يمكن القول بعد ما يزيد عن 60 يوما من اندلاع انتفاضة القدس، إن الاحتلال الإسرائيلي أثبت عجزه عن مواجهة الموجة الثورية، بدليل أن الأمن استنفد كامل العقوبات المنصوص عليها في لوائح الدفاع لساعة الطوارئ التي تم إقرارها عام 1945، في التعامل مع منفذي عمليات الطعن والدعس وإطلاق النار.
حتى إن عقوبة "هدم منازل منفذي العمليات" التي اعتقد الجيش بإمكانية أن تحقق جزءا من الردع، انعكست عليه برد فعل عنيف، ورغبة شديدة في الانتقام، وآية ذلك عمليات الثأر البطولية التي نفذها شبان فلسطينيون؛ انتقاما لقتل أفراد من عوائلهم.
وهذا الأمر بلغ بالأمن الإسرائيلي للتفكير جديا في استحداث عقوبة من شأنها تفادي نزعة الثأر لدى الفلسطينيين، بنقل سكن أسر منفذي العمليات من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، بشكل أشبه بـ "الإقامة الجبرية"، رغم أن جهاز القضاء الإسرائيلي يقضي "بعدم وجود أي عقوبة على الأسرة بسبب عملية نفذها أحد أبنائها، إلا إذا كان هناك تعاون أو تم تحديد تضامن علني من أبناء الأسرة لذلك الفعل".
وقد أعلن مؤخرا موشي يعالون وزير الحرب الإسرائيلي، عن سلسلة من الإجراءات الأمنية؛ بهدف وقف الهجمات على أهداف إسرائيلية، وقالت القناة العبرية الثانية إن "الخطوات الأربعة التي تم إقرارها، اعتقالات واسعة في صفوف حماس لعدم تمكينها من تنظيم نفسها والمشاركة في الأحداث القائمة، ومنع العمال من دخول مجمع غوش عتصيون الاستيطاني، وإلغاء تصاريح أقرباء منفذي العمليات، إضافة لدراسة إمكانية ترحيل المحرضين من الضفة اتجاه غزة".
ومع ذلك، لا يبدو أن الأمن الإسرائيلي يجزم بجدوى هذه الخطوات في وقف إراقة الدماء، من مبدأ أن ردع "شخص محبط" يريد تنفيذ عملية طعن بسكين، وليس له أي ماض أمني، واعتراض سائق يريد تنفيذ عملية دهس، هو أمر نادر في عالم المخابرات والتجسس.
لكن الحاجة الإسرائيلية الملحّة للأمن في ظل الاعتراف غير المُعلن بالعجز، قد يفرض على الأمن اعتماد أساليب ناعمة والتفافية، في سبيل تقييد الانتفاضة ولو بالحد الأدنى، وإزالة الحواجز أمام عودة الهدوء، كاعتماد بادرات حُسن نية اقتصادية، والإفراج عن عدد محدود من الأسرى، تكون أشبه بخلايا مضادة، مع فارق أن انتفاضة القدس ليست جسما غريبا على (إسرائيل).
بيد أن هذه الإجراءات هي بمنزلة أحجار صغيرة على طريق عودة الهدوء، خصوصا أن عوامل الاستفزاز الإسرائيلي أكبر من مسألة تضييق معيشي على الفلسطينيين بالضفة والقدس، بل تتعدى ذلك إلى مشاريع احتلال وتهويد ومصادرة حقوق، أقرب إلى معركة وجود.
وقد اعترفت صحيفة هآرتس العبرية، بأن هذه الانتفاضة من حيث قوتها، هي الأقل من بين الانتفاضات التي سبقتها، لكنها خلقت وضعا جديدا، وقالت إن الشيء الذي تغير هو استعداد ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة فلسطينيين لتنفيذ عملية طعن في ظل وجود نية "الاستشهاد" في نفوسهم.
وذكرت أن هذه الحالة غيرت أسس الواقع واستطاعت أن تزرع الخوف في الشوارع والمواصلات العامة والمراكز التجارية، وأدت إلى انتشار غير مسبوق للشرطة والجيش في الشوارع والأسواق.
وأظهر استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أن 77% من الإسرائيليين أعربوا عن شعورهم بفقدانهم لأمنهم الشخصي، منذ بداية انتفاضة القدس، منهم 52% قالوا إنهم لا يشعرون بأمن كبير، في حين أجاب 25% منهم بأنهم يشعرون بانعدام الأمن.
وأورد مصدر مسؤولة في قيادة المنطقة الوسطى أن نهاية "موجة العنف الحالية" لا تبدو في الأفق، وكشف أن الجيش ذاهب إلى تعزيز القوات وتجنيد الاحتياط مع بداية السنة الجديدة، انطلاقا من فرضية أن هذه الموجة ستستمر، وستشهد تصعيدا أكبر بكثير.
إسرائيل بعد مرور شهرين من عمر الانتفاضة، باتت تهجس بالأذى ولا تقدر عليه، وقد نجحت الانتفاضة في تعطيل وظائف الجهاز المناعي لديها، ومسألة انهيارها ليست مستبعدة إذا ما استشرت بقوة في كامل الأراضي الفلسطينية.