لا يكتفي النظام الرسمي العربي فقط بالتهافت على تطوير علاقاته مع الكيان الصهيوني، تحديداً في الوقت الذي يتعاظم فعل آلة البطش الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني على النحو الذي يلحظه العالم؛ بل إن الصهاينة اتجهوا أيضاً لتوظيف هذه العلاقات لمواجهة أحرار العالم الذين يطالبون بمقاطعة هذا الكيان ومعاقبته على جرائمه ضد الإنسانية.
الحجة التي يستند إليها الصهاينة في مقارعتهم العالم بسيطة لكنها محرجة بعض الشيء، حيث يقولون إنه يتوجب على دول العالم أن تبني علاقاتها مع (إسرائيل) بمعزل عن سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، تماماً كما تفعل بعض الدول العربية، التي باتت تجاهر بكثير من مظاهر التعاون ومناشط التواصل الدبلوماسي والسياسي والثقافي والرياضي مع (إسرائيل)، على الرغم من أن (تل أبيب) تواصل سياساتها القمعية ضد الشعب الفلسطيني.
ولسان حال الصهاينة يقول: "لا يمكن للنخب الغربية أن تكون ملكية أكثر من الملك، فهل يعقل أن الحكام العرب يواصلون التعاون معنا على الرغم مما يحدث حالياً ثم هناك من يضغط على الحكومات في الغرب لمقاطعتنا؟"، كما قالت نائبة وزير الخارجية الصهيوني تسيفي حوطبيلي.
نخب الحكم في (تل أبيب) تعد توجه بعض الحكومات العربية لإخراج علاقاتها مع (إسرائيل) من طور السر إلى العلن على أنه مؤشر على تراجع مكانة القضية الفلسطينية في العالم العربي، على اعتبار أن الاهتمام بهذه القضية لم يعد مصدراً من مصادر شرعية الأنظمة العربية.
في (إسرائيل) يعون تماماً أن الأنظمة التي تشكلت في العالم العربي بعد النجاحات التي حققتها الثورة المضادة والأنظمة التي أفلتت من رياح التغيير التي هبت على العالم العربي بعد تفجر ثورات الربيع العربي باتت ترى في (إسرائيل) مصدر مهم لدعم استقرارها، سيما في أعقاب تراجع الدور الأمريكي وميل إدارة أوباما لتقليص درجة تدخلها في شؤون المنطقة، ونقل مركز ثقل اهتمامها لمنطقة جنوب شرق آسيا.
ومن أجل أن يحرج الكيان الصهيوني النخب الغربية التي تنادي بفرض مقاطعة على (إسرائيل)، فقد عمد إلى تسريب معلومات حول مظاهر التعاون والتواصل مع عدد من الأنظمة العربية، مع العلم أن تل أبيب كانت تحرص على خفض الاهتمام الإعلامي بهذه الاتصالات لدواع إستراتيجية.
ومن الواضح أن تسريب هذه المعلومات مرتبط بشكل أساسي بتوجه صناع القرار في (تل أبيب) لمواجهة حركة المقاطعة الدولية "BDS"، حيث أن الصهاينة يجاهرون بالقول إنه من خلال الكشف عن مظاهر الاتصال مع الأنظمة العربية يريدون أن يوجهوا رسالة للرأي العام الغربي مفادها بأنه لا يجدر التعاون مع "BDS"، حيث لا يعقل أن تتم مقاطعة (إسرائيل) بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين في الوقت الذي تواصل أنظمة عربية علاقاتها مع (إسرائيل) وكأن شيئاً لم يكن.
من هنا، لم تتردد (إسرائيل) في الكشف عن مصافحة نتنياهو لزعيم الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي وتبادل الحديث معه على هامش مؤتمر "المناخ" في باريس.
ومن المفارقة أنه في هذا الوقت تحديداً باتت (إسرائيل) التي دشنت وزارة لمواجهة حركة المقاطعة الدولية تبدو مطمئنة إلى أن بعض الأنظمة العربية ستكون أهم مصدر دعم لها في مواجهة هذه الحركة.
ولم يكن من المستهجن أن يطالب الجنرال آفي بنياهو، الناطق السابق بلسان الجيش الصهيوني بتوظيف الأنظمة العربية في مواجهة المقاطعة الدولية من خلال الطلب منها ممارسة ضغوط على الفلسطينيين للموافقة على استئناف المفاوضات، وذلك على أمل أن يسهم ذلك في تقليص هامش المناورة أمام الداعين لفرض المقاطعة على (تل أبيب).
لكن الطموح الصهيوني لا يقف عند هذا الحد. فـ(إسرائيل) باتت تتحدث عن تحالفات مع بعض الأنظمة العربية كأساس لتحالفات إقليمية، وذلك لتحسين مكانة الكيان الصهيوني في الميزان الإستراتيجي.
فعلى سبيل المثال، تجاهر (إسرائيل) برهانها على التحالف الرباعي الذي بات يضم إلى جانبها كلاً من: مصر وقبرص واليونان، ولا حاجة للتذكير أن هذا التحالف سيعمل ضد تركيا، بوصفها عدوا مشتركا لهذه الأطراف.
لكن ما يجهله الحكام العرب الذين يهرولون لأحضان (إسرائيل) هو أن مفتاح التحرك الصهيوني هو المصلحة الصهيونية فقط.
فعلى سبيل المثال لم يتردد نتنياهو في الضغط على روسيا من أجل منع تزويد مصر بسلاح نوعي، مع العلم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والنظام الحاكم في القاهرة لم يبديا أصلاً توجهاً جدياً لعقد صفقات من هذا القبيل.
ولا حاجة للتذكير بأن (إسرائيل) أحبطت مؤخراً صفقات سلاح بين الولايات المتحدة وعدد من دول الخليج، حيث مارست ضغوطاً على إدارة أوباما ونجحت في منعها من تزويد هذه الدول بسلاح نوعي.
قصارى القول: المستغيث بـ(إسرائيل) كالمستغيث من الرمضاء بالنار.