مع مرور الأيام تتوسع دائرة سيطرة المجموعات المسلحة على مناطق كبيرة من شبه جزيرة سيناء، بينما تتصدر "ولاية سيناء" المشهد، مما جعلها تتقاسم السيطرة الفعلية على الأرض مع قوات الجيش المصري المنتشرة في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
وبالنظر إلى الطبيعة الجغرافية فإن المناطق التي تمثل الثقل بالنسبة لولاية سيناء، تمتد من الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر وحتى مدينة الشيخ زويد بطول 12 كم، وتمتد عرضا إلى القرى الشرقية وكذلك تشمل عملياتها العسكرية مدينة العريش التي تعتبر عاصمة شمال سيناء.
أما الجيش المصري فيتركز حضوره على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، إضافة إلى الكمائن والارتكازات الأمنية المنتشرة على الطريق الدولي وعدة مواقع عسكرية كالأحراش والكتيبة 101 وموقع الشيخ زويد المركزي، بينما يختفي حضور الشرطة المدنية في مدينتي رفح والشيخ زويد.
الأوضاع الأمنية غير المستقرة لا تزال تسود أجواء سيناء للعام الثالث على التوالي، رغم محاولات قوات الجيش المصري إنهاء وجود الجماعات المسلّحة، التي تتصدرها الولاية، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل؛ بدليل استمرار هجمات المسلحين ضد الجيش وبوتيرة متباينة.
مشاهدات ميدانية حصلت عليها "الرسالة" تشير إلى أن ولاية سيناء أضحت بمنزلة قوة فعلية لها سيطرة حقيقية على الأرض، عبر نشرها حواجز ثابتة ومتحركة في شوارع رئيسية وفرعية بمدن رفح والشيخ زويد، وتوزيع مساعدات على السكان، وتعديل بعض السلوكيات الخاطئة بنظرها، كحرق كميات من الدخان المهرب.
والدليل على ذلك، ما حدث مع الشاب الفلسطيني إيهاب الشاعر الذي قُتل على أحد كمائن ولاية سيناء في منطقة "الشلالفة" شرق رفح المصرية، بعدما حاول مسلحون إيقاف السيارة التي كان يستقلها برفقة اثنين آخرين، إلا أن الأمر انتهى بإطلاق النار عليهم.
ووفق المصادر القبلية في سيناء، فإن قوات الجيش تتحاشى المرور عن المناطق التي ينشط فيها مسلحو الولاية؛ خوفا من تعرضهم لإطلاق النار أو تفجير آلياتها، خصوصا أن مسلحي الولاية اعتادوا خلال الأسابيع الماضية على تفجير عبوات ناسفة بالاليات العسكرية خلال مرورها على الطرق العامة في عدة أماكن بالمحافظة.
ومنذ انتهاء عملية (حق الشهيد) التي حشد لها النظام المصري سياسيا وعسكريا واعلاميا قبل عدة أشهر، وانتهت بظهور صور أحرجت الجيش، تبين تعرضه لضربات قاسية خلفت 16 قتيلا وعشرات الإصابات وفق احصائيات رسمية.
ويرد الجيش بحملات مداهمة وتفتيش تطال منازل المواطنين المدنيين، وفي أتونها يعلن عن قتله عددا ممن يصفهم بـ"الإرهابيين"، وما إن تخبو الحملة العسكرية، يظهر أن منْ قتلوا هم مدنيون بالدرجة الأولى.
ويقول الشيخ السيناوي أبو محمد المنيعي لـ"الرسالة" إن المسلحين كانوا سابقا يلجأون إلى الدروب والجبال للاختباء والتمركز، ومن ثم الانطلاق لتنفيذ عمليات، أما اليوم فأصبحوا يتحركون في المناطق السكنية بشكل طبيعي، بعد أن تمكنوا من "ردع قوات الجيش".
ويضيف المنيعي الذي يقطن في قرية المقاطعة شرق رفح أن قوات الجيش تتحرك في ساعات النهار فقط، إذ تخشى التحرك ليلا؛ خوفا من مسلحي الولاية الذين يتربصون بهم، حيث شهدت مناطق كرم القواديس والجورة والطريق الدولي عددا كبيرا من التفجيرات التي استهدفت القوات المسلحة.
من جهته، يقول الخبير الأمني العميد محمود قطري، إن أزمة الجيش المصري في سيناء هي عدم وجود معلومات دقيقة حول أعداد المسلحين وأماكن تواجدهم وتمركزهم، مضيفا في حديثه لصحيفة "العربي الجديد"، أن التنظيمات المسلحة لن تنتهي إلا مع اختراقها والدفع بالعناصر الأمنية إلى داخلها لمعرفة أسرارها ومن ثم التعامل بناء على تلك المعلومات.
ويشير إلى أن أهالي سيناء وفي ظل الأوضاع السيئة التي يعيشونها، لا يتعاملون مع الجيش والأجهزة الأمنية للإبلاغ عن العناصر المسلحة، فضلاً عن تهديدات التنظيم بقتل من يتعاون مع الأمن.