قائمة الموقع

رمضان في الأنفاق.. صلاة في باطن الأرض وفطور بين البضائع

2009-09-13T13:36:00+03:00

رفح- أمين خلف الله                                  

طافت أسماء العشرات ممن قضوا في أنفاق الموت بشتى الطرق في ذاكرة " الرسالة نت" عند تعلقها بحبل سلكي، والتدلي من فتحة نفق إلى باطن الأرض، غير مكترثة بخليط الحجارة والطين والأخشاب التي تحيط بجوانب النفق مثل الدوامة الدائرية.

رهبة الموقف انجلت بمجرد أن وطأت "الرسالة" قدميها أعماق الموت في ظل أجواء رمضانية  حارة وساعات صوم طويلة .

                                               * رحلة الخوف

ظلمة الأعماق تبددها أضواء متناثرة على جانبي النفق، وفي مكان لا يزيد عرضه عن المترين كانت هناك وجوه غطى التعب محياها، ودفعهم حر الصيف للتخفيف من ملابسهم،  لسحب سبعة حاويات زرقاء مليئة بالرمال  قادمة من عمق النفق الذي يصل عمقه الى 750 متر، يسحبها محرك قوي حيث يحولوها الشبان إلى (الرافع )لتصل لأعلى البئر(العين) لتفرغ خارج النفق".

توقف الشاب عصام عن سحب (البايلات) وهو يمسح العرق عن جبينه ويقول " هناك عمال في عمق النفق  ينتظرون الموت في كل لحظة فما بين الغاز القاتل الذي يضخه الأمن المصري في النفق إلى الماء الذي يدفعوه  بكميات مهولة لينهار النفق، مشيرا إلى أن الكهرباء تعتبر الخطر الأكبر، لأنها تأتي من كوابل تحت الأرض من الأراضي المصرية ولا يوجد فيها أمان حياة ومات البعض صعقا.

وأضاف :" لا نستطيع الخروج من النفق  عند تحذيرنا  بواسطة (الانتركوم) من قصف للاحتلال وشيك فنظن انه آمن لنا أن نبقى في عمق الخط .

جدير ذكره أن أكثر من 120 موطنا قضوا في الأنفاق، في حين دمر الاحتلال 40 نفقا في قصفه للشريط الحدودي مع مصر، وأعلنت مصر أنها دمرت أكثر من 200نفق خلال الأعوام الماضية.

*مشقة مضاعفة

احمد شاب صغير لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره يقول "للرسالة" وقد بدا الخوف على محياه:" ايش اعمل فش شغل أنا أعيل عشرة أشخاص من أسرتي  والدي كبير السن ولا يوجد مهنة أخرى، مشيرا إلى أنه يعمل يوميا اثني عشر ساعة بدون توقف في الليل "

ويشكو أحمد من استغلال مالكو الأنفاق للصبية، ومماطلتهم في دفع الأجرة ، فهم لا يجدون أي جهة رسمية تتابع وترد حقوق العمال.

وأضاف:"عند نزولي أمشي من رأس "البئر" إلى "الدشمة" الأولى زحفا على قدمي، لافتا إلى أن هناك أنفاق يسير العامل بها منتصبا وأخرى يحني ظهره".

وذكر أن قلة من العمال توافق على العمل في  نهار رمضان المرتبط بالمشقة المضاعفة مشقة الصيام والعطش في جو حار، وساعات الصيام الطويلة، فالعمل كثير وأصحاب الأنفاق يطلبون مزيدا من العمال ولكن قلة يوافقون مع احتمال اضطرارهم للإفطار".

ويفضل الغالبية العمل في ليل رمضان، ومنهم من يصلى التراويح، وينزل للعمل، وآخرون يصلون في باطن الأرض بين (البايلات وفي الدشم ) وقت الاستراحة، ومنهم من يكتفي بصلاة العشاء، لان لا وقت عنده لصلاة التراويح فالعمل كثير ومرهق".

حاجيات رمضان

يقول محمد الشاعر شريك في احد الأنفاق" للرسالة":" عوامل كثيرة تؤثر في سرعة حفر الأنفاق وعدد الأمتار التي ينجزها العمال فبعضها يتعلق بالأدوات المتوفرة وقوة المحركات، وتوفر الكهرباء، وبعضهما يتعلق بخبرة العمال، وسرعة وحرفية من يقوم (بالقطع)، ومنها ما يتعلق حجم(الخط)النفق واتساعه وطوله والمسافة التي تقطعها البايلات في حملها ".

وذكر أن نسبة كبيرة من المواد الغذائية المرتبطة برمضان دخلت من الأنفاق ، في حين لا يزال الطلب كبير على الاسمنت الذي نعاني جدا في إدخاله لثقل وزنه.

ويقاطعه الشاب خالد أثناء سحبه لأكياس كبيرة من فتحة النفق قال:"  قرطاسيه أولاد المدارس لم تدخل إلا بكميات قليلة وكل شئ نحضره حسب طلبات التجار وحاجة السوق"

وأضاف انه لا يعمل في رمضان إلا ثلاثة أيام في الأسبوع ليلا لأنه لو تعب كثرا قد يضطر للإفطار ".

ومع ساعات الفجر الأولى يتوقف العمال لتناول سحورا خفيفا حتى لا يؤثر سلبا على أدائهم، ويصلون الفجر في باطن الأرض  ليكملوا ا مسيرة عملهم بين (التكيس) والسحب والرفع إلى ساعات النهار الأولى، ومن ثم يعود العمال الذين سكنوا جوف الأرض إلي بيوتهم.

وكان شابان لقيا مصرعهما وأصيب ثلاثة آخرون أول أمس، نتيجة انهيار نفق على الشريط الحدودي مع مصر.

وتبقى أنفاق  التهريب تبتلع زهرات الشبان الغزيين الذين تقطعت بهم سبل العيش، ولم يجدوا بديلا سوى العمل في عتمة تسودها رائحة الموت من كل جانب.

 

 

 

اخبار ذات صلة