعية في مسيرة انتفاضة القدس المستمرة ردا على جرائم (إسرائيل).
في المقابل استنكر رئيس السلطة محمود عباس هذه الحادثة كون مثل هذه العمليات وفقا لبعض مراقبون يهدد وجود سلطته ويحرجه أمام الاحتلال لاسيما وأن التوجه السياسي والأمني لديه قائم على مزيد من التنسيق لمنع هذه العمليات والعمل على تقويضها.
تطور نوعي
حاتم أبو زايدة مختص في الشئون (الإسرائيلية) يؤكد أن أهمية العملية تكمن أنها جاءت في إطار تطور المقاومة وأداء الانتفاضة، قائلا: "الدوائر الأمنية والقيادة السياسية داخل (إسرائيل) كانت تتوقع أن تقتصر الهبة الجماهيرية لعدة أيام واسابيع قليلة ما بين رشق الحجارة وبعض عمليات الطعن هنا وهناك ".
لكن حسب رؤية أبو زايدة يوضح أنه تبين لدى (إسرائيل) مع ظهور نوعية عملية الخليل أن هناك تطور نوعي في الانتفاضة باتجاه عمليات منظمة تقوم بها فصائل مقاومة، مضيفا: "وذلك ما تخشاه الدوائر العسكرية في الكيان التي ترى أنها ستشكل بداية لسلسلة عمليات أخرى في المستقبل.
ومن المؤكد وفقا لأبو زايدة أن الاحتلال يرى ان عملية الخليل ستشجع الخلايا النائمة بالضفة المحتلة في المضي قدما في تطوير الانتفاضة واستهداف المستوطنين والجيش خلال الأيام القادمة، منوها أن هذا الواقع جعل (إسرائيل) تعيش في ورطة أمنية كبيرة وأمام انتفاضة حقيقية تتطور.
وطالما استمرت حالة الاحتقان وعدم وقف الاعتداءات بالأقصى والضفة وحصار غزة توقع المختص بالشأن (الإسرائيلي) تواصل مثل هذه العمليات وهو ما سيدفع بالاحتلال الى اتخاذ اجراءات ميدانية تتمثل في تعميق التنسيق الأمني وممارسة ضغوط سياسية على السلطة، بالإضافة إلى توسيع عمليات الاعتقال ومزيد من الهجمات والمداهمات.
وكان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" افيغدور ليبرمان قد دعا إلى اغتيال وتصفية قادة حماس والجهاد الاسلامي في قطاع غزة لمباركتهم عملية الخليل.