بعكس ما راهنت عليه دوائر صنع القرار في تل أبيب، فأن هجمات باريس لم تؤثر سلباً على قوة وفعالية حركة المقاطعة الدولية "BDS"، التي أسفرت جهودها مؤخراً عن تهديدات إستراتيجية جدية.
ولعل أهم مظاهر نجاح "BDS" كان القرار الذي اتخذته الجمعة الماضي جمعية "الإنثروبولجيين" الأمريكيين (AAA)، التي تعد أكبر إطار أكاديمي في الولايات المتحدة بفرض مقاطعة على المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وتضم هذه الجمعية 12 ألف أكاديمي وباحث أمريكي يتوزعون على تخصصات كثيرة، وكان بعضهم على علاقة عمل وأبحاث مع مؤسسات وباحثين إسرائيليين.
وقد جاء قرار الجمعية بناءً على طلب تقدمت به منظمات المجتمع المدني الفلسطيني للجمعية الأمريكية بدعم من "BDS" لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وقد عد البرفسور بيريتس لبيا، رئيس مجلس الجامعات الإسرائيلية قرار جمعية "الأنثروبولوجيين" الأمريكيين "تهديداً مباشراً لمنعة (إسرائيل) وأمنها القومي".
ونقلت صحيفة "معاريف" عن لبيا قوله:" هذه باتت ظاهرة بالغة الخطورة، ظاهرة تهدد البحث العلمي، الذي يعد أهم الموارد الذاتية وأكثرها حساسية بالنسبة لـ(إسرائيل)، هذا تهديد لرأس مالنا البشري النوعي، هذا القرار سيترك آثاراً بالغة الخطورة ليس فقط على البحث العلمي بل أيضاً على الصناعة والاقتصاد الإسرائيلي، على اعتبار أن البحث يعد متطلباً أساسياً للمنعة الاقتصادية".
وتوقع ليبيا أن يؤثر قرار جمعية الإنثربولوجيين الأمريكيين على المزيد من الأطر الأكاديمية في الولايات المتحدة، مشدداً على أن هذا القرار يفتح الباب على مصراعيه أمام تداعيات بالغة الخطورة.
وأشار ليبيا إلى أن الحماس لفرض مقاطعة على (إسرائيل) لم يعد يقتصر على الأطراف "الهامشية" في الأكاديمية الأمريكية بل بات ظاهرة تحظى بدعم متزايد من قبل جمعيات كانت تعد صديقة لإسرائيل.
وطالب ليبيا بأن يتم الإعلان عن المقاطعة الدولية كخطر "وجودي" ويتم التعاطي معه على هذا الأساس لمحاولة منع انتشار الظاهرة.
من ناحيتها اعتبرت البروفيسورة ربيكا كارمي رئيسة جامعة "بارإيلان" قرار الجمعية الأمريكية بأنه يمثل "سابقة" لأنها المرة الأولى التي ينجح مشروع اقتراح بفرض مقاطعة على المؤسسات الأكاديمية في (إسرائيل) في جمعية أكاديمية أمريكية كبيرة؛ مشددة على أن القرار يمثل " مؤشر خطير جداً عما قد يسفر عنه المستقبل".
ونقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن كارمي قولها إن خطورة المقاطعة التي تفرض على المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية تتمثل في أن مشاريع البحث الرائدة التي ينجزها الباحثون الإسرائيليون تكون في الغالب نتاج شراكة مع جامعات وكليات في الولايات المتحدة وأوروبا.
وحول مظاهر المقاطعة على المؤسسات الأكاديمية، نوهت كارمي إلى أن هذا يعني مقاطعة المؤتمرات العلمية التي تنظمها المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، إلى جانب التوقف عن التعاون مع الباحثين الإسرائيليين في إعداد أبحاث مشتركة.
وأشارت كارمي إلى أن رؤساء الجامعات في (إسرائيل) يتوجهون إلى نظرائهم في العالم، سيما في الغرب في محاولة لمنع صدور قرارات بالمقاطعة، مشيرة إلى أنه يتم الاعتماد أيضاً على جهود تقوم بها جمعيات طلابية يهودية تعكف على شرح وجهة النظر الإسرائيلية.
وفي ذات السياق، قررت اللجنة التنفيذية لحزب العمال البريطاني مقاطعة شركة الحراسة العالمية "G4S" بسبب أنشطتها في (إسرائيل).
وذكرت صحيفة "ميكور ريشون" أن "BDS" مارست ضغوطاً على الحزب لوقف التعامل مع الشركة على اعتبار أن سلوكها يمثل "تشجيعاً للسلطات الإسرائيلية على مواصلة احتلال الأراضي الفلسطينية". يذكر أن "G4S" تشغل نصف مليون موظف يعملون في جميع أرجاء العالم.
ونوهت الصحيفة إلى أن اللجنة التنفيذية لحزب العمال اتخذت هذا القرار على الرغم من أن وزيرة الخارجية في حكومة الظل التابعة للحزب هيلاري بين قد دعت الحزب لـ "النضال ضد دعوات فرض المقاطعة على (إسرائيل)".
من ناحيتها قالت تسيفي حوطبيلي نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية إن الاستنتاج الذي يتوجب على أوروبا أن تتوصل إليه في أعقاب العمليات الإرهابية في باريس هو التصدي لمحاولات فرض مقاطعة على (إسرائيل). ونقلت الإذاعة العبرية عن حوطبيلي قولها إن فرض المقاطعة على (إسرائيل) يمثل "جائزة لإرهابيي داعش".
وفيما يعكس الجدية التي تنظر بها إلى هذا التهديد، قررت الحكومة الإسرائيلية استحداث وزارة مستقلة لمواجهة حركة المقاطعة الدولية "BDS". وقد أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن استحداث الوزارة وكلف وزير الأمن الداخلي يغال أردان بإدارتها.
وقد أطلق المجلس الوزاري على الوزارة الجديدة اسم " وزارة مواجهة المقاطعة على (إسرائيل)"، حيث تقرر أيضاً تخصيص موازنة مبدأية بقيمة 100 مليون شيكل (29 مليون دولار) لتمويل أنشطتها.
وقد أوعز المجلس المصغر، الذي يعد أهم دوائر صنع القرار في تل أبيب، لكل من وزارتي الدفاع والخارجية بالتعاون بشكل مطلق مع الوزارة الجديدة وتقديم كل الخدمات التي تلزم لتمكينها من أداء مهامها.
وذكرت صحيفة "ميكور ريشون" أن الوزارة الجديدة التي ستتخذ من ديوان رئيس الوزراء مقراً لها، ستتولى تخطيط وبلورة وتنفيذ كل الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة حملات المقاطعة التي يشنها الفلسطينيون وأنصارهم في جميع أرجاء العالم.