في خضم أحداث انتفاضة القدس المندلعة منذ مطلع اكتوبر الماضي، وقعت عدة عمليات مسلحة أربكت حسابات الاحتلال، خصوصا مع عدم إعلان أي جهة المسؤولية عنها، مما زاد الطين بلّة، بعد أن أزعجت العمليات الفردية (إسرائيل)، وزاد تيهها في البحث عن المنفذين، بينما كان لها أثر واضح على دعم الحراك الشعبي في الأراضي الفلسطينية كافة.
بدءًا من عملية إيتمار بنابلس التي قتل فيها مستوطنيْن حيث كانت بمثابة الشعلة الموقدة لنار الانتفاضة، ومن بعدها توالت العمليات المسلحة، حيث تنوعت جغرافيا، واتخذت عدة أساليب عسكرية، مما جعل الاحتلال يشير إلى خلايا عسكرية منظمة تعمل تحت غطاء من السرية، يُصعب الوصول إليها في الوقت الحالي على الأقل.
وعلى صعيدٍ آخر، كان لهذه العمليات "النوعية" بحسب وصف المراقبين للشأن الإسرائيلي بالغ الأثر في رفع معنويات المنتفضين في شوارع الضفة والقدس المحتلتين، بينما أشارت بعد المصادر الأمنية الإسرائيلية إلى أن توقيت العمليات بين الفينة والأخرى هدفه الوحيد إعطاء الانتفاضة نفسا أطول مما يحسب لها، عبر دعم الحراك الشعبي غير المنظم، ما يشير إلى وجود جهات معنية بذلك، وليست في نطاق العمليات الفردية.
وهناك ثمة من يرى أنه يتوجب على هذه العمليات أن تكون بمثابة ردة فعل على ازدياد جرائم الاحتلال، وبذلك تحقق هدفين، الأول إعطاء إشارة للاحتلال أن أفعاله سيكون لها عقاب فوري، بينما الثاني أنها تعطي الشعور للطرف الفلسطيني بأن هناك منْ يثأر له.
وفي المقابل، تبدو السلطة أكثر انزعاجا من إسرائيل نفسها، من خلال تصريحات رئيسها محمود عباس أنه "لا يريد أن تتطور الأمور عما هي عليه حاليا"، إذ يقصد بقاءها في حدود الحراك الجماهيري في عدة نقاط تماس مع الاحتلال بمدن الضفة فقط، بينما لا يخفي عدم تأييده للعمليات المسلحة.
ويقول المتابع للشأن الإسرائيلي عمر جعارة إن الاحتلال ما يلبث أن يتنبأ بإنتهاء موجة ثورية، حتى تأتي عملية نوعية، تعدم التفاؤل الذي بنته (إسرائيل) على عدة مؤشرات بعيدة عن الواقع الذي يشير إلى أن الانتفاضة في حالة استمرارية إلى أن يشعر المواطن الفلسطيني بتغير على الأرض.
وتلجأ إسرائيل عادةً إلى تحميل المسؤولية لعدة جهات دون أي دليل تسند به حديثها، كإتهامها لأسرى محررين في صفقة تبادل "وفاء الأحرار" التي تمت عام 2011، بأنهم على صلة مباشرة بتنشيط الخلايا النائمة في مدن وقرى الضفة، وكذلك لا تجد غضاضة في اتهام عباس والسلطة بالمسؤولية؛ رغم أن العقل المنطق يستبعد ذلك، بناءً على توجهات السلطة، مما يظهر التخبط الواضح في تحديد هوية المنفذين.
ويرى جعارة أن الاحتلال الاسرائيلي أمام معضلتين في انتفاضة القدس، الأولى تتمثل بالعمليات المسلحة التي تتنوع كمًا وكيفًا، وأما الثانية فهي العمليات الفردية والتي ما زالت مستمرة بعد مرور 72 يوما على بدء هذه العمليات، التي أوقعت عددا من القتلى والجرحى الإسرائيليين.
ومما يربك الاحتلال -بحسب جعارة- أن غالبية العمليات لم يجري التوصل إلى منفذيها، مما يجعلها تتوقع حدوث عمليات مسلحة في أي وقت لاحق، الأمر الذي يدخل الاحتلال في دوامة خوف و رعب مما تحمله الأيام المقبلة من انتفاضة القدس.
وهذا ما أكده حديث روعي شتريت القائد العسكري الإسرائيلي لمنطقة قلقيلية قبل يومين إذ قال أن الجيش يتأهب لحدوث الأسوأ، وإن كنا نتعامل اليوم مع 600 فلسطيني يشاركون في المواجهات، فنحن نستعد لسيناريو مشاركة 6 آلاف منهم،مما يتطلب أن نكون جاهزين لمواجهة عمليات إطلاق نار أو التسلل داخل المستوطنات،وما زلت أبحث عن تراجع في عدد العمليات، ولم أتمكن من ذلك بعد!
وفي نهاية المطاف، يبدو أن انتفاضة القدس آخذة في التطور يوما بعد يوم، بفضل استمرار الحراك الشعبي في شوارع الضفة وغزة، عدا عن الحراك السري الذي تقوم به خلايا عسكرية نائمة، توجع الاحتلال، ومن ثم تعود لقواعدها بسلام، مما يعني أننا مقبلون على عمليات نوعية جديدة.